حملة الحد من التهرب الضريبي في اليونان تكشف ألاعيب أطباء وأصحاب مقاهٍ ومالكي يخوت

قدرت خسارتها السنوية من المتهربين بـ30 مليار دولار

سلطات الضرائب وجدت تجاوزات حينما فحصت فواتير الزبائن بمقهى «ثري بيغز» في أثينا («نيويورك تايمز»)
TT

تسلل عملاء من «وحدة مكافحة الجريمة المالية والاقتصادية» في مساء أحد أيام العطلات، منذ وقت قريب، ليجلسوا على بعض المقاعد الطويلة الموجودة داخل حانة «ثري ليتل بيغز» المزدحمة الموجودة هنا. وسرعان ما طلبوا من العملاء أن يطلعوهم على الإيصالات التي بحوزتهم والتي تمثل مؤشرا على أن هذه الحانة الأنيقة تسدد ضرائب القيمة المضافة، لكن العملاء لم يشعروا بالرضا.. واعتمادا على قانون جديد تم إقراره بغية مساعدة اليونان على التصدي لأعمال الاحتيال والغش الضريبي، أغلق العملاء الحانة لمدة 48 ساعة؛ لأن بعض الإيصالات كانت مفقودة، على حد قولهم. عبر المدينة، تعرضت الكثير من المطاعم والحانات الأخرى للإغلاق، وظهرت أسماؤها بالصحف المحلية ووضعت أختام خاصة على أبوابها الأمامية كي يراها الجميع.

وتعتبر هذه الحملة الواضحة ضد المقاهي والملاهي الليلية مجرد جانب واحد للكثير من الجهود التي بذلتها السلطات اليونانية على مدار العام الماضي لتغيير ما شكل منذ أمد بعيد أسلوبا للحياة داخل هذه البلاد يقوم على التهرب الضريبي المستشري. إلا أنه حتى الآن، لم تحقق هذه الجهود إلا نجاحا ضئيلا. في هذا الصدد، قال إلياس بلاسكوفيتيس، الأمين العام لوزارة المالية: «لقد تعلمنا الكثير. وصادفنا نجاحا كبيرا في تحديد من يدين بالضرائب، لكن النجاح كان أقل بكثير في تحصيلها».

وينطوي التهرب الضريبي على أخطار كبرى؛ حيث قدرت دراسات متنوعة أن اليونان ربما تخسر ما يصل إلى 30 مليار دولار سنويا جراء التهرب الضريبي - وهو مبلغ كان سيدفع البلاد لقطع شوط كبير في حل مشكلاتها مع الديون.

وفي الربيع الماضي، أبدى مسؤولون يونانيون ثقتهم في قدرتهم على تحسين جهود جمع الضرائب بسرعة. وثار غضب المسؤولين عندما سمح لهم البنك الدولي بأن يضموا للميزانية 1.6 مليار دولار فقط إضافية بناء على الزيادة المتوقعة في عائدات الضرائب. لكن بلاسكوفيتيس توقع إمكانية تجاوز هذا الرقم بسهولة. وقال إيوانيس كابيليريس، رئيس «وحدة مكافحة الجريمة المالية والاقتصادية»: إن الوكالة أصدرت فواتير وغرامات عن ضرائب لم تسدد بلغ إجمالي قيمتها 6.5 مليار دولار العام الماضي، بارتفاع عن 2.2 مليار دولار عام 2009. وقد تعقب عملاؤه أطباء يدعون أنهم لا يجنون سوى 25 ألف دولار سنويا، على الرغم من أنهم يعملون بمكاتب تتجاوز قيمة إيجارها ضعف هذا المبلغ. كما استجوبوا مالكي يخوت قالوا إن اليخوت الفاخرة التي يملكونها تستخدم فقط لأغراض تجارية، وتعقبوا من خلال صور القمر الصناعي أولئك الذين لم يذكروا وجود أحواض سباحة بمنازلهم في البيانات الضريبية التي تقدموا بها، حسبما تفرض القوانين.

لكن المدفوعات الضريبية تتوالى على الحكومة ببطء.. واعترف مسؤولون بأنه ليس بإمكانهم تحديد حجم العائدات الضريبية التي جرى تحصيلها؛ نظرا لأن الأرقام لا تزال تتوالى من عشرات المكاتب الضريبية بمختلف أرجاء البلاد. إلا أنهم ذكروا أن عائدات اليونان العام الماضي جاءت أدنى عن مستواها المتوقع بمقدار 5.4 مليار دولار، بسبب ضرائب لم تسدد وتباطؤ عجلة النمو الاقتصادي.

في الواقع، جاءت نتائج جهود تحصيل الضرائب رديئة بدرجة دفعت الحكومة اليونانية لأن تقرر في سبتمبر (أيلول) الماضي تنفيذ برنامج عفو يسمح للكثير من دافعي الضرائب بتسوية ديونهم العالقة بسداد 55% فقط من قيمة الضرائب المستحقة عليهم. وحتى الآن، حصد هذا البرنامج أكثر من 1.5 مليار دولار.

أيضا، أثار البرنامج انتقادات، حتى داخل حزب رئيس الوزراء جورج باباندريو. ويرى النقاد في هذا البرنامج مؤشرا على اليأس يبعث بأسوأ الرسائل الممكنة إذا رغبت الحكومة الجديدة في إثبات جديتها حيال تحصيل الضرائب. يُذكر أن الحكومات الماضية كانت تعرض العفو كل بضع سنوات.

في تعلقيه على ذلك، قال كوستاس باكوريس، رئيس قسم الشؤون اليونانية داخل منظمة الشفافية المعنية بمكافحة الفساد: «على المدى البعيد، يشجع ذلك الناس على التفكير في أنه في غضون خمس سنوات من الآن سيتم إقرار عفو جديد وتخفيض آخر. إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تغيير الوضع القائم، ينبغي التزام سياسات متناغمة. لا يمكن أن تقول: سأحارب التهرب الضريبي، لكنني حاليا بحاجة لأموال نقدية؛ لذا لا بأس من مخالفة القواعد». وقال باكوريس: إن القوانين الجديدة كتلك التي أدت لإغلاق «ثري ليتل بيغز» مؤقتا - وأخرى أجبرت مواطنين على كشف الإيصالات التي بحوزتهم وإلا دفعوا ضرائب إضافية - أسهمت في إحكام قبضة الحكومة على الأمور، لكن برنامج العفو الذي أقر وبرنامجا آخر سمح لملاك المنازل للمرة الأولى ببناء منازل متواضعة من دون طرح أسئلة حول مصدر التمويل، تسببا في تقويض المكانة الأخلاقية للحكومة.

ويرمي البرنامج الجديد إلى بناء المنازل لتحفيز الاقتصاد، لكن باكوريس يرى أنه أيضا «يشجع الأفراد على غسل الأموال». ويبدو أن العقبة الكبرى أمام جهود تحصيل الضرائب في اليونان تكمن في النظام القانوني المتجلط، حسبما يعتقد بعض الخبراء. مثلا، قال لياندروس راكينتزيس، فاحص الحسابات العام باليونان: إن اليونانيين بإمكانهم تقديم التماسات ضد الضرائب المفروضة عليهم - وحينئذ، يستغرق الأمر ما يتراوح بين 8 و10 سنوات لتسوية القضية. وأضاف أن هناك أكثر من 300 ألف قضية عالقة من هذا النوم.

وأشار راكينتزيس كذلك إلى ضرورة إصلاح قانون الضرائب لتشجيع اليونانيين على التعاون طواعية؛ ذلك أن القانون الراهن يضم الكثير من الاستثناءات التي تثير اعتقادا لدى الكثير من اليونانيين بأنه ظالم. على سبيل المثال، نوه راكينتزيس بأن المغنين والرياضيين يدفعون ضرائب قليلة للغاية - وذلك لأن المغنين يجري النظر إليهم باعتبارهم يتكبدون كثيرا من النفقات، أما الرياضيون فلأن حياتهم المهنية قصيرة. وأضاف: «كي ينجح نظام ضريبي، يجب أن يجري فرض الضرائب والعقوبات بعدالة على الجميع، الأمر الذي تفتقده البلاد حاليا». ومن غير الواضح بعدُ ما إذا كانت التوجهات العامة تتبدل. من جهته، أعرب بلاسكوفيتيس عن اعتقاده أن هناك بعض التغييرات، لكنها ليست كافية.

وعن ذلك، قال: «الطبيب الذي يجني 20 ألف يورو سنويا واعتاد إخطار الحكومة بأنه يجني 35 ألف يورو، رفع هذا الرقم الآن إلى 65 ألف يورو، لرغبته في عدم جذب أنظار السلطات إليه. البلاد تعاني مشكلات على هذا الصعيد منذ عقود، ومن المتعذر تغيير هذا الوضع في غضون عام». حتى مطاردة ملاك أحواض السباحة الذين لم يذكروا وجودها في القوائم الضريبية التي قدموها للسلطات، لم تكن سهلة. في تلال أثينا الشمالية، حيث يعيش الكثير من أثرياء المدينة، اعترف 324 فقط من أصحاب المنازل بوجود أحواض سباحة في منازلهم عام 2009.

لكن صور القمر الصناعي كشفت عن وجود أكثر من 10 آلاف حوض للسباحة. من ناحيتها، أعلنت الحكومة فرضها مئات الغرامات، لكنها عجزت عن طرح رقم محدد لأن عملية التفحص الجارية باستخدام القمر الصناعي لا تزال جارية.

واتضح أنه حتى عملية تحديد من يملك أحواضا للسباحة مستنزفة للوقت. ويجري بيع أغطية لأحواض السباحة تشبه شكل العشب في مختلف أرجاء الأحياء الثرية في محاولة للتمويه على وجود هذه الأحواض. ومع ذلك، يرى مسؤولون أن المواطن اليوناني العادي يؤيدهم. عام 2009، تلقت الوكالة التي يترأسها كابيليريس 3500 اتصال بشأن متهربين من دفع الضرائب. عام 2010، ارتفع الرقم إلى 18 ألفا. وبصورة إجمالية حدثت زيادة عائدات ضرائب القيمة المضافة، على الرغم من انخفاض إجمالي المبيعات بسبب الأزمة الاقتصادية.

من جهتها، فرضت الحكومة عددا من القوانين هذا العام، بينها قوانين جديدة للكشف عن المهن المنغلقة على نفسها وإعادة هيكلة أصول الدولة الخاسرة وإعادة صياغة نظام المعاشات.

لكن بلاسكوفيتيس يرى أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من الجهود. ومن المقرر طرح مجموعة جديدة من الإصلاحات الضريبية على البرلمان تتضمن مقترحات بفرض عقوبة السجن لفترة تصل إلى 20 عاما لمرتكبي التجاوزات الكبرى. ويقترح بلاسكوفيتيس إقرار إجراءات تحكيم لنقل قضايا الضرائب خارج المحاكم. في تلك الأثناء، قررت الحكومة أيضا تعهيد بعض عمليات تحصيل الضرائب.

* خدمة «نيويورك تايمز»