المحامية أم أحمد تقود لجنة إدارة شؤون مدينة بنغازي

والد الطيار العبدلي: ابني فضل تحطيم طائرته على قصف المدينة

جنود ليبيون يطلقون على أنفسهم جيش ليبيا الحرة يهتفون أثناء التقاطهم صورة في المقر الرئيسي للجيش في طبرق أمس (أ. ب)
TT

خلت مدينة بنغازي، مهد الثورة التي تجتاح ليبيا حاليا ضد نظام العقيد معمر القذافي، من أي مظهر لنشاط حكومي، بعدما سعى سكانها إلى طرد حكامهم المحليين هذا الأسبوع، يدفعهم في ذلك 41 عاما من القهر.

بات السكان أكثر تصميما على ملء هذا الفراغ، ففي مبنى المحكمة الرئيسية، شكل كبار الأساتذة والمحامين والعلماء السياسيين والمعلمين والأطباء لجنة لإدارة شؤون المدينة في ظل غياب سلطة الدولة.

وقد تحركت اللجنة، التي تقودها محامية والتي كانت بالكاد تعرف طعم النمو على مدار الأسبوع الماضي، بسرعة ملحوظة، فقامت بتنظيف الشوارع وتنظيم المرور وإعداد برنامج لدعم تسليح المدينة. وشكلت اللجنة أيضا قوة أمنية، حيث ستكون بحاجة إليها إذا ما قررت قوات القذافي العودة إلى المدينة مجددا.

يقول أحمد الغلال (42 عاما)، رجل أعمال في بنغازي: «نحن لا نعلم إلى أين نحن ذاهبون. لكننا نعلم جيدا ما نقوم به».

تحولت بنغازي، التي كانت على الدوام غصة في حلق القذافي بسبب طبيعتها المتمردة، إلى نموذج لآمال الشعب الليبي في بناء دولتهم إذا ما سقط نظام العقيد الاستبدادي.

وعلى الرغم من وصف القذافي معارضيه، أول من أمس، الخميس، بأنهم متطرفون إسلاميون ومدمنو مخدرات، فإن صور الأحياء في بنغازي تعطى إحساسا مغايرا، حيث تسارع الأحياء إلى بناء مجتمع سعى الكثيرون إلى تحقيقه، ما كانوا ليتخيلوا قبل أسبوع إمكانية حدوثه بهذه السرعة.

تتشابه هذه المشاهد في المدن الصغيرة والكبيرة الأخرى في الشرق، على الرغم من تمسك القذافي بالسلطة في العاصمة في الغرب.

ويقول أبو أحمد، رجل أعمال وطبيب نفسي متقاعد حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ميتشيغان: «القذافي كان يأمل في استيلاء الشعب على الأسلحة وأن تعم الفوضى المدينة، لكننا لن نسمح لهذا بالحدوث، نحن نريد دولة قانون وحقوق إنسان وديمقراطية، لقد فاض بنا الكيل من هذه الأنظمة الإجرامية».

أما زوجته أم أحمد، فتقود لجنة إدارة المدينة، ولم يرغب الزوجان في ذكر اسم العائلة خشية التعرض للانتقام.

بدأت اللجنة في العمل سريعا لأن أعضاءها كانوا يراقبون الثورتين الديمقراطيتين اللتين حدثتا في جارتي ليبيا طمعا في حدوث شيء مماثل هنا. وتقول أم أحمد، وقد بدت على عينيها علامات الإرهاق: «تعلمنا من الأحداث في تونس ومصر».

بحلول الخميس كانت الأدلة على عمل اللجنة قد ظهرت بالفعل في كل أنحاء المدينة. ففي أحد التقاطعات وقف قاض في المدينة يوجه قائدي السيارات بربط حزام الأمان، وعلى الطريق كان الشباب يقومون بتسليم الصواريخ وقاذفات القنابل اليدوية والأسلحة الأخرى التي حصلوا عليها من القواعد العسكرية مع اندلاع الثورة. وفي منطقة وسط المدينة التي يقطنها 1.3 مليون شخص، انتشرت لافتات جديدة تطالب السكان بالحفاظ على أمن ونظافة الشارع.

كانت المدينة تموج بأجواء مبهجة، أول من أمس، الخميس، فبعد عقود من القمع تعلم الناس أنهم قادرون على التصدي بنجاح للقذافي ورجاله. لكن هذه المشاعر بالفرح لا تزال ممتزجة بالمخاوف والحذر. ومع قليل من الأمل بالتدخل الخارجي لوقف القذافي بدا الناس متخوفين من المرحلة القادمة.

دفعت بنغازي ثمنا غاليا للثورة وتحدي القذافي، فقتل ما لا يقل عن 250 وأصيب ما يزيد على 2000 شخص عندما حاول القذافي إخماد الثورة التي يقودها الشباب، حيث أطلقت قوات الشرطة الموالية للقذافي النار على المتظاهرين وأحرقتهم وداست على جثثهم بالسيارات، بحسب روايات شهود العيان.

وتقبع في مشرحة المدينة جثث مجهولة لثمانية أشخاص لم يتعرف عليها أحد، ووجدت في نفق تحت واحد من المقار الأمنية في المدينة.

ويقول جليل هويدي، رئيس قسم الأشعة في مستشفى بنغازي، إنه يعتقد أنهم كانوا جنودا تمت معاقبتهم على عدم إطاعة الأوامر بمهاجمة المدنيين. ووسط أكياس الجثث الخضراء بكى هويدي متأثرا بأسبوع من المذابح التي شهدتها البلاد.

صرخ هويدي بأعلى صوته: «من فضلكم قولوا للعالم، هذه جريمة ضد الإنسانية».

ليس كل من أسهم في إنجاح انتفاضة بنغازي من المدنيين، فبعضهم كانوا من القوات التي انشقت عن الجيش.

ويوم الأربعاء الماضي فضل اثنان من الطيارين القفز من طائرتيهما عن إلحاق الأذى بالمتظاهرين، كان أحدهما عبد السلام العبدلي.

وقال والد الطيار، عطية موسى العبدلي (77 عاما)، إن ابنه أخبره وهو على سرير المستشفى أنه قرر تحطيم طائرته بدلا من ضرب أهداف في مدينته.

وقال العبدلي، وقد احمرت عيناه من البكاء: «إن ابني بطل، أما القذافي فبرغوث أمام الشعب الليبي».

بالعودة إلى المحكمة نجد أم أحمد وقد جلست داخل أحد المكاتب وأصوات الاحتفالات بالنصر في الخارج تلف المكان، لكنها قالت إنها وزوجها لا يزالان يشعران بالخوف، وإنهما يخشيان من سعى القذافي إلى الانتقام قبل سقوطه، وأن لا تتدخل القوى الأجنبية إلا بعد فوات الأوان.

وقال أبو أحمد: «أوباما يتحدث كما لو أنه لا يزال هناك متسع من الوقت. نحن نعيش اليوم الراهن وكأنه آخر يوم في حياتنا. فيومان أو ثلاثة أيام فقط تعني سقوط المزيد من القتلى، فعلام الانتظار من المجتمع الدولي؟».

من جانبه يرى أبو عبد الحميد، رجل أعمال، أن مستقبل بنغازي بات واضحا تماما. أما وقد رحل القذافي ينبغي على الأفراد أن لا يسمحوا بعودته مرة أخرى. يقول: «سيقتلنا جميعا إن سمحنا له بالعودة إلى المدينة مرة أخرى، سنموت. لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص ـ«الشرق الأوسط»