إرتفاع النفط يهدد الاقتصاد الأميركي الذي يعاني عدة أزمات

توقعات بتراجع النمو وارتفاع التضخم

TT

لا يستطيع الاقتصاد الأميركي التقاط أنفاسه؛ ففي العام الماضي مع بدء اتضاح الأمور أربكت أزمة الدين الأوروبي الانتعاش الاقتصادي الهش. والآن تحت ظروف اقتصادية مشابهة يشهد الشرق الأوسط اضطرابات. لقد ارتفعت أسعار الطاقة خلال السنوات الأخيرة نتيجة للعنف السياسي في ليبيا الذي عرقل إنتاج النفط. ويرجع ارتفاع الأسعار إلى مخاوف الاضطرابات التي من المرجح أن تنتشر إلى دول أخرى في حوض المتوسط.

وإذا استمر الارتفاع في أسعار النفط، سيؤدي إلى تباطؤ معدل النمو الذي يعاني بالفعل البطء؛ بحيث لا يستطيع توفير الكثير من الوظائف في هذه الدولة. ويتوقع بعض خبراء الاقتصاد أن يستمر ارتفاع أسعار النفط، الذي تجاوز سعره 100 دولار. وحتى مع عدم ارتفاع أسعار الوقود، يمكن لاستمرار تخييم شبح الترقب حول استقرار الشرق الأوسط أن يؤدي إلى تراجع النمو، ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضا في مختلف أنحاء العالم.

يقول دانيال يرجين، الخبير في صناعة النفط ورئيس مؤسسة «كامبريدج إنرجي أسوسيتس» للاستشارات وأبحاث الطاقة: «لقد تجاوزنا مرحلة الرد على وحشية الأزمة في ليبيا. هناك شيء من الخوف من القادم وما يليه».

وقبل اندلاع أعمال العنف في ليبيا، رفع مصرف الاحتياط الفيدرالي من توقعاته بشأن النمو الأميركي لعام 2011، وقد أصبح المستهلكون أكثر ثقة في المستقبل وأكثر رغبة في الإنفاق بفضل قوة البورصة.. لكن على الجانب الآخر، بالإضافة إلى أسعار النفط، زادت الأسباب التي تدعو إلى عدم اليقين الاقتصادي مؤخرا.. فبعد عدة بدايات خاطئة، انخفضت أسعار المنازل بشكل أكبر، وبحسب تصريحات الحكومة يوم الخميس، تراجعت مبيعات المنازل بشدة في يناير (كانون الثاني) وكذلك السلع غالية الثمن مثل الأجهزة.

وعلى الرغم من تراجع حال الذعر الذي حدث العام الماضي، تظل مشكلات الديون الأوروبية قائمة، مما يمثل عنصرا آخر لا يمكن التنبؤ به في الاقتصاد العالمي. وقد اتخذت الاحتجاجات في اليونان منحى عنيفا خلال الأسبوع الحالي نتيجة اتخاذ إجراءات تقشف جديدة. وتمثل مشكلات الميزانية والدين على جميع الأصعدة في الحكومة الأميركية تهديدا لتعافي الاقتصاد المحلي. فمن المحتمل أن تسرح الدولة المتعثرة والمجالس المحلية المزيد من العاملين لديها خلال العام الحالي في ظل مواجهة أكبر عجز في الميزانية منذ بداية الأزمة الاقتصادية العالمية، فضلا عن ذلك ربما يؤدي مأزق الكونغرس بسبب ميزانية الدولة إلى تعليق عمل الحكومة الفيدرالية.

يقول برنارد باومول، كبير خبراء الاقتصاد في «إكينوميك أوت لوك غروب»، الذي يتطلع بنظرة متفائلة إلى فرص نجاح الدولة: «المفارقة أننا بالكاد انتشلنا أنفسنا من الأزمة المالية المهلكة.. لم يمض على التعافي نفسه أكثر من عامين، ولم نر بعدُ فرص عمل. لقد أصابتنا الصدمة من جرَّاء هذه الأحداث المشؤومة الآن؛ لذا لا يمكن لهذا التوقيت أن يكون أسوأ». لم يتحدث أغلب خبراء الاقتصاد عن غرق الولايات المتحدة في مستنقع الركود، ومن المبكر التنبؤ بمدى انتشار الاحتجاجات الداعية لإسقاط الأنظمة التي شهدتها مصر والبحرين وليبيا.

وخلال الأسبوع الأخير، ارتفعت أسعار النفط بنسبة تتعدى 10% بل وتخطى سعر برميل النفط حاجز 100 دولار. وبحسب دين ماكي، كبير خبراء الاقتصاد في «باركليز كابيتال»، سيؤدي استمرار زيادة أسعار النفط بمقدار 10 دولارات إلى تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 0.2%. وقد توقع مصرف الاحتياط الفيدرالي الأسبوع الماضي أن يحقق الاقتصاد الأميركي نموا يتراوح بين 3.4 و3.9% مسجلا بذلك ارتفاعا عن نمو قدره 2.9% حققه العام الماضي. ويقيد ارتفاع أسعار النفط النمو لأنه يترجم إلى ارتفاع في أسعار الوقود بالنسبة إلى المستهلكين والأعمال. وبحسب تقديرات لافكاس، من المتوقع أن تزداد أسعار النفط ليصل متوسط سعر البرميل إلى 90 دولارا عام 2011 بعد أن كان 80 دولارا عام 2010، وهو ما قد يعادل نحو ربع الضرائب على الرواتب والأجور البالغ قدرها 120 مليار دولار، التي يعتزم الكونغرس إقرارها لتعزيز الاقتصاد العام الحالي. وقد دفع ارتفاع أسعار البنزين جايم ويب، مديرة مكتب في مركز إعادة تدوير في مدينة سيوكس، وزوجها كين، الذي يعمل في «وال مارت»، إلى خفض نفقاتهما، حيث قاما بإلغاء الاشتراك في المحطات الفضائية وخدمة الإنترنت خلال الشهر الماضي. كذلك امتنعا عن التنقل بالسيارة من منزلهما في موفيل إلى مدينة سيوكس خلال عطلات نهاية الأسبوع لزيارة والدي ويب. وفضلا عن زيادة تكلفة رحلات الذهاب والإياب من العمل وإليه، أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع أسعار الغذاء وعلف الحيوانات. ويؤثر انخفاض نفقات المستهلك على الاقتصاد من خلال إعاقة الأعمال، مما يقلل من احتمال التزام أصحاب العمل بزيادة عدد العمالة اللازم لخفض معدل البطالة البالغ 9%.

يقول جيرول كيفيت، صاحب شركة «كيفيتس» التي تعمل في مجال تصنيع المقاعد والمستلزمات الأخرى من الأثاث في كلينتون بولاية شمال كاليفورنيا: «هناك انخفاض في العائدات مع ارتفاع للتكاليف، وبالتالي لا يمكنك تحقيق أرباح. فقط يحاول المرء توفير الرواتب والحفاظ على العمالة أملا في تحسن حال الاقتصاد.. لكن يبدو أنه يشهد تراجعا تلو تراجع».

كذلك يتسبب ارتفاع أسعار النفط في الدخول إلى دائرة مفرغة مع ارتفاع تكلفة الطاقة، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمزيد من الاضطرابات السياسية والمزيد من التخوفات العالمية. وبغض النظر عما يشهده الشرق الأوسط من أحداث، يعاني الاقتصاد المحلي عدة نقاط ضعف ثبت أن تخطيها أمر صعب.. لقد كانت أزمة الإسكان من أسباب حدوث الركود واتجاهه نحو الأسوأ. ومن المرجح أن تستمر الأزمة في بعض مناطق من الدولة حتى نهاية العقد الحالي. وقد بدأت أسعار المنازل تنخفض مرة أخرى بعد فترتي نمو قصيرتين.

خلال الأسبوع الحالي توقع روبرت شيلر، خبير الاقتصاد، انخفاضا آخر بنسبة 25%، مما يؤدي إلى أن تتخطى ديون الملايين من أصحاب المنازل في أميركا قيمة تلك المنازل، مما يثير من غضب المستهلك، وبالتالي خفض إنفاقه واستعادة المزيد من المنازل وفقدان البعض وظائفهم. وحتى لو لم يحدث هذا التراجع، سيظل المقترضون حريصين وسيعاقبون هؤلاء الذين لم يسرفوا أثناء فترة الازدهار الاقتصادي.

حصل كاريا شنايدر وروجر ويسترمان على حصة كبيرة من منزلهما ببروكلين ويسددان الأقساط في موعدها منذ 17 عاما. وخلال فصل الخريف الماضي حاول الزوجان الاستفادة من معدلات فائدة الرهن العقاري المنخفضة. وقدر المبلغ الذي قاما بتوفيره بـ360 دولارا شهريا، لكن قال لهما مقدم القرض إنهما معرضان لخطر الائتمان المتعثر، بينما يعمل الاثنان، البالغان من العمر 48 عاما، عملا حرا. وقالت شنايدر: «كنا لنرسل أبناءنا الثلاثة لا أحدهم فقط إلى التخييم خلال الصيف الحالي». وهناك مؤشرات على تجاوز الاقتصاد للدورة الأخيرة من الضربات؛ حيث تعود عائدات الكثير من الشركات إلى معدلات ما قبل فترة الركود، على حد قول سكوت بوهانون، المدير العام في المجلس التنفيذي للشركة التي تعمل في مجال الاستشارات والأبحاث. ويشير هذا إلى احتمال بدء الشركات زيادة معداتها ومصانعها وعدد العمال لديها. وأوضح قائلا: «بالطبع إذا اندلعت الحرب بشكل كبير أو ما شابه، ستكون إجابتي مختلفة.. فإنك تتحدث في هذه الحالة عن هزات ضخمة للمنظومة».

* خدمة «نيويورك تايمز»