أوباما أمام خيارات محدودة لمساعدة الولايات المتعثرة ماليا

وسط معارضة جمهورية وضغوط من الحكومات الفيدرالية

TT

تهدد أزمة الموازنة التي تواجه العديد من الولايات الأميركية بتقويض العناصر الأساسية لأجندة الرئيس أوباما، ولكن مع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب والقلق واسع النطاق بشأن العجز الفيدرالي، يمتلك الرئيس أوباما خيارات قليلة لتحقيق فارق بارز. وحتى هؤلاء الأشخاص الذين يقولون إن أوباما يحتاج إلى تأمين نفقات فيدرالية جديدة بارزة من أجل مساعدة الولايات على تجنب خفض مخصصات برامج الرعاية الصحية والتعليم وتسريح العمال، يعترفون بالقيود الموجودة.

وقال تشارلز لافليز، المدير التشريعي لاتحاد العمال القوي، الذي يعرف باسم «الاتحاد الأميركي لموظفي الولايات والمقاطعات والبلديات»: «نحن نعرف أنه لا توجد أي شهية كبيرة للتمويلات الجديدة الكبرى، ولكن هناك أزمة حقيقية قصيرة المدى هنا». وفي نهاية الأمر، يمكن أن يتعرض أوباما أيضا لضغوط من مسؤولي الولايات والصناعة المالية من أجل تقديم مساعدة طارئة إلى الولايات والبلديات إذا لم يكن بمقدورها تسديد ديونها.

وذكرت وكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية خلال الأسبوع الماضي أن «السوق البلدية تواجه ضغطا ائتمانيا لم يحدث منذ الكساد الكبير». وقد حذر بعض المحللين البارزين من أن الولايات والمحليات قد لا تكون قادرة على دفع الديون التي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات. وفي الوقت نفسه، يسود حاليا خلاف بين أوساط السياسيين في واشنطن حول ما إذا كان يجب أن يسمح للولايات بالإعلان عن إفلاسها.

وقد حاولت إدارة أوباما مساعدة الولايات بمشروع قانون التحفيز في عام 2009 وقانون صدر في عام 2010 يوسع من تمويل الرعاية الصحية والتعليم، ولكن كل هذه التمويلات توشك على النفاد. ويشير تقدير أصدره «مركز الميزانية وأولويات السياسة» إلى أن الولايات الأميركية تواجه فجوة مجتمعة في الميزانية تصل إلى 125 مليار دولار خلال السنة المالية التي تبدأ في الأول من يوليو (تموز) المقبل. وقد قلصت حكومات محلية وبعض حكومات الولايات عدد 400.000 عامل منذ عام 2008. ويقول «مركز الميزانية وأولويات السياسة» إنه سوف يتم فقدان 850.000 وظيفة إضافية إذا حاولت الولايات تلبية الغايات بشكل فردي عبر التخلص من الموظفين.

وقدم أوباما العديد من المقترحات الجديدة التي يمكن أن تساعد الولايات الأميركية في الأوضاع المالية الصعبة. وسوف تسهل ميزانيته لعام 2012، التي تم الكشف عنها خلال الشهر الحالي، من تأخير المدفوعات المستحقة على الأموال التي اقترضتها الولايات من الحكومة لتغطية مدفوعات تأمين البطالة. ويعارض الجمهوريون هذا الإجراء الذي تبلغ تكلفته 3.6 مليار دولار. وتدرج الميزانية أيضا مخصصات مالية إضافية للتعليم ورفع التمويل الفيدرالي بنسبة 11 في المائة لكي يصل إلى 77 مليار دولار، ومئات المليارات الإضافية للبنية الأساسية، مثل مقترح بتخصيص 53 مليار دولار للقطارات عالية السرعة. ويقول نيكولاس جونسون، نائب الرئيس للسياسة النقدية للولايات في «مركز الميزانية وأولويات السياسة» إن المزيد من أموال التحفيز سوف تساعد في تيسير الأمور. ولكن مع مطالبة كلا الطرفين في الوقت الحالي بإجراء تخفيضات في النفقات الفيدرالية، قال جونسون إن همه البارز يتمثل في أن «تتجنب الحكومة مفاقمة الأمور».

وتتعرض العناصر الأساسية لأجندة أوباما الآن للخطر. وفي خطاب «حالة الاتحاد» وفي عدة أحداث أخيرة، قدم أوباما أجندة جديدة عن التنافسية من أجل خلق فرص العمل. وقال إنه سوف يعتمد على التعليم والابتكار والبنية الأساسية.

وقال جونسون: «لقد أوضح أنه مهتم بإجراء هذا النقاش عن التنافسية الاقتصادية طويلة الأجل، وقد تحدث عن نظام تعليم جيد وقوة العمل والبنية الأساسية السليمة. وهذه أشياء يتم تمويلها من ميزانية الولايات». وفي حقيقة الأمر، تمثل التمويلات الفيدرالية نحو 10 في المائة فقط من النفقات التعليمية و30 في المائة من الإنفاق على النقل.

وبينما قد يكون إصلاح أوباما لنظام الرعاية الصحية في البلاد هو أبرز إنجازاته، فإن هذا الإصلاح يتعرض الآن لمشاكل بفعل مصاعب مالية في رأسمال الولايات. ومع توظيف القليل من الناس، يطالب المزيد من الأفراد بالحصول على مساعدة طبية، ولكن تمويل هذه المساعدة لم يواكب هذه المطالب. ونتيجة لذلك، تنفذ الولايات مجموعة واسعة من التخفيضات وتحصر عدد الأطباء الذين يمكنهم المشاركة وتخفض من عمليات علاج مرضى السكري وأمراض العيون والعناية بالأسنان، ومجموعة من الخدمات الطبية الأخرى. وفي بعض الحالات، فاقمت إدارة أوباما بالفعل من مشاكل أموال الولايات، وفقا للمحللين. وتسمح صفقة ضرائب ديسمبر (كانون الأول)، التي جددت من تخفيضات الضرائب خلال حقبة بوش للشركات، باستقطاع كل الاستثمارات التجارية من ضرائبها بشكل جزئي. وقال «مركز الميزانية وأولويات السياسة» إن هذا التغيير يمكن أن يكلف الولايات أكثر من 11 مليار دولار في شكل عائدات ضرائب على مدار عامين.

ويحذر بعض المحللين من عدم قدرة عدد متزايد من الحكومات المحلية على تسديد ديونها. وكان المحلل المالي ميرديث وايتني، أحد الأشخاص القلائل الذين كانوا قد توقعوا بشكل صحيح حدوث اضطراب في القطاع المالي خلال عامي 2007 و2008، قد توقع حدوث ما يقرب من 50 إلى 100 عملية تخلف عن سداد الديون تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات. ويقول محللون آخرون إن هذا التوقع مؤلم جدا. وبينما زادت التخمينات بشأن قدرة إدارة بوش على إنقاذ الولايات والمحليات المتعثرة، لم يظهر مسؤولون فيدراليون حتى الآن أي اهتمام بهذا الأمر.

وفي عام 2009، ووسط الأزمة المالية، لجأت ولاية كاليفورنيا إلى وزارة الخزانة للحصول على مساعدة بقيمة 24 مليار دولار لتغطية عجز الميزانية، ولكن هذا الطلب تم رفضه. وبدلا من ذلك، استغلت ولاية كاليفورنيا برنامجا فيدراليا ساعد الولايات على إصدار السندات. وانتهى هذا البرنامج المعروف باسم «سندات بناء أميركا» خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وذكر مارتين ويس، الرئيس التنفيذي لوكالة «ويس للتصنيفات الائتمانية» إنه يتوقع أن الحكومة الفيدرالية سوف تقدم بعض الدعم للولايات المتضررة ولكنها لا تنقذها ماليا بالكامل. وقال ويس: «سوف يقدمون بعض التمويل، ولكنهم لن يفعلوا هذا الأمر بشكل كامل بحيث يصبحون الملاذ الأخير لعملية الإقراض. وربما يكون هذا التمويل المحدود كافيا لتجنب حالات العجز عن سداد الديون».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»