شهر على ثورة «اللوتس».. والزهرة ما زالت تتفتح

الجيش المصري: لا ندخر جهدا رغم كل المعوقات.. ونبحث كل المطالب

طفلة مصرية التفت بعلم بلادها وترفع إصبعيها بعلامة النصر أمام آلاف المتظاهرين الذين صلوا الجمعة في ميدان التحرير أمس (إ.ب.أ)
TT

مع مرور الشهر الأول لثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)، أو كما أُطلق عليها ثورة «زهرة اللوتس».. جدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة تأكيده على «استمرار التواصل مع الشعب المصري العظيم وشباب الثورة»، وأنه يبحث كل المطالب التي تصل إليه، ويقوم بالرد على ما تمت دراسته من مطالب في وسائل الإعلام المختلفة أو بالاتصال المباشر. وشدد المجلس في بيان له أمس على أنه لا يدخر جهدا في الحفاظ على أمن وسلامة مصر في هذه الظروف الحرجة رغم كل المعوقات الداخلية والخارجية.

وجاءت هذه الرسالة في الوقت الذي يحتفل فيه شباب مصر بمرور شهر على ثورتهم.. هذا الشهر الذي تحولت فيه دعوة أطلقها نشطاء مصريون للتظاهر يوم 25 يناير الماضي، الذي وافق يوم احتفال البلاد بعيد الشرطة - للمطالبة بحل البرلمان، وإسقاط حبيب العادلي وزير الداخلية المصري، ووضع حد أدنى للأجور، وتيسير شروط الترشيح لانتخابات الرئاسة - إلى ثورة حقيقية أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك، وتولى على أثرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة في البلاد، ووُضع حتى الآن وزيران وأمين تنظيم الحزب الحاكم في السجن رهن التحقيق في تهم فساد، فيما بدأت التحقيقات تطال ثروة مبارك وأسرته.

مع انتصاف ليل الثلاثاء 25 يناير (كانون الثاني) كان زياد العليمي، الذي غدا فيما بعد عضو ائتلاف ثورة شباب 25 يناير، والمتحدث الرسمي باسمها، يقول لـ«الشرق الأوسط» من ميدان التحرير حيث تجمع نحو 10 آلاف متظاهر «لا أصدق ما يحدث.. لم نتوقع أن يستجيب الناس للدعوة على هذا النحو».

حملت الأيام التالية مفاجآت أكثر إثارة للعليمي وغيره من الشباب الداعين للمظاهرة، حيث تفجرت الأوضاع في مدينة السويس التي حافظت على جذوة الثورة مشتعلة حتى صباح «جمعة الغضب» التي يعتبر البعض أنها غيرت مسار التاريخ في الشرق الأوسط والعالم.

وخرج ملايين المصريين من مساجد البلاد في مختلف المحافظات، استجابة للدعوة التي وجهتها عدة جهات من المعارضة المصرية والمستقلين، من بينهم حملة دعم البرادعي وحركة كفاية وشباب الإخوان المسلمين وحركة شباب 6 أبريل، وكذلك مجموعات الشباب عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، والتي من أشهرها مجموعة «كلنا خالد سعيد» ومجموعة «رصد»، في ما عرف بـ«جمعة الغضب»، التي وافقت 28 يناير.

ورغم أن مسجد الاستقامة بميدان الجيزة بالقاهرة الكبرى، كان الأكثر شهرة بين ساحات هذه المظاهرات، حيث شهد حضور قيادات المعارضة المصرية وعلى رأسهم الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتل لانتخابات الرئاسة في البلاد.. فإن ربوع مصر كانت تنفجر من الغضب وتعج بالمتظاهرين الذين اشتبكوا مع قوات الأمن.

وسقطت البلاد في حالة من الفوضى عندما انسحبت الشرطة المصرية أمام حشود المتظاهرين الذين تصدوا للرصاص الحي، وهو الأمر الذي دعا مبارك للاستعانة بالجيش المصري للمحافظة على أمن البلاد، وتم إعلان حظر التجول، وخرج مبارك ليقول إنه لن يترشح للرئاسة مجددا ولا نجله جمال.

كانت خطوات النظام المصري في التعامل مع المحتجين دائما ما تتسم بالبطء الشديد، وتأتي بعد أن يكون الشباب قد رفعوا سقف مطالبهم، ففي 29 يناير، وبعد أن انهار البلد وأصر المحتجون على رحيل مبارك شخصيا، عين مبارك مدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان نائبا له، وكلف وزير الطيران المدني الفريق أحمد شفيق بتشكيل الحكومة المصرية الجديدة، قبل أن يكلفهما بإجراء حوار مع قوى المعارضة لإجراء إصلاح دستوري وتشريعي.

واستمرت المظاهرات في مختلف المحافظات المصرية، قبل أن يقوم بلطجية بالاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير مستخدمين الجمال والخيول، وأعمال قنص من أسطح الفنادق، مما تسبب في وقوع قتلى وجرحى، في ما عرف بموقعة «الجمل»، أو الأربعاء الدامي في الثاني من فبراير (شباط) الحالي.

وتبين لاحقا أن قسوة الشرطة والعنف الذي مورس ضد المتظاهرين، والذي أسفر عن سقوط 365 حالة وفاة، و5500 مصاب، خلال أحداث الثورة وفقا لوزارة الصحة المصرية، كان أحد الأسباب الرئيسية في نجاح هذه الثورة، والذي أشعل الحماس فيها، وجعل الشباب يصعدون مطالبهم يوما بعد يوم.

واستمرت المظاهرات المليونية التي كانت تسمى مرة بـ«الرحيل»، ومرة بـ«الحسم»، مع محاولات يائسة من النظام لإجراء ما قال عنه إنه إصلاحات ترضي مطالب الثوار، لكنه لم يكن يعلم أنهم قرروا التخلص منه نهائيا. حتى الحوار الذي أجرته الأحزاب المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين مع عمر سليمان لم يكن له أي جدوى مع الشباب ورفضوه جملة وتفصيلا.

واحتشدت المظاهرات بشكل مكثف للغاية، وفي 10 فبراير كان الجيش يعقد اجتماعا لبحث الأزمة، وأصدر البيان رقم 1 من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكد فيه أنه في حالة انعقاد دائم لحماية الشعب المصري.

روح الدعابة لم تفارق المصريين لحظة أثناء الثورة، حتى في ظل مآسيهم وسقوط ضحاياهم، فقد امتلأ ميدان التحرير باللافتات الظريفة التي تطالب نظام حسني مبارك بالرحيل.. بالإضافة لقيام المصريين بالأعمال الظريفة كإجراء الزفاف في ميدان التحرير، أو «حضرة الزار» على الطريقة الصوفية لعلها تنفع وتجعل حسني مبارك يرحل.

وكانت لحظة الانفراجة في الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011، عندما أعلن نائب الرئيس عمر سليمان في بيان قصير عن تخلي الرئيس عن منصبه. وتدفق الملايين من الناس إلى شوارع القاهرة خاصة في ميدان التحرير ومختلف المحافظات المصرية احتفالا برحيله، وهتفت النساء بالزغاريد، وأصيب بعض الأشخاص بالإغماء من فرط فرحتهم، واختلطت مشاعر الفرحة بالدموع، وعمت الاحتفالات جميع أرجاء مدن الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ابتهاجا بانتصار ثورة 25 يناير وتنحي مبارك عن الحكم.

بعد أن سطعت شمس اليوم التالي للثورة تبين للمصريين أن إسقاط مبارك، على الرغم من أهميته، لم يكن كافيا، وأن عليهم أن يقوموا بخطوات كثيرة تحافظ على الثورة وتحقق مطالبها كلها.. فاستمرت الوقفات الأسبوعية والاحتجاجات العمالية لحث الجيش على تحقيق مطالب الثورة كلها.

وأصدر المجلس العسكري بيانا تعهد فيه بالإشراف على مرحلة انتقالية تضمن انتقال السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة من قبل الشعب. كما تعهد بالالتزام باتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، واحترام كل الاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل الحكومات السابقة. ثم قرر المجلس العسكري حل مجلسي الشعب والشورى، ووقف العمل بالدستور الحالي.

لم تقف الثورة عند ذلك، بل أدت إلى تجميد أرصدة بعض الوزراء وكبار المسؤولين وبعض رجال الأعمال وحبسهم على ذمة التحقيق.. من أهمهم حبيب العادلي وزير الداخلية السابق، وزهير جرانه وزير السياحة السابق، وأحمد المغربي وزير الإسكان السابق، وأحمد عز من كبار رجال الأعمال وأمين التنظيم السابق للحزب الوطني. كما يجري التحقيق حاليا مع وزير الإعلام السابق أنس الفقي وأسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بتهمة الفساد.

كما أصدر المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قرارا بتشكيل لجنة لتعديل 6 مواد في الدستور برئاسة المستشار طارق البشري، ضمت محاميا عضوا بجماعة الإخوان المسلمين! كما أصدر قرارا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث العنف التي وقعت للمتظاهرين.

ورغم كل هذه التطمينات، ما زال لدى كثير من المصريين هاجس الخوف، مما يسمى بـ«الثورة المضادة» التي يشنها أعضاء من النظام السابق للانقضاض على الثورة وإجهاض مكاسبها. فقال الكاتب الصحافي محمد حسنين «إن بقاء حسني مبارك في مدينة شرم الشيخ يوجِد مركزا مناوئا للثورة»، و«إننا أمام بؤرة خطر في شرم الشيخ لا بد من إزالتها لضمان نجاح الثورة»، واصفا الوضع بأنه مقلق وخطير. لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفى وجود عناصر من النظام السابق، على رأسها الرئيس السابق حسني مبارك، ونائبه السابق عمر سليمان، تدير مصر في الخفاء، وأكد المجلس أنه ما زال يوجه دفة الأمور في الدولة.

وتساءل الدكتور محمد البرادعي، أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، عن التحقيق مع الرئيس السابق حسني مبارك وعائلته، قائلا على صفحته على موقع «تويتر»: «بعد تجميد أصول الرئيس السابق وأسرته، هل بدأ التحقيق معهم؟ وماذا ننتظر؟ التطهير يبدأ من القمة».