اليمن: عودة المواجهات في صنعاء بين مؤيدي ومعارضي الرئيس صالح

نائب الرئيس: مندسون من الأرياف يقومون بأعمال التخريب في عدن

متظاهر يمني ضد حكومة الرئيس علي عبد الله صالح يحاول اطفاء النيران التي اشتعلت في سيارة أحد مؤيدي الرئيس صالح أثناء المواجهات التي حدثت في صنعاء أمس (أ.ب)
TT

عادت إلى العاصمة اليمنية صنعاء, أجواء المواجهات بين المتظاهرين المطالبين برحيل النظام، وأنصار الرئيس علي عبد الله صالح، فقد شهدت ساحة جامعة صنعاء الجديدة، أمس، مواجهات عنيفة بين الجانبين، وذلك عندما حاولت مجاميع مؤيدة للنظام اقتحام ساحة الاعتصام وتفريق المتظاهرين الذين نصبوا الخيام وينفذون فعاليات احتجاجية تهتف بأن «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ارحل», وكذا «بعد مبارك يا علي», وغيرها من الشعارات.

ودارت صدامات عنيفة عندما تصدى الشبان المتظاهرون لمحاولة تفريقهم من قبل من يصفونهم بــ«البلاطجة», وقام المتظاهرون بإحراق سيارة أنصار النظام، ويقول شهود عيان إن السيارة تحمل لوحة معدنية لإحدى الدول الخليجية، غير أن قوات مكافحة الشغب تمكنت من السيطرة على الموقف وأقامت حاجزا بشريا فصل بين الفريقين. ووقعت هذه المواجهات بعد يومين فقط من إعلان الرئيس علي عبد الله صالح وغيره من المسؤولين أن قوات الأمن ستقوم بحماية المتظاهرين، وفي تطور لاحق أقام أنصار الرئيس صالح مخيما قريبا من جامعة صنعاء التي يعتصم أمامها المناوئون للنظام، إلى جانب المخيم الكبير الذي يقيمه مؤيدو وأنصار الحزب الحاكم في ميدان التحرير بوسط العاصمة صنعاء.

وبحسب مصادر في القيادات الطلابية، فإن 10 طلاب أصيبوا في المواجهات التي دارت. في هذه الأثناء انعقد مجلس الدفاع الوطني في وقت متأخر من ليل أول من أمس، برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح، وبحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، فإن الاجتماع استمع إلى التقارير الأمنية «المتصلة بالأوضاع الأمنية وأداء ومهام أجهزة الأمن للحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة»، التي تضمنت «النتائج المؤسفة» التي خلفتها الأحداث والمواجهات خلال الأيام القليلة الماضية وبالأخص في مدينة عدن التي أحرقت فيها أقسام شرطة ومبان حكومية وسيارات حكومية وخاصة بمواطنين.

وعبر مجلس الدفاع الوطني عن أسفه لـ«سقوط عدد من الضحايا وتدمير الممتلكات العامة والخاصة نتيجة تلك الأعمال الإجرامية المجافية للممارسة الديمقراطية الصحيحة ولأخلاق شعبنا اليمني والمعادية للنظام والقانون والهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بمصالح الوطن والمواطنين»، وحذر المجلس، الذي يعد أعلى هيئة عسكرية وأمنية في البلد، من «اندساس بعض العناصر التخريبية التي لها ثأر مع الوطن وثورته ووحدته والمصالح العليا للشعب اليمني»، وقال المجلس إن تلك «العناصر تسعى وبخبثها المعروف إلى محاولة تمرير مخططاتها عبر تلك الأعمال غير المشروعة واستغلالها للمناخ الديمقراطي السلمي من أجل إشعال أتون الفتنة والصراع والعنف ومحاولة الانقلاب على الديمقراطية والشرعية الدستورية التي ستبقى مصانة في ظل يقظة أبناء شعبنا ومؤسساته الدستورية»، ولم تقتصر مناقشة مجلس الدفاع الوطني على الأوضاع في اليمن، بل تعدتها إلى الوقوف أمام ما يجري في بعض البلدان العربية، وبالأخص في ليبيا من انتفاضية شعبية ضد نظام العقيد معمر القذافي.

واعتبر تلك الأحداث «مؤسفة»، وناشد «الأشقاء في ليبيا العمل على كل ما من شأنه وقف نزيف الدم والحفاظ على أمن واستقرار ليبيا». وفي سياق التطورات الجارية في الجماهيرية الليبية، فقد وجه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حكومته بتخصيص رحلات طيران من قبل شركة «الخطوط الجوية اليمنية» لنقل المواطنين والطلاب اليمنيين من ليبيا إلى اليمن.

من ناحية أخرى، يواصل الفريق عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس اليمني، متابعة التطورات الجارية في المحافظات الجنوبية، وبالأخص في مدينة عدن التي دارت فيها مواجهات عنيفة خلال الأيام القليلة الماضية، وهي المدينة التي وصفها هادي، بأنها «حضارية ومسالمة»، وخلال لقائه أعضاء المجالس المحلية (البلدية) في عدن، قال إن من قدموا من الأرياف إلى عدن، هم من يتظاهرون «مستغلين اللحظة الآنية للاندساس والقيام بأعمال تخريبية لا تمت لأبناء محافظة عدن بأي صلة، وهؤلاء الذين يأتون لأعمال الهدم والتخريب بمختلف مسمياتهم، لهم أغراض ودواع غير إنسانية ولا وطنية»، وقال نائب الرئيس: «إننا ننبه الجميع بأن الوحدة والديمقراطية خطوط حمراء وسوف لن نسمح للعابثين بالأمن والنظام العام بأن يمارسوا هذه الأساليب المرفوضة والدنيئة». مؤكدا أن «على جماهير الشعب التصدي الحازم لمثل هؤلاء الغوغائيين».

وأضاف الفريق هادي على سبيل التذكير: «كنا قبل الوحدة، وفي ظل الدولة الشطرية نتقاتل كل خمس سنوات، واليوم الحمد لله ننعم بالأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي والمعنوي»، واعترف، في الوقت ذاته، بأن هناك «مطالب، نعم ولا بد من المعالجات الجدية والسريعة، وها نحن دوما في حالة عمل مستمر وتحقيق إنجازات ومكاسب لا يستهان بها وعلى مختلف الأصعدة. والمسيرة مستمرة نحو إيجاد مخارج سليمة من خلال توفير الوظائف والعمالة، وبما يخفف من أعباء الفقر والحاجة». وزارت «الشرق الأوسط» ليل أول من أمس، مخيم المتظاهرين أمام جامعة صنعاء الجديدة، حيث قضى مراسل الصحيفة بضع ساعات مع المتظاهرين في أول ليلة سمح فيها للشباب بالاعتصام أمام الجامعة، دون مضايقة أو منع أمني، ويقضي الشباب الليل في التعبير عن آرائهم ومطالبهم برحيل النظام، وإلى جانب الشعارات المعتادة التي تتردد في أكثر من بلد عربي، فإن الأناشيد الوطنية هي ما تصدح به مكبرات الصوت في ليل صنعاء البارد الذي يتحول إلى دافئ بالرقصات الجماعية على أنغام تلك الأناشيد التي أغلبها للفنان الكبير أيوب طارش، ملحن النشيد الوطني للجمهورية اليمنية.

وبمجرد أن سمحت السلطات بالاعتصام أمام الجامعة، قام الشبان بتشكيل لجان أمنية ولجان خدمات، وتقوم اللجان الأمنية بتأمين الساحة وبتفتيش دقيق لكل القادمين للمشاركة في الاعتصام، وقد أسفرت هذه الخطوات، خلال اليومين الماضيين، عن اعتقال عدد من «المندسين» وبحوزتهم بعض الأسلحة، كالمسدسات والخناجر، وضمن المشاهد في تلك الساحة، حرص المعتصمون على نظافة المكان وقيامهم بتجميع القمامة والمخلفات في مكان مخصص، ثم التخلص منها أولا بأول، في هذا المكان الواقع في شارع الدائري الذي يقع فيه نصب تذكاري مهم ارتبط بالجامعة وأهميتها في تاريخ اليمن الحديث، وهو النصب الذي نحتت فيه جملة: «الإيمان يماني.. الحكمة يمانية». وخلال فترات النهار يتوافد الآلاف إلى ساحة الجامعة للتظاهر إلى جانب الشباب المعتصمين، وبالأخص الفتيات، والفئات النخبوية، كالأطباء والمعلمين والفنانين وغيرهم، ويتوقع مراقبون أن تتزايد أعداد المتظاهرين مع تحسن الأوضاع الأمنية واختفاء «أعمال البلطجة»، وأبزر المشاهد في هذه الساحة الاحتجاجية أن عددا من رموز القبائل من مناطق ومحافظات: خولان، مأرب، الجوف، البيضاء وحاشد، وغيرها من القبائل والمناطق، وذلك لتأييد الشباب المعتصمين ومطالبهم برحيل النظام، ولعل مشاركة مثل هذه الفئات الاجتماعية، ستسهم كثيرا في الحد من تعرض المعتصمين للاعتداء على يد مؤيدي الرئيس والحزب الحاكم، لأنها ذات ثقافة قبلية بما تعنيه هذه الثقافة، حسب المراقبين.