إيمانويل.. السياسي الذي فضل شيكاغو على واشنطن استجابة لطلب أوباما

الرئيس السابق لموظفي البيت الأبيض يتجه للفوز بعمودية ثالث أكبر مدينة أميركية

رام إيمانويل
TT

رجحت استطلاعات الرأي فوز الرئيس السابق لموظفي البيت الأبيض رام إيمانويل، بعمودية شيكاغو، في الاقتراع الذي نظم أمس، وبذلك سيخلف المساعد السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس البلدية المنتهية ولايته الديمقراطي ريتشارد ديلي الذي اختار عدم الترشح لولاية سابعة بعدما ترأس بلدية المدينة على مدى 22 عاما متواصلة. وكان لافتا أن إيمانويل، وافق، بناء على طلب من أوباما، على ترك منصبه في البيت الأبيض مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من أجل العودة إلى مسقط رأسه والمنافسة على عمودية شيكاغو، التي تعد ثالث أكبر مدينة أميركية ولها أهمية رمزية كبيرة لأوباما وفريقه.

وبات من شبه المؤكد أن إيمانويل يتجه للفوز برئاسة البلدية بعدما بتت المحكمة العليا في ولاية إلينوي بأهليته للترشح، ناقضة بذلك حكما سابقا منعه من ذلك بحجة أنه لم يسكن في المدينة سنة كاملة قبل الانتخابات. ورغم أن هناك عدة منافسين إلا أن أهمهم هو جيري شيكو، مدير الموظفين في عهد العمدة السابق، والذي كان ينتقد إيمانويل بأنه رغم ترعرعه في شيكاغو، فإنه ابن ضاحية راقية فيها ولم يعرف الحياة في قلب المدينة وفي أحيائها الفقيرة.

وأفادت صحيفة «شيكاغو تريبيون»، حسب استفتاء للرأي، بأن إيمانويل يتجه للحصول على 49% من الأصوات مقابل 19% لشيكو. لكن، شبكة «دبليو إل إس» رأت حسب استفتاء آخر خاص بها، أن إيمانويل سينال 54% مقابل 14% لمنافسه شيكو. وجاءت في أسفل القائمة السناتورة السابقة براون كارول موسلي، أول سوداء دخلت مجلس الشيوخ. ومرة فكرت في أن تترشح لرئاسة الجمهورية، قبل خمس عشرة سنة من ترشيح أوباما، أول رئيس اسود. وفي حال لم يحصل أي مرشح على نسبة تفوق 50% فإنه سيجري تنظيم دورة أخرى.

ولد إيمانويل في ضاحية راقية خارج شيكاغو لأبوين يهوديين، حسب معلومات الكونغرس عندما دخله نائبا. وحسب تقرير «الإخوة إيمانويل» في صحيفة «نيويورك تايمز» كتبته الصحافية اليهودية إليزابيث باميلر، يعمل والده، بنيامين إيمانويل، طبيب أطفال في القدس. و«كان عضوا في منظمة أرغون»، وهي منظمة يهودية عسكرية حاربت العرب في فلسطين أيام الحكم البريطاني، وقبيل قيام دولة إسرائيل. اسمه الأول «رام» ويعني العبرية «عالي»، أم اسم عائلته (إيمانويل) فيعني بالعبرية «الله معنا». واعتمدت العائلة الاسم لتكريم شقيق والده، عمانوئيل أوروباخ، الذي قتل في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 في القدس.

درس رام في مدارس يهودية في شيكاغو وإسرائيل، وحضر وإخوته مخيما صيفيا في إسرائيل بعد حرب الأيام الستة عام 1967. ورغم أن معارضيه يسمونه «الجزار» لأنه مناكف ولا يتهاون مع معارضيه، ويشيرون إلى إصبعه المقطوعة، فإن الحقيقة هي أن أصبعه قطعت خلال سنوات دراسته الثانوية، بينما كان يعمل في أحد المطاعم. لكن مؤيديه يشيرون إلى أنه شخص أقل عنفا، ويقولون إنه عندما كان صبيا، تخرج من مدرسة لرقص الباليه. كما أنه أرسل أولاده ليتعلموا رقص الباليه.

ولو كان قبل منحة دراسية لدراسة جامعية في الباليه، فإنه كان ربما غير مستقبله بشكل كامل. لكنه رفض المنحة، ودرس الاتصالات والقانون في جامعة نورثويستيرن، بالقرب من شيكاغو. وحاز درجة الماجستير في الاتصالات في عام 1985. وعندما كان لا يزال في المرحلة الجامعية، انضم للعمل لصالح عضو الكونغرس ديفيد روبنسون في شيكاغو، وكان ذلك مدخله إلى السياسة.

وخلال حرب الخليج عام 1991، تطوع مع قوات الدفاع الإسرائيلية كمدني وساعد في صيانة المعدات العسكرية. ثم عاد إلى شيكاغو وتزوج. زوجته «إيمي» كانت مسيحية ثم تحولت إلى اليهودية قبل وقت قصير من زواجهما، ولديها ابن وابنتان.

ويشير مراقبون إلى عدة عوامل ساعدت في التقارب الذي حدث بين إيمانويل وباراك أوباما، وأبرزها أن ديفيد أكسلرود، كبير الاستراتيجيين في حملة باراك أوباما الرئاسية سنة 2008، كان هو الذي قدم إيمانويل إلى أوباما. وجدير بالذكر إلى أن ثلاثتهم من المدينة نفسها: شيكاغو.

لكن، قبل ذلك بعشرين سنة تقريبا، بدأ إيمانويل حياته السياسية مع منظمة تعنى بالدفاع عن حقوق المستهلكين، ثم تخصص في جمع التبرعات للحملات الانتخابية. وفي سنة 1984، عمل في جمع التبرعات لمرشح الحزب الديمقراطي لمجلس الشيوخ، بول سايمون. ثم صار مديرا لحملة وطنية لجمع التبرعات لمجموعة الكونغرس الديمقراطية في سنة 1988. ثم لجمع التبرعات لريتشارد ديلي عندما فاز بعمودية شيكاغو.

وفي سنة 1991، انضم إلى حملة حاكم ولاية أركنساس، بيل كلينتون، لرئاسة الجمهورية. ثم صار مديرا للجنة المالية للحملة. وحسب ما نشرت وكالة «جي تي إيه» اليهودية، فإن «علاقاته مع مجتمع المانحين اليهود خدمته، وبذلك ساعد كثيرا كلينتون».

وبعد الانتخابات، أصبح مستشارا لكلينتون في البيت الأبيض من سنة 1993 حتى سنة 1998. ومثلما فعل في السنة الماضية، ترك البيت الأبيض وعاد إلى شيكاغو، وترشح لعضوية الكونغرس. وبفضل قدرته على جمع التبرعات وفصاحته، فاز بسهولة بمعقد الكونغرس.

وواصل عمله إلى أن انضم لحملة أوباما سنة 2008. ويشير مراقبون إلى أن إيمانويل لم يكن يريد مغادرة الكونغرس، وإنما الاستمرار في مجلس النواب حتى يصل إلى مرتبة زعيم للأغلبية وربما رئيس للبلاد. لكن أوباما أقنعه بذلك بسبب خبرته وقدرته على التنظيم وخصوصا في مجال جمع التبرعات.

ولا يمكن التقليل من شهرته كمناكف، باعتراف مؤيديه ومعارضيه. ويسميه شون هانيتي، مقدم برنامج في تلفزيون «فوكس»: «رام السمكة العفنة»، في إشارة إلى قصة تعود إلى فترة الحملة الانتخابية في شيكاغو لعضوية الكونغرس سنة 1998، عندما أرسل إلى منافسه سمكة ميتة عفنة. ومرة أخرى، بينما كان إيمانويل غاضبا جدا على أعداء الرئيس كلينتون، خلال الحملة الانتخابية التي اشرف عليها، وقف في عشاء احتفالي مع زملاء خلال الحملة، وأمسك سكينا وبدأ يتلو من ورقة أسماء من قال إنهم «خونة»، أي الذين لم يؤيدوا كلينتون من داخل صفوف الحزب الديمقراطي. كان يطعن بالسكين اسم كل واحد من «الخونة» والحاضرون يهتفون: «الموت»، «الموت»، «الموت».

وفي سنة 1998، عندما واجه كلينتون فضيحة العلاقات الجنسية مع مونيكا لونسكي، جاء رئيس وزراء بريطانيا حينها توني بلير، إلى واشنطن، وقرر أن يتحدث للصحافيين دفاعا عن كلينتون. لكن إيمانويل شك في قدرة بريطاني على الدخول في شأن أميركي وفي وشأن «حساس» كهذا. وقال له كلمات بذيئة، لها صلة بعلاقة كلينتون مع الفتاة مونيكا. وضحك الجميع بمن فيهم كلينتون وبلير.