مواقف فرنسية متقلبة من فرض حظر جوي على ليبيا.. وبرلين تدعو الأمم المتحدة لإرسال ممثل إلى طرابلس

قمة أوروبية لمناقشة الوضع في ليبيا.. وموسكو تصف القذافي بـ«جثة متحركة»

TT

لم تتوصل الحكومة الفرنسية بعد إلى موقف واضح بشأن فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا تمنع القوات الجوية الليبية من طائرات مقاتلة وطوافات من مهاجمة المدنيين في المناطق التي خرجت عن سيطرة العقيد القذافي. وتُسمع في أروقة وزارة الخارجية والدوائر الرسمية أقوال تارة تشدد على الحاجة إلى فرض الحظر الجوي وتارة على الحاجة إلى توفير مساعدات إنسانية، بينما هناك أصوات أخرى تحذر من انعكاسات التدخل العسكري على الرأي العام الليبي والعربي.

وأمس تسلم ألان جوبيه وزارة الخارجية من الوزيرة السابقة ميشيل أليو ماري راسما في كلمة سريعة «أولويات» السياسة الخارجية الفرنسية، ومنبها إلى أن الثورات العربية يمكن أن يخرج منها الصالح أو الطالح، ومشددا على ضرورة مواكبتها. وحدد جوبيه للدبلوماسية الفرنسية ثلاث أولويات: إعادة إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط، وتعميق الاندماج الأوروبي سياسيا وأمنيا، وتحقيق الشراكة الاستراتيجية مع البلدان الناشئة كالصين وروسيا والبرازيل فضلا عن الاهتمام بأفريقيا.

وقال وزير الخارجية الجديد في مداخلة له بعد ظهر أمس في البرلمان، إنه «ليس هناك تدخل عسكري مقرر مسبقا وثمة خيارات يمكن دراستها ومنها إقامة منطقة حظر جوي. لكنني أقول هنا بوضوح إن هذه العملية لا يمكن أن تحصل من غير قرار واضح من مجلس الأمن الدولي».

ويعكس كلام جوبيه حذرا فرنسيا من الانخراط في عملية عسكرية غير محسوبة الأبعاد والنتائج.

وكان وزير الشؤون الأوروبية لوران فوكيز أعلن في مقابلة مع راديو «آر إم سي» الخاص أن فرض منطقة الحظر «ليس أولوية فرنسا» في الوقت الحاضر، مشيرا بذلك إلى وجود تحفظات فرنسية. وتساءل الوزير الفرنسي: «ما هو المغزى السياسي الذي تحمله مثل هذه المبادرة.. وكيف يمكن أن ينظر إليها (الرأي العام العربي)؟ ألن يتم تشويهها؟ ألن ينقلب هذا الأمر ضدنا بحيث يقال إن الغرب يفتري علينا لأن ليبيا تمتلك النفط؟».

أما زميله وزير الخزانة والناطق باسم الحكومة فرنسوا باروان فقد ذكر أن الأولوية في الوقت الراهن هي لتوفير المساعدات الإنسانية، مشيرا إلى أن فرنسا أرسلت طائرتين محملتين بالمساعدات الإنسانية. لكنهما اضطرتا للهبوط في مطار القاهرة بسبب عدم سلامة مطار بنغازي ووجود عوائق على المدارج، وستنقل المساعدات بالشاحنات إلى بنغازي في رحلة تدوم 16 ساعة.

غير أن مصادر فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تقبل مبدئيا» فكرة إقامة منطقة الحظر. غير أنها تشترط أمرين أساسيين للسير بها؛ أولهما صدور قرار بهذا الشأن عن مجلس الأمن الدولي، وهو ما أشار إليه جوبيه، والثاني أن «يشارك الجميع» في تنفيذه، غامزا بذلك من قناة الولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي. وتريد باريس بذلك الرد على ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قبل أربعة أيام عندما أعلن أن فرنسا وإيطاليا «الأكثر تأهيلا» لتنفيذ قرار كهذا. وحتى تاريخه، ووفق ما تنقله المصادر الفرنسية، فإن روسيا تعارض مثل هذا التدبير وهو ما برز من خلال المناقشات التي جرت بين أعضاء مجلس الأمن، أول من أمس. وإذا ما استمرت روسيا على رفضها، فإن العمل من خارج إطار مجلس الأمن كما حصل في العراق عام 1991 حيث فرض حظر جوي فوق شمال البلاد (كردستان) سيؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل المجموعة الدولية. وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فرضت هذه المنطقة دون الرجوع إلى مجلس الأمن. ولاحقا، عمدت واشنطن ولندن إلى مده إلى مناطق جنوب العراق.

وفي برلين، قال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، أمس، إن بلاده طرحت فكرة إرسال مبعوث خاص تابع للأمم المتحدة لليبيا لتنسيق المساعدات. وقال فسترفيلي إنه من المهم بالنسبة للأمم المتحدة أن يكون لها «وجه» في ليبيا. وبحث الوزير الألماني المقترح أول من أمس مع وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا. ومن المتوقع خروج قرار بهذا الصدد في غضون أيام. ولم تطرح بعد قائمة بأسماء المرشحين المحتملين غير أنه لن يكون ألمانيا. كما جدد فسترفيلي أمس دعوته للزعيم الليبي معمر القذافي بالتنحي.

وفي هذه الأثناء، أعلن دبلوماسي أوروبي أمس أن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي سيعقدون قمة استثنائية في 11 مارس (آذار) في بروكسل مخصصة للأزمة في ليبيا وشمال أفريقيا. وأوضح أن ممثلة الاتحاد الأوروبي العليا للشؤون الخارجية، كاثرين أشتون، كلفت خلال لقاء مع رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي «التحضير للقمة». ودعا فان رومبوي إلى القمة حول ليبيا وموجة الاحتجاجات في العالم العربي إثر طلب في هذا الصدد قدمه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وفي موسكو، قالت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء إن مصدرا في الكرملين وصف الزعيم الليبي معمر القذافي بأنه «جثة سياسية متحركة»، وقال إنه لا بد أن يتنحى. ونادرا ما تنتقد روسيا حكاما شموليين لكن الرئيس ديمتري ميدفيديف ندد الأسبوع الماضي باستخدام القذافي للعنف ضد المحتجين، ودعا إلى الإطاحة به، وقال إن استمرار إراقة الدماء سيكون جريمة بموجب القانون الدولي. وقال مصدر في الكرملين إن الوقت حان لتنحي القذافي، الذي وصفه بأنه «جثة سياسية متحركة لا مكان لها في العالم المتحضر الحديث».

ورفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس تأييد مقترحات لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، ودعا إلى الالتزام التام بقرار مجلس الأمن الدولي بشأن طرابلس. وقال لافروف للصحافيين في جنيف، حيث يقوم بزيارة تستغرق ثلاثة أيام: «ينبغي علينا تجنب الإفراط، نحتاج للتركيز على تنفيذ هذا القرار (الذي اتخذه مجلس الأمن)». وأضاف: «آمل أن تستمع القيادة الليبية لصوت المجتمع الدولي الذي يتحدث بلسان واحد، وتتخذ كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذ محتوى هذه الوثيقة».

من جهتها، حذرت إيران الغرب من أي تدخل عسكري في ليبيا، قائلة إن الدول الغربية يتعين عليها أن لا تستفيد من الحركة الشعبية في ليبيا لتحويل البلاد إلى قاعدة عسكرية. ونقلت شبكة «برس تي في» الإخبارية الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست قوله في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أمس: «ندين أي نوع من العنف ضد الشعب بهذا الشكل غير الإنساني الذي يجري، ونأمل أن يحاول الحكام غير المحبوبين من شعوبهم أن يتبنوا أساليب لوجستية بعدم السماح لبلدانهم بأن تتمزق وبأن لا يتم قتل شعوبهم بشكل غير إنساني». وأشار إلى أن تلك القضايا يتعين أن لا تقدم أي مبرر «لتدخل عسكري من قبل دول أخرى».

وأكد مهمان باراست مجددا أن دولا أخرى لا سيما الدول الغربية يتعين أن لا تستفيد من وجود الشعب في الساحة السياسية بهدف تقويض مصيرها، قائلا: «يتعين أن لا يحاولوا تحويل الدول إلى قواعد عسكرية». وأعرب المتحدث الإيراني أيضا عن استعداد بلاده لتقديم مساعدة لليبيا إذا وضع الأساس لذلك. وأضاف: «لقد أعلنا أننا مستعدون لتقديم أي نوع من المساعدة ويمكن أن نستقبل أيضا المصابين».