ليبيا تملك احتياطيات 110 مليارات دولار من النقد الأجنبي واستثمارات في أوروبا وأميركا

من بينها ملكيات سينمائية في هوليوود وأندية رياضية

ليبيا تمكنت من تحصيل إيرادات ضخمة من الصناعة النفطية («نيويورك تايمز»)
TT

رغم الانخفاض الكبير في عائدات النفط الليبي والعقوبات الدولية، فإن نظام العقيد الليبي معمر القذافي قادر على استعادة ما يزيد على 110 مليارات من ودائع الاحتياطي الأجنبي لتغطية عملياته ربما لشهور قادمة. وتؤكد تقديرات صندوق النقد الدولي أن هذه الاحتياطيات التي تدار من قبل المصرف المركزي الليبي كافية لتغطية واردات البلاد لما يقرب من ثلاث سنوات، رغم أنه لم يتضح بعد كم الأموال الموجودة بحوزة المصرف المركزي الليبي والتي لم تطلها العقوبات.

من ناحية أخرى، يملك القذافي وأفراد أسرته مجموعة من الأسهم والسندات في جميع أنحاء العالم، تضم شركة للإنتاج السينمائي في هوليوود، ونادي كرة قدم في إيطاليا، وعقارات قيمة للغاية في لندن، ومليارات الدولارات في صورة ودائع في المصارف الأوروبية، التي تخضع عرضة الآن للتجميد الذي فرضته عليها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا.

وكان محللون صناعيون ومضاربون أشاروا إلى أن عائدات النفط المتدفقة على القذافي شهدت تراجعا قبل الجولة الجديدة من العقوبات، فقد انخفض إنتاج النفط في ليبيا من 1.2 مليون برميل يوميا إلى 800.000 برميل خلال الأسبوعين الماضيين، الأمر الذي خفف من الضغوط على الشركات الدولية في البحث عن وسائل لتجنب إرسال الأموال إلى القذافي أو حكومته.

وقالت شركة «إيني» عملاق النفط الإيطالية، التي تنتج ثلث النفط الليبي، إن إنتاجها انخفض إلى 120.000 برميل يوميا، أي أقل من ربع مستواها المعتاد، وإن النفط المستخرج لن يباع بل سيذهب إلى منشآت تخزين. أما شركة «أوكسيدنتال بتروليم» فقالت إن المواطنين الليبيين كانوا يديرون العمليات، وإنه لم يعد مؤكدا كمية النفط التي تنتج حاليا. وقال مضارب نفطي أوروبي بارز، طلب عدم ذكر اسمه لحماية علاقاته التجارية، إن شركة النفط الليبية المملوكة للدولة بعثت برسائل القوة القهرية، لتعفي المشترين من عقود الشراء بسبب النزاع والخلل في عملية الإمداد.

وكما هو الحال مع الارتفاع الحاد الذي شهدته أسعار النفط، فإن تأثيره على الأسواق العالمية تعاظم نتيجة التذبذب، حيث ينخفض الطلب العالمي على النفط عادة بمقدار مليون برميل يوميا في الفترة بين نهاية فصل الشتاء في الولايات المتحدة وأوروبا ومقدم فصل الصيف. وقد تمكنت معامل التكرير في أوروبا من تعويض الإمدادات القادمة من ليبيا بسهولة عبر الاعتماد على احتياطياتها والشراء من أماكن أخرى مثل المملكة العربية السعودية. وربما تكون التأثيرات على نظام العقيد القذافي خلال المستقبل القريب محدودة أيضا، على الرغم من تجميد الأصول الليبية الذي فرضته الولايات المتحدة والأمم المتحدة وبريطانيا ويخضع في الوقت الراهن لنقاشات من الاتحاد الأوروبي. ويشمل التجميد مجموعة متنوعة من الممتلكات المنتشرة على مستوى العالم التي جمعتها كل من ليبيا وعائلة القذافي خلال السنوات التي تلت رفع العقوبات الدولية عن ليبيا. وتعود ملكية الكثير من هذه الاستثمارات إلى هيئة الاستثمار الليبية، في شكل صندوق سيادي تأسس عام 2007 لاستثمار عائدات النفط الليبية. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن هيئة الاستثمار الليبية تمتلك ما يقرب من 40 مليار دولار ما بين عقارات وأسهم صناعية وودائع في مصارف أجنبية.

وقد أعلن مسؤولو الخزانة الأميركيون أن المؤسسات المالية الأميركية جمدت ما يقرب من 30 مليار دولار تعود ملكيتها لليبيا أو أصول يتحكم فيها القذافي، ولم يقدم المسؤولون تفاصيل بشأن طبيعة هذه الأسهم. بيد أن برقية دبلوماسية كتبها السفير الأميركي جيني كريتز، ونشرها موقع «ويكيليكس»، أكد فيها السفي أن رئيس هيئة الاستثمار الليبية محمد لياس أخبره بأن الصندوق يضم 500 مليار دولار في الكثير من المصارف الأميركية، في الوقت الذي توجد فيه كمية كبيرة من الأصول في أوروبا. وكانت الشركات الأميركية قد توددت إلى العقيد القذافي وأولاده في أعقاب رفع الحظر السابق والذي فرض على ليبيا بسبب تورطها في تفجير طائرة «بان أميركا» فوق بلدة لوكيربي في اسكوتلندا عام 1988. وقد أقامت شركة «كارلايل غروب»، وهي شركة أسهم خاصة تتخذ من ديستريكنت مقرا لها، حفل استقبال رفيع المستوى لسيف الإسلام القذافي عام 2008. وكان من بين الحاضرين فران كارلوتشي وزير الدفاع الأميركي الأسبق، وديفيد وولش مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى الأسبق الذي يعمل الآن مديرا تنفيذيا مع شركة «بيكتل» الهندسية العملاقة، بحسب موقع مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية. ولم يعلق مسؤولو شركة «كارلايل» على ما إذا كانت ليبيا قد استثمرت أي أموال في الشركة. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «كارلايل» ديفيد روبنشتاين في مؤتمر الاستثمار الذي عقد في ألمانيا، إنه غير واثق مما إذا كانت العقوبات الجديدة ستكون ذات أثر على «كارلايل» أو أي من عملائها.

وبحسب الوثائق العامة والتقارير التي نشرت في الولايات المتحدة وأوروبا تتضمن استثمارات عائلة القذافي أو الحكومة الليبية أسهما بقيمة 100 مليون دولار للساعدي القذافي في شركة «ناتشورال سلكشن» للإنتاج السينمائي في هوليوود، و7.5 في المائة من أسهم مصرف «يونيكريدت» الإيطالي، وشراكة في نادي يوفنتوس الإيطالي، وكذلك 3 في المائة من أسهم شركة «بيرسون ميديا» ومقرها المملكة المتحدة، التي تملك صحيفة «فاينانشيال تايمز» ودار نشر «بينغوين بوكس».

ولم يتضح بعد كيف سيؤثر التجميد على التدفق الفوري للتمويلات على نظام القذافي، رغم أن العقوبات الأميركية موسعة وتمنع أي مواطن أو شركة أميركية من التعامل مع شركة النفط المملوكة للدولة في ليبيا أو أي من الشركات التي تسيطر عليها الدولة، وهو ما جعل بعض الشركات الدولية الشريكة لليبيا تشعر بنوع من القلق.

وفي لندن، بعد احتلال طلبة كلية لندن للاقتصاد (لندن سكول أوف إيكونومكس) المكاتب الإدارية للكلية احتجاجا، أكد مسؤولو الكلية على أنهم سيمتنعون عن قبول المبلغ المتبقي من المنحة التي تعهد سيف الإسلام القذافي بتقديمها للكلية، وقالوا إن الكلية ستنحي جانبا ما يقرب من 500.000 دولار كانت قد تلقتها بالفعل في صندوق المنح للطلبة الليبيين، وقد تلقى الابن الأصغر للقذافي شهادة الدكتوراه في الكلية. وقال هوارد ديفيز، عميد الكلية، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، إنه يشعر بالحرج من ارتباط الكلية العريقة بعائلة القذافي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»