«يوم الغضب» يشهد أكبر مظاهرة في تاريخ العراق.. ويسقط تهم الحكومة للمتظاهرين بالانتماء للبعث

مقتل 5 متظاهرين في الموصل و2 في الحويجة.. ومحافظ البصرة يستقيل بعد اقتحام مقره

متظاهرون عراقيون يرشقون شرطة مكافحة الشغب بالحجارة في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

في مظاهرة هي الأكبر في تاريخ العراق وعمت كل أنحاء البلاد زحفت جموع غفيرة من المواطنين رغم حظر التجوال الذي فرضته قيادة عمليات بغداد بدءا من الساعة الخامسة فجر أمس وحتى إشعار آخر نحو ساحة التحرير في قلب العاصمة. وبينما تعد مظاهرة بغداد هي الأكبر لا سيما بعد أن زحفت أعداد كبيرة من المواطنين بعد صلاة الجمعة باتجاه ساحة التحرير مشيا على الأقدام فقد خرجت مظاهرات في كل مراكز المدن والأقضية والنواحي في محافظات العراق المختلفة. وبينما بدا المشهد في بغداد أول ساعات الصباح مطمئنا إلى حد كبير بعد أن انفردت القناة الحكومية «العراقية» بنقل الصور المباشرة من ساحة التحرير، فقد راح يختلف تدريجيا. وكانت قيادة عمليات بغداد قد ارتكبت، كما يرى مراقبون إعلاميون، مجزرة إعلامية على أثر المنع الذي فرضته على سيارات النقل الخارجي «البث المباشر» فيما يعلق بالوجود في مكان المظاهرة في ساحة التحرير ومقترباتها، بينما أصدرت أوامر بمنع دخول مراسلي قناتي «الشرقية» و«البغدادية» الفضائيتين والتهديد باعتقال مراسليهما ومصوريهما. ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فمع بدء وصول صور المظاهرات التي بدأت تكبر شيئا فشيئا في معظم المحافظات أقدمت القوات الأمنية على اعتقال عدد من الإعلاميين والمصورين في وقت بدأت فيه قناة «الديار» التي تقع على نهر دجلة مقابل جسر الجمهورية مشاهد حية عن قيام متظاهرين غاضبين بالتقدم باتجاه الحواجز الكونكريتية التي وضعت عند مدخل الجسر للحيلولة دون عبور المتظاهرين الجسر باتجاه المنطقة الخضراء حيث تقع مقرات الحكومة والسفارتين الأميركية والبريطانية. ومع بدء هذه القناة تصوير هذا المشهد الفريد والذي تمثل بنجاح المتظاهرين بإسقاط حاجزين كونكريتيين فقد توجهت قوة من عمليات بغداد إلى مقر القناة القريب وأوقفت البث نهائيا بينما بدأت الطائرات تحلق بشكل منخفض على رؤوس المتظاهرين في محاولة لإثارة الفزع والخوف عليهم. وقال الكاتب والصحافي العراقي أحمد المهنا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بغداد إن «قوة أمنية تابعة للحكومة العراقية داهمت مطعم الطرف بمنطقة الكرادة داخل (ارخيتة) واعتدت بالضرب المبرح وأمام الناس على عدد من الصحافيين العراقيين، ثم جرجرتهم إلى خارج المطعم واعتقلتهم»، مشيرا إلى أن الصحافيين «هم: حسام السراي وهادي المهدي وعلي السومري وعلي عبد السادة». وأضاف أن الصحافيين كانوا يؤكدون للقوة الأمنية التي كانت تتابعهم، «بأننا صحافيون وليس من حقكم ضربنا واعتقالنا، إلا أن الردود كانت تأتي عبارة عن ضرب مبرح وكلمات بذيئة».

وبعد أن فقدت الحكومة الهيمنة الإعلامية على مجريات المظاهرات أخذت بعض القنوات الفضائية الأخرى زمام المبادرة بينما بدأت تتوالى الأخبار من المحافظات البعيدة تحمل أخبارا غير سارة إلى بغداد. فأول الغيث جاء من البصرة حيث اضطر محافظها شلتاغ عبود الذي ينتمي إلى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي إلى تقديم استقالته في وقت اقتحم فيه المتظاهرون مبنى المحافظة وطالبوه بتقديم استقالة مكتوبة وهو ما فعله. وفي الموصل شمالا حاول متظاهرون أيضا اقتحام مبنى المحافظة الذي كان يوجد فيه رئيس البرلمان الاتحادي أسامة النجيفي إلى جانب شقيقه محافظ نينوى أثيل النجيفي. وبينما تمكن النجيفيان من الخروج سالمين من المبنى فإن نيران المتظاهرين كانت تلتهم أجزاء منه في وقت كانت مستشفيات الموصل قد استقبلت نحو 21 متظاهرا أصيبوا أثناء المواجهات مع رجال الأمن عند مدخل المحافظة. وأفادت تقارير بمقتل 5 متظاهرين عندما أطلقت قوات الأمن النار لتفريق المتظاهرين. وفي الحويجة قرب كركوك أضرمت النيران في مبنى القائمقامية والمجلس البلدي وأفاد مصدر أمني بمقتل متظاهرين وإصابة نحو 20 آخرين لدى تدخل قوات الأمن لتفريقهم. كما تمكن المتظاهرون من السيطرة على قضاء الفلوجة التابع لمحافظة الأنبار غرب العراق بأيديهم. وفي بغداد، بدأت أعداد المتظاهرين بالتزايد بعد أداء صلاة الجمعة التي كانت موحدة في ساحة الأمة بالقرب من ساحة التحرير. وفي الوقت الذي كان فيه عدد من المسؤولين يراقبون المظاهرة من الطابق الثامن من المطعم التركي المحاذي لجسر الجمهورية، فإن قائد عمليات الرصافة الفريق عبد الكريم العزي دخل وسط المتظاهرين الذين رحبوا به بعد أن تبادلوا القبل مع بعض أفراد حمايته. هذا الأجراء شجع بعض أعضاء البرلمان الذين قرروا المشاركة في المظاهرة وهم كل من النائبين فتاح الشيخ عن «العراقية» وصباح الساعدي النائب المستقل في «التحالف الوطني»؛ حيث لم يكن استقبال المتظاهرين لهما استقبالا حسنا. ففي الوقت الذي واصل الشيخ الاستمرار بالمظاهرة رغم تعرضه لاعتداء من بعض المتظاهرين، فإن الساعدي الذي حاول إلقاء كلمة رشقه المتظاهرون بالحجارة وقناني المشروبات الغازية. وقال بيان لمكتب النجيفي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن النجيفي الذي يزور محافظة نينوى حاليا دعا الحكومات المحلية في كافة المحافظات إلى استغلال وجود النواب في محافظاتهم بإطلاعهم على المشكلات التي تعترض عملهم وتشخيصها من وجهة نظرهم كحكومات محلية فضلا عن الاطلاع الميداني للنواب في المحافظات ولقاء المواطنين. وأشار البيان إلى أن النجيفي شدد على ضرورة الاستماع منهم بشكل مباشر على مطالبهم والتركيز على القضايا الاستراتيجية وتقديمها في تقرير مشترك من النواب للمشكلات والرؤية لحلها. وعلى الرغم من أن معظم الشعارات التي رفعها المتظاهرون ذات طبيعة خدمية ومطلبية فإن هناك شعارات أخرى ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما طالبت بتنحي رئيس الوزراء نوري المالكي عن السلطة وهو ما كان دفع المالكي إلى إصدار بيان الخميس دعا فيه العراقيين إلى عدم الخروج يوم الجمعة للتظاهر بسبب ما اعتبره استغلالا من قبل البعثيين والإرهابيين لمثل هذا اليوم. وفي الوقت الذي حظي فيه المالكي بدعم بعض مراجع النجف وزعيم التيار الصدري الذي دعا إلى منح الحكومة فترة ستة شهور قبل التظاهر ضدها فإن معظم من تمكن من الوصول قرب الكاميرات سواء في ساحة التحرير أو المحافظات الأخرى كان يعرب عن غضبه لاتهام المالكي للمتظاهرين بأنهم بعثيون ومندسون.