كردستان: مواطنون يرفضون اللجوء للعنف ويدعون إلى إعطاء الحكومة فرصة للإصلاحات

مخاوف شعبية من تدهور أمني.. وعودة الاقتتال بين حزبي بارزاني وطالباني

أكراد يتظاهرون أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية في لندن، أمس («الشرق الأوسط»)
TT

خرج الحاج علي كاشي والد الطفل ريزوان الذي لقي مصرعه في مواجهات الخميس الماضي على وسائل الإعلام المحلية بنداء يدعو فيه إلى وقف المظاهرات الحالية لإعطاء الفرصة للحكومة للقيام بالإصلاحات المطلوبة شعبيا، مشددا على عدم استغلال مقتل ابنه ذريعة لتصعيد الوضع والتظاهر للمطالبة بدمه، مؤكدا أن ابنه سقط شهيدا وأنه يقدمه قربانا لهذا الشعب الذي يتوق إلى تحقيق أمانيه، داعيا إلى وقف المظاهرات التي أوقفت حركة الحياة في كردستان.

هذا النداء كان له صدى في الكثير من الأوساط الشعبية الكردستانية لمستها «الشرق الأوسط» في جولتها الاستطلاعية للشارع الكردي لرصد الآراء حول ما يجري اليوم من أحداث دراماتيكية، والتي لاحظت أن الغالبية العظمى من المستطلعين يتخوفون من الانفلات الأمني وتطور الأوضاع بما يدفع نحو المزيد من التأزم، خصوصا مع إشارة الكثير منهم إلى وجود أياد خفية تستغل الوضع وتحاول تمرير مخططاتها لتخريب الوضع المستقر في كردستان. فيما عبر آخرون عن مخاوفهم من عودة الاقتتال بين الحزبين الكرديين الرئيسيين الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني.

ففي أربيل أكد سيروان محمد (35) سنة ويعمل بائعا للمواد الكهربائية «أن الوضع ينذر بمخاطر كبيرة لم نعتد عليها منذ سنوات طويلة، فبعد عقود من الحكم البعثي تحررت كردستان بانتفاضة عام 1991، ولم تمر فترة طويلة حتى نشبت الحرب الداخلية بين الحزبين الكرديين، وبفضل الله تمكنا من تجاوز آثار تلك الحرب القذرة، ومنذ سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة استعدنا أنفاسنا وتحسنت أحوالنا المعيشية، حرام أن يأتي البعض ليخربوا علينا هذا الوضع الآمن والمستقر ويسدوا علينا أبواب الكسب بإحداث القلاقل الأمنية التي تضر بمصلحة الشعب، فرغم أن المظاهرات لم تصل إلى أربيل بعد وأدعو الله أن لا تصلها أبدا، ولكن حركة السوق توقفت تماما هنا بتأثير أحداث السليمانية، وأدعو الله أن نتجاوز هذه المرحلة بسلام لكي نبقى سالمين آمنين في بيوتنا».

ويقول جودت كريم (52) سنة «الأحداث التي تجري في السليمانية تقلقنا كثيرا، وتنذر بمخاطر حقيقية على الإقليم، خصوصا من الناحية الأمنية التي نفتخر بها في كردستان منذ سنوات طويلة، فها هي كركوك والموصل اللتان لا تبعدان عنا كثيرا تعانيان مثل بقية مدن العراق من التوترات الأمنية والانفجارات وعدم الاستقرار فيأتي أبناؤها إلى كردستان باعتبارها ملاذا آمنا، فهل يقبل ضمير أي إنسان أن نخرب هذا الوضع الآمن بأيدينا؟ ثم أين نذهب نحن عندما نفقد الأمن والأمان في كردستان، صحيح أن هناك فسادا في السلطة والقادة يعترفون بذلك، ولكن من الضروري أن نعطي الفرصة للحكومة لكي تصلح وضع الإقليم وتقضي على الفساد، خصوصا أننا نشعر بأن هناك جدية ووعودا صادقة بهذا المجال، فالسيد مسعود بارزاني أكد بنفسه أنه سيعمل على مكافحة الفساد ونحن لنا ثقة كبيرة به، ومتأكدون بأنه عندما يعد سيفي بوعده، وهذا ما لمسناه منه دائما».

من جهته يبدي المواطن نصر الدين عزيز مخاوفه من اندلاع الاقتتال الداخلي مرة أخرى ويقول «ما حصل في أربيل وسوران ودهوك من إحراق مقرات حركة التغيير، وما جرى اليوم من إحراق تلفزيون كردي في السليمانية كلها تشير إلى وجود أياد خفية تقف وراء تصعيد التوترات، وهذه الأطراف لن تتوانى عن إحداث فتنة كبرى بين الأحزاب الكردستانية لكي تعيد القتال الداخلي بكل آلامه وتداعياته مرة أخرى إلى الإقليم والذي لم نتعاف منه بعد تماما، لذلك أحذر أبناء شعبي من هذه المخاطر الكبيرة، وبالرغم من أنني أؤيد المظاهرات السلمية للشباب ولهم الحق كل الحق في مطالبة حكومتهم بالإصلاحات وتوفير فرص التعيين لهم وتحسين الأحوال المعيشية للشعب، ولكني بالمقابل أدعوهم إلى الحذر واليقظة من مخططات أعداء كردستان».

من السليمانية أكد ياسين فرج وهو صاحب مطعم شعبي يقع بالقرب من مقر الفرع الرابع للحزب الديمقراطي بالسليمانية الذي تعرض إلى هجوم يوم الخميس، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «منذ 4 أيام لم أستطع فتح مطعمي بسبب الأوضاع الأمنية، والتوتر الحاصل في الشارع، وهذا يؤثر على معيشتي ومعيشة أطفالي، وهناك المئات من أصحاب المحلات مثلي الذين ابتلوا بهذه الأحداث وتوقفت تجارتهم وكسبهم لمعيشتهم، لقد تكبدنا خسائر كبيرة خلال الأيام الأربعة الأخيرة، فتصور حجم الخسائر في كافة القطاعات في حال استمرت الأوضاع الحالية لفترة أطول، فمن أين نكسب عيشنا ونحن لا نملك سوى محلاتنا المقفلة التي هي مصدر عيشنا نتكسب منها»؟

أما عمر عثمان الذي يعمل مبيضا للجدران فيقول «لأربعة أيام لم أجد أحدا يطلبني للعمل، وصدقني في اليوم الذي لا أعمل فيه لا أجد قوتا لأطفالي، أنا لست موظفا لدى الحكومة حتى لا يتأثر راتبي بمثل هذه الأحداث، أقل توتر أمني سيوقف الحركة تماما في جميع مرافق الحياة والمتضرر هو بالأساس الشعب الكادح».