صعوبات تواجه النقل البحري السعودي بسبب ضعف التمويل والقيود الدولية

الخبير البحري بابيضان: نمو القطاع ضعيف.. ونحتاج إلى استثمارات عملاقة

تشهد عمليات النقل البحري في السعودية ضعفا في النمو نتيجة عدد من المعوقات التي تواجه القطاع (تصوير: غازي مهدي)
TT

يواجه قطاع النقل البحري في السعودية عددا من المعوقات التي تحد من استمرارية النمو، الذي تراجع في السنوات الأخيرة لضعف تشجيع الاستثمارات في هذا القطاع وضعف إمكانية التمويل، خاصة أن الاستثمارات في النقل البحري مكلفة، لكنها مربحة على المدى البعيد، بحسب ما ذكره خبير سعودي.

وقال محمد عبود بابيضان، المستشار البحري: إن 95% من واردات السعودية وصادراتها يتم شحنها بواسطة النقل البحري، في حين أن نسبة ما توفره السفن السعودية من نقل الصادرات والواردات لا يزيد على 3% من إجمالي البضائع الواردة على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن القطاع في حاجة إلى دعمه بعدد كبير من السفن السعودية ليصل نصيب السفن السعودية إلى نحو 50% من كمية البضائع الواردة.

وأضاف بابيضان، الذي يشغل منصب نائب رئيس لجنة ملاك السفن بغرفة جدة، أن قطاع النقل بحاجة لاستثمارات عملاقة للنهوض به، مؤكدا أن المسؤولية لا تقع على عاتق الدولة فحسب، بل على القطاع الخاص أن يقوم بمسؤولياته نظير ما يملكه من إمكانات مادية، ودعم الاستثمارات التي من شأنها أن تسهم في تشجيع النقل على السفن السعودية، إضافة إلى إلزامية نقل البضائع المتعلقة بالمشاريع الحكومية على الأسطول السعودي حصريا، وتوفير وقود السفن بالسعر المحلي بدلا من السعر العالمي لمساعدة ملاك السفن السعودية من الصمود أمام منافسة السفن الأجنبية.

ولفت إلى محدودية نمو قطاع النقل البحري إذا قيس بعدد السفن التي تحمل العلم السعودي، وليست هناك زيادة في حجم الأسطول التجاري من السفن السعودية باختلاف أنواعها وتخصصاتها، مبينا أن عدد السفن في تناقص نتيجة عدم إحلال السفن القديمة بسفن حديثة.وتوجد في السعودية شركة واحدة فقط مدرجة في سوق الأسهم السعودية، وهي «الشركة الوطنية للنقل البحري» ويبلغ رأسمالها نحو 3.150 مليار ريال (840 مليون دولار).

وأضاف الخبير السعودي أن الاستثمار في مجال النقل البحري خلال الـ10 سنوات الماضية هو أيضا محدود للغاية؛ حيث لم تدخل شركات ملاحية جديدة ولم يتم الدخول في مشاركات مع شركات أجنبية أو استحواذ على شركات ملاحية عالمية من قبل مستثمرين سعوديين.

وأرجع ذلك إلى تخوف رجال الأعمال السعوديين من الاستثمار في مجال النقل البحري؛ نتيجة فشل بعض المشاريع البحرية سابقا، الذي كان سببه عدم المعرفة والدراية العلمية الكافية بتشغيل السفن التجارية على أصول الملاحة البحرية العالمية وأساليبها.

والنقل البحري تجارة عالمية وليست محلية وتتأثر بشكل مباشر بالقوانين الدولية، خاصة فيما يتعلق بالسلامة البحرية، التي تفرض على ملاك السفن التقيد بتحديث الأسطول ومواكبة التطور العالمي في بناء السفن.

كما أن المنظمة البحرية العالمية (إيمو) قد اشترطت على جميع الناقلات البترولية أن تكون ذات جسم مزدوج لضمان عدم تسرب الزيت حماية للبيئة البحرية، وحددت عام 2005 للتقيد بهذا القرار، مما ترتب عليه منع معظم الموانئ البحرية العالمية السفن التي ليس لها جسم مزدوج من الدخول إلى موانئها تقيدا بتعليمات المنظمة البحرية العالمية.

وقال بابيضان: «إن كثيرا من ملاك السفن وقفوا حائرين إزاء هذه الإجراءات المشددة، مما حدا بالكثير منهم إلى بيع سفنهم البحرية كخردة والاتجاه إلى الاستثمار في مجالات أخرى، وذلك لفشلهم في الحصول على الدعم المادي والتمويل الذي يطمحون إليه من الصناديق الصناعية الحكومية لتحديث أسطولهم ومساعدتهم في تجاوز هذه الأزمة، لكن الصناديق الصناعية، مع الأسف، لم تدعم صناعة النقل البحري، كما أن البنوك المحلية لا تمول السفن أو تحديثها».

وأكد أن الاستثمار في مجال النقل البحري يحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة؛ كونها استثمارات طويلة الأجل لا تحقق عوائد سريعة كحال المجالات الأخرى، لكنها أيضا تحقق عائدات مرتفعة فيما بعد وتعتبر السفن أصولا ثابتة مضمونة لفترات زمنية طويلة تمتد لأكثر من 30 سنة، ويمكن لها أن تحقق رحلة بحرية واحدة من العوائد والأرباح، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في شركة تجارية محلية على مدى سنة كاملة. وقد أثبتت التجربة أن الكيانات البحرية القوية الناتجة عن شركات تجارية قوية تحقق النجاح أكثر من الشركات الفردية التي عادة ما تتأثر وتختفي وهي في بداية الطريق، وهذا لا يعني أيضا أن بعض الشركات الفردية والعائلية البحرية لم تحقق النجاح. وهناك قلة حققت هذا النجاح، لكنه استثنائي.

ودعا بابيضان إلى تكوين شركات ملاحية برأسمال قوي على أن تتوزع التخصصات في مجال العمل، وأن تكون شركات ملاحية متخصصة في نقل الحاويات وأخرى في نقل المواد البترولية (ناقلات) وشركات متخصصة في نقل السيارات بأنواعها، إضافة إلى شركة ملاحية متخصصة في نقل الركاب. وقال: «أعتقد أنه آن الأوان الآن لإنشاء شركات منافسة لـ«الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري» التي أصبحت متخصصة في شراء وتأجير السفن بدلا من تشغيلها، وأن نرى شركات مساهمة في مجال النقل البحري على المستويين المحلي والخليجي بصورة خاصة، مدعومة بجهازين إداري وفني على أعلى مستوى من الخبرة والتخصص، كما يتم إنشاء المعاهد والأكاديميات البحرية لتغذية هذه الاستثمارات بالكفاءات والموارد البشرية في جميع التخصصات». وطالب الخبير في قطاع النقل البحري بألا يقتصر الاستثمار في مجال النقل البحري على تكوين الشركات الملاحية فحسب؛ فهناك الاستثمار في تشغيل الموانئ الممتدة على البحر الأحمر والخليج العربي، وكذلك الاستثمار في بناء وصناعة السفن البحرية والقاطرات وصيانتها، واستغلال فرص تمويل السفن العابرة، الأمر الذي سيخلق فرصا وظيفية للكوادر السعودية. وأشار إلى وجوب الاستفادة من التجربة السنغافورية التي تجني المليارات من هذه الخدمة التي توفرها للسفن العابرة. وقال: «إن الموانئ السعودية الآن جاهزة لاستقبال أعداد كبيرة من السفن التجارية على مختلف أنواعها وأحجامها وتخصصاتها، عطفا على خطة المؤسسة العامة للموانئ في إنشاء وتجهيز عدد أكبر من الموانئ التجارية في شرق السعودية وغربها.. إلا أنها تحتاج إلى تطبيق وتفعيل آليات لسرعة مناولة البضائع بعد وصولها وسرعة خروجها من ساحات الموانئ إلى مستودعات التجار».

وقال الخبير البحري: إن خصخصة الموانئ السعودية ستكون إجراء فاعلا لحركة البضائع وانسيابيتها إذا أنيطت إدارة الموانئ إلى شركات من القطاع الخاص، على أن يقتصر دور المؤسسة العامة للموانئ على امتلاك الأراضي والأجهزة وتوفير المرشدين والرقابة العامة كما هو مطبق في كثير من هيئات الموانئ العالمية.