إل في بوخانوفسكي لـ «الشرق الأوسط»: الغاز ليس سلعة عالمية.. لكنني لن أندهش إذا أصبح بديلا عن الوقود

الأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز: صحيح أن هناك فائضا لكن أسعار الغاز سترتفع

TT

منذ تأسيسه قبل نحو عقد من الزمان، ومنتدى الدول المصدرة للغاز في سعي حثيث إلى تثبيت موقعه كتكتل للدول المنتجة للغاز، ليقابل تكتل الدول المصدرة للنفط عبر منظمة «أوبك» في أهميته، على المستوى الدولي على الأقل، لكن المنتدى حتى الآن لم يتمكن من فرض سيطرته على قرارات الدول الأعضاء، في الوقت الذي يؤكد مسؤولوه على أنه ليس في نيتهم تحويل المنتدى ليتحول إلى «كارتل» شبيه بـ«أوبك».

في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، يؤكد الروسي إل في بوخانوفسكي، الأمين العام للمنتدى، أن الهدف الأساسي المقرر في النظام الأساسي للمنتدى هو الحفاظ على الحق السيادي للدول الأعضاء في التخطيط المستقل وإدارة تنمية مستدامة وفعالة وصديقة للبيئة، حتى إنه يعتبر أنه ليس من أهداف المنتدى المشاركة في تنظيم أسعار الغاز، كما تفعل «أوبك»، أن المسائل المتعلقة بتسعير الغاز ليست قابلة للتطبيق، مؤكدا في الوقت ذاته أن قرار تحديد الأسعار من قبل الدول الأعضاء هو حق سيادي لكل دولة، وأن كل الدول الأعضاء في المنتدى لديها الحق في اتخاذ قرارات اعتمادا على احتياجاتها. ولا يشارك منتدى الدول المصدرة للغاز في تنظيم كمية إنتاج الغاز والتحكم في الأسعار.

بوخانوفسكي، الذي يتولى أيضا منصب نائب رئيس شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية أيضا، قال إنه وعلى الرغم من الفائض المتوافر لكميات الغاز في الأسواق، فيتوقع ارتفاع أسعاره قريبا، معتبرا، وعلى عكس النفط، أن سوق الغاز لا تزال في مراحلها الأول نحو الوجود بقوة في الساحة العالمية، مشيرا إلى أن الغاز كمنتج «ليس سلعة عالمية بالمعنى الحرفي للكلمة، فنحن مدركون للديناميكيات متعددة الاتجاهات في مناطق العالم وبالتقلبات الكبيرة للسوق، ومن ثم فإن الزمن هو الذي سيقدم الحكم النهائي».

يجب الإشارة إلى أن منتدى البلدان المصدرة للغاز، الذي يقع مقره في الدوحة، يضم بلدانا كبرى في مجال تصدير الغاز الطبيعي، وهي: إيران، والجزائر، وبوليفيا، وترينيداد، وتوباغو، وروسيا، وقطر، وغينيا الاستوائية، وليبيا، ومصر، ونيجيريا، وفنزويلا. وإلى جانب الدول التي تتمتع بصفة العضو المراقب في المنتدى، تنوي الانضمام إليه الإمارات العربية المتحدة. والهدف الرئيسي لهذه المنظمة هو الدفاع عن مصالح الدول المستخرجة للغاز.

* بعد فترة قصيرة من تأسيس منتدى الدول المصدرة للغاز، هل تعتقدون أن المنتدى يمكن أن يستمر دون وجود الولايات المتحدة باعتبارها أكبر منتج للغاز في العالم؟

- صحيح أن المنتدى لم يتأسس منذ فترة طويلة، ولكنه يجتاز حاليا مرحلة نشيطة من التأسيس. ولكنني أود أن أؤكد أنه بينما تأسس المنتدى منذ عقد تقريبا، فقد تم الاضطلاع بعمل مؤسسي مهم على مدار الفترة الماضية. وينص ميثاقنا على أن منتدى الدول المصدرة للغاز تأسس أصلا كمنتدى مع الإعلان عن ذلك من قبل حكومات الجزائر وبروناي دار السلام وإندونيسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية وماليزيا ونيجيريا وسلطنة عمان وقطر وروسيا الاتحادية وتركمانستان والنرويج (مراقبا) خلال الاجتماع الذي عقد في العاصمة الإيرانية، طهران، يومي 19 و20 مايو (أيار) 2001. وأنا أعتقد أن هذا الأمر لا يدع مجالا للشك في أن منتدى الدول المصدرة للغاز يمتلك تاريخا طويلا بالفعل.

وخلال العام الذي شغلت فيه منصب الأمين العام، تم التعامل مع مسائل تنظيمية كبرى تتعلق بمثل هذه المجالات مثل استحداث اتصالات داخلية وخارجية، وإقامة اتصالات مع منظمات دولية متعددة، وإنشاء قاعدة أبحاث.

وأي دولة مصدرة للغاز لديها مصالح وأهداف مشتركة مع منتدى الدول المصدرة للغاز مذكورة في الميثاق يمكن أن تصبح عضوا في منظمتنا بعد قبول طلب الانضمام، ويمكن أن تتقدم بطلب للحصول على وضعية مراقب في المنتدى. وأبوابنا مفتوحة على أرضيات متساوية لكل الدول المصدرة للغاز التي تشترك في مبادئنا.

وفي ما يتعلق بالتعاون بين منتدى الدول المصدرة للغاز والولايات المتحدة، يمكنني أن أقول إنه في إطار عملنا التنظيمي، نجري اتصالات عمل مع نظرائنا الأميركيين. وفي يوم 19 يناير (كانون الثاني) عقدت اجتماعا مع ريتشارد نيويل، رئيس إدارة معلومات الطاقة الأميركية، واتفقنا على تبادل المعلومات والتعاون التشغيلي بين مؤسساتنا. وعبرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية عن اهتمامها بتأسيس آليات لتبادل المعلومات مع منتدى الدول المصدرة للغاز بشأن القرارات الرئيسية ونتائج الأبحاث.

* على الرغم من أنكم مرارا أكدتم عدم رغبتكم في مسايرة «أوبك» في تنظيم أسعار الغاز في نهاية الأمر، فإن المستهلكين لا يزالون يخشون دخولكم على خط السيطرة على الأسعار.. ما تعليقكم؟

- المنتدى لا يشارك في تنظيم السعر. والهدف الأساسي المقرر في النظام الأساسي للمنتدى هو الحفاظ على الحق السيادي للدول الأعضاء في التخطيط المستقل وإدارة تنمية مستدامة وفعالة وصديقة للبيئة، وأنا أؤكد هذه النقطة خصيصا، لموارد الغاز الطبيعي الخاصة بهم لمصلحة الشعوب. وفي هذا الصدد، تشير المادة رقم 3 من القانون الأساسي للمنتدى، التي تصف أهداف وأغراض المنتدى بوضوح، إلى هذه الأهداف. والمسائل المتعلقة بتسعير الغاز ليست قابلة للتطبيق.

* وهل يمكن أن تقوم بعض الدول منفردة بإجراء تخفيض الأسعار لضبط الأسعار؟

- أود أن أوضح أن هذا القرار هو حق سيادي لكل دولة، وأن كل الدول الأعضاء في المنتدى لديها الحق في اتخاذ قرارات اعتمادا على احتياجاتها. ولا يشارك منتدى الدول المصدرة للغاز في تنظيم كمية إنتاج الغاز والتحكم في الأسعار.

وتم الإعلان عن الحاجة إلى الاحتفاظ بنظام لعقود النفط الثابتة طويلة الأجل وكميات التسليم المضمونة. ولم يتم مناقشة موضوع حدوث تخفيض محتمل في كمية إنتاج الغاز من أجل تنظيم الأسعار.

وبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، تنظم الخصائص المادية للغاز كميات إنتاج الغاز والإمدادات، وتزيد السمات الخاصة للغاز من صعوبة نقله وتخزينه. وتتميز سوق الغاز الطبيعي بأنها أقل سيولة مقارنة بسوق النفط، ويتم التعاقد مسبقا على كميات الغاز المنتجة بشكل أساسي.

* يمكن القول إن اجتماع وهران للمنتدى واجه بعض المشكلات، خصوصا مع تصريح شكيب خليل، وزير الطاقة الجزائري السابق، الذي أعلن ضرورة السيطرة على إنتاج الغاز للحفاظ على مستوى أسعار مرتفع، لماذا لا تفضلون وضع أسعار محددة للغاز؟

- دعني أؤكد مجددا أن منتدى الدول المصدرة للغاز لا يشارك في تنظيم سعر الغاز.

* إذن.. لماذا تم إنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز؟

- في البداية، تأسس منتدى الدول المصدرة للغاز خلال عام 2001 كمنتدى نقاش غير رسمي للدول الكبرى المصدرة للغاز، التي أصبحت أكثر دراية بضرورة توضيح مقاربات مشتركة في ما يتعلق بمسائل التنمية المناسبة لأسواق الغاز الإقليمية. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، عندما وقعت الدول المؤسسة على اتفاقية بشأن عمل منتدى الدول المصدرة للغاز واعتمدت النظام الأساسي لمنتدى الدول المصدرة للغاز، تأسس «منتدى الدول المصدرة للغاز» كمنظمة دولية. وأثبت النمو اللاحق غير الثابت لأسواق الغاز أن قرار قيادة الدول المصدرة إلى المشاركة في حوار بناء مع كل اللاعبين البارزين في الأسواق كان أمرا منطقيا.

* ما الدول التي يمكن أن تنضم إليكم قريبا.. أو تعتقدون أهمية انضمامها إليكم؟

- خلال العام الماضي، عقدت اجتماعات مع قادة عدة دول، لكل من الدول الأعضاء في المنتدى والدول المصدرة للغاز التي لم تنضم إلى عضوية المنتدى. وتجدر الإشارة إلى أن هولندا والنرويج وكازاخستان مراقبون في المنتدى. كما تشارك الدول التي لا تتمتع بعضوية المنتدى، والدول التي لم تنضم إليها كمراقب في أنشطة المنتدى كضيوف. ونحن نرحب بانضمام الدول التي تشترك في قيم ومبادئ النظام الأساسي لمنتدى الدول المصدرة للغاز إلى عضوية منظمتنا. وأنا مقتنع من أنه كلما انضم مصدرون كبار للغاز إلى منتدى الدول المصدرة له، ازدادت قوة وفعالية صوتنا في الساحة العالمية، وسوف يسمعه كبار المساهمين في الأسواق الإقليمية والعالمية للغاز بشكل أفضل. ولكننا لا نفرض ضغطا على مراقبينا أو على الدول الأخرى المصدرة للغاز من أجل إقناعهم بأن يصبحوا أعضاء في منظمتنا. وقد تم التركيز على هذا الأمر بشكل منفصل في إعلان الاجتماع الوزاري العاشر الذي عقد خلال شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي في مدينة وهران الجزائرية. وأنا أعتقد أن نتائج أنشطة منتدى الدول المصدرة للغاز سوف تزيد من اهتمام الدول المصدرة للنفط بالمشاركة في تطوير منبر مشترك للحوار مع اللاعبين الآخرين في سوق الغاز.

* أسعار النفط حلقت فوق الـ100 دولار.. بينما أسعار الغاز في مستوياتها الدنيا، هل تعتقدون أن لديكم القدرة على رفع تدريجي للأسعار؟

- أعتقد أن أسعار الغاز سترتفع، والسبب في ذلك هو السوق نفسها. فعلى الرغم من الفائض المؤقت في إمدادات الغاز، فإن الطلب سيتزايد حتى في الدول التي توقع الخبراء إفلاسها.

إضافة إلى ذلك، أود التأكيد أن محاكاة زيادة الأسعار ليست هدف المنتدى، فالهدف الرئيس لمنتدى الدول المصدرة للغاز زيادة أمن إمدادات الغاز لتطوير كفاءة الاستثمارات العالمية في عملية إنتاج الغاز لضمان تلقي كل مستهلكي الغاز حاجاتهم في كل المواسم وفي كل المناخات الاقتصادية.

* هناك دعوات من قبل بعض المنتجين لربط أسعار الغاز بأسعار النفط..

- يخضع العالم في الوقت الراهن لممارسات رجعية، متمثلة في ربط منتجي الغاز أسعارهم بأسعار المنتجات النفطية، وهناك عدد من الأسباب المنطقية لذلك، منها: أولا: أن سوق النفط العالمية لا تزال أضخم من سوق الغاز العالمية. ثانيا: أن سوق النفط متغيرة جدا ولا يمكن للمشتري أو المستهلك التأثير على الأسعار. ثالثا: أن سوق النفط سوق عالمية بالفعل، أما سوق الغاز فلا تزال في مراحلها الأولى على الطريق نحو العولمة.

* هل تعتقد أن الطلب على الغاز سيقف عند مستوياته الحالية في المستقبل القريب؟

- كلا، فنحن نعتقد أن الطلب على الغاز سيتزايد بسرعة في شتى بقاع العالم، نتيجة لنمو الأسواق الناشئة في آسيا وأميركا الجنوبية ودول الخليج العربي حيث لا تزال درجة الاعتماد على الغاز محدودة للغاية. على الرغم من ذلك لن أندهش إذا ما وجدت الأسواق المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة في الغاز بديلا جيدا للأنواع الأخرى من الوقود، لتقدم إلى المستهلك فوائد اقتصادية وبيئية.

* لكن على عكس حديثك هذا، هناك توقعات - وعلى نطاق واسع - تشير إلى انخفاض الطلب على الغاز عالميا، ألا يثير ذلك نوعا من القلق لديك؟

- كما ذكرت آنفا؛ فنحن في منتدى الدول المصدرة للنفط، لا نعتقد بواقعية مثل هذا السيناريو. وأعتقد أن الغاز سيكون وقود المستقبل، لأن الوقود الحفري يسبب الكثير من التلوث والطاقة المولدة من المصادر المتجددة تمثل إهدارا كبيرا للمال.

ولقد كانت توقعاتنا صحيحة، فبنهاية عام 2010 شهدنا زيادة كبيرة في استهلاك الغاز في العالم. وعلى عكس الكثير من التوقعات التي شهدناها خلال العام الماضي لم تشهد الكثير من الدول تراجعا في الطلب، بل زيادة في الاستهلاك.

* إلى أي مدى تخشون - كمصدري غاز - من اختراع التقنيات الجديدة في الولايات المتحدة التي تسمح بإنتاج الغاز الطبيعي من تشكيلات جيولوجية كانت تعتبر غير ممكنة في الماضي؟

- على الرغم من أن الزيادة الكبيرة في عمليات إنتاج الغاز من المصادر غير التقليدية أصبحت أحدث الثورات في قطاع الطاقة العالمي، فإننا نعتقد بحدوث المزيد من التطور في هذا الإنتاج، لكن بقيود. بداية نحن نعتقد أنه لا توجد هناك خبرات كافية تجعلنا متفائلين تماما بشأن إنتاج الغاز في الولايات المتحدة. والمعايير البيئية والمواصفات التقنية وحتى القوانين في الدول الأخرى التي تحمي ملكية الأراضي الواعدة بالإنتاج تدفعنا إلى التشكك بصورة أكبر بشأن إمكانية نجاح مثل هذه المشاريع.

* هل تتوقعون تغيرا قريبا في ترتيب أكبر الدول المصدرة للغاز بعد أن انتزعت صدارتها الولايات المتحدة من روسيا؟

- أود أن أوضح أن الولايات المتحدة تغلبت على روسيا في مجال إنتاج الغاز لا في مجال التصدير. ولا أعتقد بإمكانية حدوث تغيرات كبيرة في قائمة أكبر مصدري الغاز في العالم.

* لنتحدث عن شركة «ستروي ترانس غاز».. هل لديكم أي مشاريع جديدة مع شريككم «سعودي أوجيه».. سواء في السعودية أو دول الخليج؟

- في الوقت الراهن، كأمين عام لمنتدى الدول المصدرة للغاز، فأنا لست مصرحا بتقديم التقييمات أو التعليق على نشاطات شركة «ستروي ترانس غاز» للإنشاءات الروسية. وفي الوقت ذاته كمعلق مستقل، يمكنني فقط القول إنه بموجب المصالح المشتركة، فإن تأسيس شركة مشتركة سيخفض على الأغلب من مخاطر الشركاء سواء على صعيد الإنشاء أو صناعة الغاز.

* أخيرا.. ما هي توقعاتكم لأسعار الغاز خلال 2011؟

- كما قلت آنفا، نتوقع زيادة طفيفة في أسعار الغاز في عام 2011 نتيجة لنمو الطلب العالمي. لكن ما يمثل أهمية قصوى لدى المنتدى، والصناعة ككل في ما يتعلق بالأسعار الاستقرار طويل الأمد. وأي تنبؤ يقوم به المنتدى من تلقاء نفسه سيكون غير مجزٍ، خصوصا بالنسبة لأسعار الغاز. والغاز كمنتج ليس سلعة عالمية بالمعنى الحرفي للكلمة، فنحن مدركون للديناميكيات متعددة الاتجاهات في مناطق العالم وبالتقلبات الكبيرة للسوق، ومن ثم فإن الزمن هو الذي سيقدم الحـــــــكم النهائي.