واشنطن: القذافي فقد ثقة الشعب الليبي.. ولا نستبعد تحركا عسكريا

غلق السفارة الأميركية.. والاستخبارات تجمع معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان * الاتحاد الأوروبي يتفق على عقوبات ضد الزعيم الليبي وتجميد أرصدته

متظاهر ليبي يرفع علم بلاده القديم في مظاهرة ضد القذافي في مدينة طبرق شرق ليبيا أمس (أ.ف.ب)
TT

صعدت الولايات المتحدة، أمس، مواقفها تجاه العقيد معمر القذافي، وأعلن البيت الأبيض، أمس، أن الرئيس الليبي معمر القذافي «فقد ثقة الشعب الليبي»، في أشد تصريحات وجهت للقذافي منذ اندلاع الثورة الليبية. وكشف الناطق باسم البيت الأبيض جي كارني، أمس، عن أن واشنطن تتجه لفرض عقوبات أميركية أحادية الجانب على ليبيا وتجميد التعاون العسكري البسيط مع ليبيا، بالإضافة إلى غلق السفارة الأميركية في ليبيا. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جي كارني، إن الولايات المتحدة لن تستبعد أي خيارات من على الطاولة فيما يتعلق بردها على العنف في ليبيا بما في ذلك تحرك عسكري أميركي محتمل.

وأكد كارني أن واشنطن كانت تنتظر إجلاء الأميركيين وغلق السفارة الأميركية في طرابلس قبل الإعلان عن سلسلة الإجراءات التي تنوي واشنطن اتخاذها. وقال كارني إنه «من أجل التركيز على أولوياته، وحماية الأميركيين» لم يستعجل أوباما في اتخاذ خطوات متعلقة بالوضع في ليبيا.

وبينما اعتبر كارني أن قرار إنهاء حكم القذافي «أمر يعود للشعب أن يقرره، ولكن في الوقت نفسه عبر الشعب الليبي عن نفسه»، مضيفا: «من الواضح أن انتهاك حقوق الإنسان غير مقبولة كليا والوضع الراهن غير مقبول». لكنه حرص على أن «من الواضح لنا وللشعب الليبي والعالم بأجمعه أن نظام القذافي، والعقيد القذافي نفسه فقد ثقة شعبه وعليهم تقرير من يقودهم».

وكشف كارني عن أن أجهزة الاستخبارات الأميركية ستعمل على جمع المعلومات حول النظام الليبي و«انتهاكات حقوق الإنسان»، بهدف «محاسبة من ينتهك حقوق الشعب الليبي». وأوضح أن «الولايات المتحدة ملتزمة باستخدام كل قدراتها لمراقبة تصرفات نظام القذافي.. ومراقبة الأعمال الوحشية للنظام»، مضيفا «كل القدرات الاستخباراتية» ستستخدم ضد النظام الليبي و«لمحاسبة من انتهك حقوق الإنسان».

وأكد كارني أن واشنطن ستفرض عقوبات على طرابلس، حيث كانت اللمسات الأخيرة توضع على العقوبات خلال مؤتمره الصحافي. ولكنه امتنع عن الكشف عن تلك العقوبات، مؤكدا أن هناك مساعي «لتنسيق الجهود الجماعية» مع دول أخرى. وأعلن أمس أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيستقبل أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون لبحث الأوضاع في ليبيا والمنطقة، وبحسب كارني «بحث نشاطات عدة لمعالجة الاحتياجات الإنسانية» للشعب الليبي. وتشارك البعثة الأميركية في الأمم المتحدة بـ«المفاوضات المستمرة لعمل من مجلس الأمن، وقد يشمل ذلك حظر سلاح وعقوبات».

ويذكر أن هناك تعاونا عسكريا استخباراتيا بسيطا بين الولايات المتحدة وليبيا بدأ عام 2009 ولكن تم تجميده أمس. كما جمدت طلبات لقطع غيار عسكرية لليبيا. وقال كارني: «نحن نتخذ سلسلة من الخطوات على المستويين الأحادي والجماعي للضغط على النظام الليبي للكف عن قتل شعبه». وأضاف: «هذه خطوة أولى وسنراجع الخطوات المتاحة في الفترة المقبلة»، معتبرا أن «العقوبات التي تستهدف القادة الرفيعين (في ليبيا) كانت مؤثرة في السابق».

واشتد الخناق الدولي على الزعيم الليبي معمر القذافي، أمس، مع إعلان دول الاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاق لفرض حظر على مبيعات الأسلحة ومعدات حفظ الأمن إلى ليبيا، وعلى تجميد الأرصدة وإلغاء منح تأشيرات دخول للزعيم الليبي معمر القذافي والمقربين منه، وفق مصدر دبلوماسي.

وبينما كان من المفترض أن يجتمع مجلس الأمن مساء أمس لبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها لوقف العنف في ليبيا، تقدمت كل من فرنسا وبريطانيا بمشروع قرار مشترك إلى الدول الأعضاء في المجلس، ينص على «حظر تام على الأسلحة»، وفرض «عقوبات» و«تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية»، وفق ما أعلنته وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل أليو ماري.

وانضمت ألمانيا أيضا إلى الدول المطالبة بفرض عقوبات على النظام الليبي. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، أمس، إن بلاده تدفع باتجاه فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على حكام ليبيا بسبب الهجمات العنيفة على المتظاهرين الليبيين قبل ساعات من بدء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مناقشة خطط مماثلة. وصرح الوزير الألماني بأن العقوبات ستشمل فرض حظر على سفر أفراد عائلة القذافي وستشمل حظرا على استيراد ليبيا للأسلحة. وقال إنه يجب تجميد أرصدة أفراد أسرة القذافي في الخارج ووقف التجارة في بضائع قد تستخدم لقمع شعب ليبيا.

وفي لندن، يبدو أن الحكومة البريطانية بدأت تتحرك لتجميد الحسابات المصرفية للزعيم القذافي وأملاكه غير المنقولة التي تقدر بأكثر من 20 مليار يورو، بحسب ما ذكرت صحيفة «التلغراف» البريطانية. وقالت الصحيفة إن فريقا من وزارة المالية كلف بتقييم مختلف الحسابات والأملاك، من بينها عقار يقدر بـ11.6 مليون يورو للعقيد القذافي. وقال مصدر حكومي للصحيفة إن «الأولوية الأولى هي لإجلاء الرعايا البريطانيين من ليبيا»، مضيفا «لكن بعد ذلك نحن على استعداد للتحرك حول ممتلكات القذافي وإن العمل جار».

أما في باريس، فبعد مرحلة من التضعضع، حسمت الدبلوماسية الفرنسية أمرها وقررت التزام موقف متشدد من نظام القذافي، الأمر الذي تمثل في الساعات الأخيرة بثلاث مبادرات: الدعوة صراحة إلى تنحي القذافي عن السلطة وحث الاتحاد الأوروبي على إقرار عقوبات اقتصادية بحقه وحق كبار المسؤولين الليبيين والعمل في إطار المنظمات الدولية (مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان في جنيف) من أجل فرض عقوبات دولية جماعية على المسؤولين عن القمع في ليبيا وإخراج هذا البلد من مجلس حقوق الإنسان والأهم من ذلك كله، الدعوة الصريحة لمحاكمة القذافي والمسؤولين الآخرين.

غير أن باريس ما زالت متحفظة إزاء أي عمل عسكري ضد ليبيا بما في ذلك إيجاد منطقة حظر التحليق في السماء الليبية التي تنادي بها بعض الأصوات من أجل منع القوات الجوية المتبقية للرئيس الليبي من استخدامها لضرب المتظاهرين أو المتمردين على سلطته. وأعلن الرئيس نيكولا ساركوزي من أنقرة، أمس، حيث كان في زيارة سريعة للعاصمة التركية، أن «موقف فرنسا واضح: يتعين على القذافي أن يرحل». غير أن ساركوزي عبر عن «حذر» باريس إزاء أي عملية عسكرية في ليبيا وهو ما يفسر الموقف الذي عبرت عنه وزارة الخارجية، أمس، بلسان الناطق باسمها برنار فاليرو الذي اعتبر أنه ليست هناك حاجة لاجتماع مجلس الحلف الأطلسي الذي اقترحه أمينه العام.

وأشار ساركوزي إلى «ريبة وحذر» باريس إزاء أي عملية عسكرية من هذا النوع، علما بأن الجانب الفرنسي يرى أنه إذا ما اعتمد قرار من هذا النوع فإن تنفيذه «يجب أن يكون جماعيا»، في إشارة ضمنية إلى الحاجة لمشاركة الولايات المتحدة الأميركية في تنفيذه.

وترى مصادر واسعة الاطلاع في باريس أن تردد فرنسا في إقامة منطقة حظر جوي في السماء الليبية على غرار ما حصل في العراق سابقا، يعود بالدرجة الأولى إلى وجود أعداد كبيرة من الرعايا الأجانب وبينهم فرنسيون وأميركيون وأوروبيون على الأراضي الليبية وتخوف باريس من أن يقعوا رهائن بيد السلطات الليبية. ولا يتضمن مشروع القرار الفرنسي - البريطاني المقدم إلى مجلس الأمن أي إشارة لعمل عسكري ضد القوات التي بقيت موالية للعقيد القذافي أو في المياه أو الأجواء الليبية، بل ينحصر في عقوبات مالية على مجموعة من الأشخاص الواجب تحديد هوياتهم من المسؤولين عن القمع والمجازر ومنعها من السفر ونقل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولا يمكن للحلف الأطلسي أو أي جهة أخرى أن تفرض منطقة حظر طيران من غير ضوء أخضر من مجلس الأمن.

وفي مجلس حقوق الإنسان الذي طلبت باريس عقد اجتماع له أمس، تطالب فرنسا ودول أخرى بطرد أو تجميد عضوية ليبيا، لكن انشقاق رئيس البعثة عن النظام الليبي من شأنه تعقيد الوضع.

أما موسكو، فقد أدانت استخدام العنف ضد المتظاهرين، وقال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، أمس، في مؤشر إلى إمكانية استخدام القوة ضد المدنيين في ليبيا وحذر السلطات الليبية من أنها ستواجه المحاكمة بموجب القانون الدولي إذا لم توقف العنف. وقال ميدفيديف في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للكرملين: «ندعو بقوة السلطات الليبية الحالية إلى ضبط النفس وعدم السماح بتدهور الوضع وقتل المدنيين». وأضاف: «إذا لم يفعلوا فسترقى مثل هذه الأعمال إلى حد جرائم تتحمل كافة عواقب القانون الدولي».

من جهته، وجه الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس فوغ راسموسن «إدانة شديدة» أمس لاستخدام ليبيا القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة. وقال راسموسن: «إنه انتهاك صارخ للقوانين أن يوافق نظام الحكم الليبي على استخدام القوة ضد شعبه». وكان راسموسن يتحدث في المجر بعد اجتماع مقرر مع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي.

وبدت فنزويلا من بين الدول النادرة التي تدافع عن نظام القذافي، إذ قال نيكولاس مادورو، وزير خارجية فنزويلا، «إن الولايات المتحدة وحلفاءها يثيرون القلاقل والاضطرابات في ليبيا لتبرير غزو البلاد، ومن ثم الاستيلاء على مخزونها النفطي». وأضاف الوزير الفنزويلي أن «الولايات المتحدة والدول القوية الأخرى تسعى لخلق حركة داخل ليبيا ترمي للإطاحة بنظام القذافي». وقال من دون إدانة العنف الذي يمارس ضد المتظاهرين: «إنهم يخلقون ظروفا لتبرير الغزو على ليبيا التي تمر بأوقات عصيبة، ولا يجب قياسها بمعلومات يتم الحصول عليها من وكالات أنباء إمبريالية».

أما الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، فقد اعتبر أن نظام حليفه القذافي يواجه ما سماه «حربا أهلية». وفي أول رد فعل على الاضطرابات التي تهز ليبيا منذ نحو أسبوعين، نشر شافيز رسالة على موقع التفاعل الاجتماعي على الإنترنت «تويتر» قال فيها: «تعيش ليبيا واستقلالها.. القذافي يواجه حربا أهلية». وجاء كلام شافيز ووزير خارجيته مادورو متناغما مع ما كان الرئيس الكوبي السابق، فدل كاسترو، قد أعلنه يوم الثلاثاء الماضي عندما قال «إن الاضطرابات في ليبيا قد تكون ذريعة من قبل الولايات المتحدة للدفع نحو غزو حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتلك البلاد». وفي عموده الذي تنشره وسائل الإعلام الرسمية الكوبية، قال كاسترو إنه «من السابق لأوانه توجيه النقد للقذافي».