أوباما يضحي بعدة اتفاقيات للتجارة الحرة لتهدئة الخصوم

في حين تطغى صراعات السياسة على المصالح التجارية

اوباما امام خيارات مرة في الشهور المقبلة (أ.ب)
TT

جعل الرئيس أوباما زيادة الصادرات محور خطته الخاصة بدفع عجلة الاقتصاد، لكن خلال الأسابيع الأخيرة تم تجميد جدول أعماله الخاص بالشأن التجاري في ظل الصراعات الحزبية. وعلى الرغم من إعادة البيت الأبيض التفاوض مع كوريا الجنوبية بشأن اتفاقية التجارة الحرة في ديسمبر (كانون الأول)، وهو ما جعل أنصار الحزبين يمتدحونه، فقد رفض قادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب السماح بالاستمرار في تلك الاتفاقية. ويريد هؤلاء القادة من الإدارة الأميركية أن تبدأ في تحقيق تقدم في الاتفاقيات المشابهة مع كولومبيا وبنما، التي تواجه معارضة شديدة من النقابات العمالية والديمقراطيين الليبراليين.

ومما زاد من الضغوط على الإدارة الأميركية منع أعضاء مجلس النواب الجمهوريين تجديد توسع كبير في برنامج التدريب الوظيفي، الذي يوفر نقودا وتدريبا وإعادة توظيف وبحثا عن وظيفة ومزايا أخرى للعاملين الذين سرحوا من أعمالهم بسبب العولمة. وكان من الممكن أن يتم الحد من المزايا التي حصل عليها جزء كبير من الـ220 ألف عامل، الذين اشتركوا في هذا البرنامج العام الماضي، نتيجة لهذا الموقف. وكذلك توقف برنامج آخر يقدم مزايا الإعفاء من الرسوم الجمركية على 4800 منتج من الدول الفقيرة الحليفة للولايات المتحدة في ديسمبر بعد أن أعاق السيناتور الجمهوري عن ولاية ألاباما، جيف سيشينز، إقرار تمديد البرنامج. وتصرف السيناتور جيف بهذا الشكل بناء على إلحاح صاحب مصنع في ولايته قال إن هذه المزايا والامتيازات تضر به.

وتصاعد الجدل حتى وصل إلى طريق مسدود في ما يخص ما أطلق أوباما عليه أولوية مهمة، وهي زيادة التنافسية الأميركية في التصنيع والقطاعات الأخرى المرتبطة بالتصدير. ويقول هوارد روزين، الخبير التجاري في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو منظمة بحثية في واشنطن «ألقى هذا الجمود في الموقف بظلاله على ما أعده مؤيدو التجارة إنجازا عظيما وهو إتمام للاتفاقية مع كوريا الجنوبية في ديسمبر، التي تعتبر أكبر صفقة عقدت منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية حيز التنفيذ عام 1994». وتم التفاوض والتوقيع على هذه الاتفاقية عام 2007 خلال فترة إدارة جورج بوش الابن، لكن الديمقراطيين في الكونغرس رفضوا إقرارها، لأنها لا تكفي لفتح الأسواق للسيارات الأميركية واللحم البقري الأميركي.

وبعد مراجعة الاتفاقية في ديسمبر، منحت الدولتان نفسيهما المزيد من الوقت لإلغاء التعريفة الجمركية على السيارات وحصلت الاتفاقية على دعم شركة «فورد موتور» للسيارات و«يونايتيد أوتو وراكارز» بعد أن كانتا معارضتين للصيغة السابقة من الاتفاقية. ويريد الجمهوريون الآن من الإدارة أن تحقق تقدما في هذا الإطار في اتفاقية التجارة التي تم التوصل إليها مع كولومبيا عام 2006 والاتفاقية مع بنما عام 2007. وعلى الرغم من أن اقتصاد الدولتين أصغر كثيرا من اقتصاد كوريا الجنوبية، فإن اتفاقية كولومبيا بوجه خاص تعد مسألة عاطفية بالنسبة للاتحادات العمالية التي لها تاريخ من العنف مع قادة العمال في كولومبيا. ويتفق أكثر الخبراء على تراجع العنف مؤخرا وأن الرئيس الكولومبي الجديد خوان مانويل سانتوس، الذي تولى المنصب في أغسطس (آب) الماضي وضع إتمام اتفاقية التجارة أعلى قائمة الأولويات. وأكد أوباما في خطاب حالة الاتحاد في يناير (كانون الثاني)، دعمه لإتمام اتفاقية التجارة مع كل من كولومبيا وبنما. وكذلك قال رون كيرك، ممثله لشؤون التجارة، إن الهدف هو إتمام الاتفاقيتين بحلول نهاية العام. لكن يقول الأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب إنهم يدعمون التركيز الجديد على إتمام اتفاقية كولومبيا، إلا أنها استغرقت وقتا طويلا.

وقال ديفين برادي، النائب الجمهوري عن ولاية تكساس ورئيس لجنة التجارة الفرعية المنبثقة عن لجنة الطرق والوسائل في مجلس النواب: «لقد أوضحنا أن الوقت استنفد العمل على الاتفاقيتين مع كولومبيا وبنما. لقد حان الوقت لتجاوز ذلك، بالإضافة إلى الاتفاقية مع كوريا خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي». وقال برادي إن الاتفاقيات الثلاث يجب أن تقدم إلى الكونغرس كحزمة واحدة متكاملة. وأوضح قائلا: «قد يسبب ذلك ضررا للجهود التي يبذلها الحزبان في التجارة، في حال سخرية الإدارة من كوريا حاليا».

وقد التقت الإدارة مع «إيه إف إل» و«سي أي أو» ولجنة «هيومان رايتس ووتش» ومسؤولين في كولومبيا في ما وصفه كيرك بالجهد المكثف لإنجاز المهمة. وقد التقى ماكس باوكوس، عضو مجلس النواب الديمقراطي عن ولاية مونتانا ورئيس اللجنة المالية في المجلس التي تشرف على التجارة، مع قادة اتحاد العمال الكولومبي يوم الجمعة. لكن يقول أعضاء مجلس النواب الجمهوريين إن هذه المحاولات لم تسفر عن أي نتائج. ومع تراجع دعم الاتفاقية مع كوريا الجنوبية وحدها، حاول الجمهوريون زيادة الضغط باتجاه إتمام اتفاقيتين للتجارة الحرة في أميركا اللاتينية من خلال رفض دعم برامج التجارة الأخرى.

وانتهت مدة سريان هذين البرنامجين في 12 فبراير (شباط)، أحدهما تمديد لبرنامج التدريب الوظيفي لعامين يعود تاريخه إلى عام 1962، ويساعد العمال الذين سرحوا بسبب التجارة الحرة، والآخر قانون الامتيازات التجارية الذي يعفي بوليفيا وكولومبيا والأكوادور والبيرو من دفع رسوم جمركية عند دخول أجزاء من السوق الأميركية، مقابل المساعدة في خفض إنتاج المخدرات.

ودعت الإدارة الأميركية الكونغرس إلى التجديد الفوري لبرنامج التدريب الوظيفي دون أي شروط مسبقة. وقالت جين سبيرلينغ، مديرة المجلس الاقتصادي القومي: «سوف يفقد 155 ألف أميركي فرص الاشتراك في برامج التدريب الوظيفي التي يحتاجونها من أجل إعالة أسرهم والتمتع بالقدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي، نتيجة لهذا الجمود». لكن لم يغير الجمهوريون موقفهم حتى هذه اللحظة.

* خدمة «نيويورك تايمز» وقال النائب ساندر ليفين عن ولاية ميتشيغان الذي أشار في السابق إلى معاناة العمال نتيجة لاعتراض الجمهوريين: «إن هذا لعار. لا ينبغي عليهم أن يضعوا الناس رهينة لاتفاقية تجارة أو أي أمر آخر».

على الجانب الآخر، قال مسؤولون في البيت الأبيض إن مناورات الجمهوريين أدت إلى نتائج عكسية، فقد مررت الخيارات الأندية التي بدأت عام 1991 عندما كانت الولايات المتحدة تحاول دفع كولومبيا نحو تعزيز حماية العمال في إطار المفاوضات الخاصة بمراجعة اتفاقية عام 2006.

كذلك انتهت مدة صلاحية برنامج ثالث، وهو النظام العام للامتيازات، لكن لأسباب محدودة لا حزبية. وعرقل سيشينز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، تمديد هذا البرنامج إلى ما بعد 31 ديسمبر، ما لم يتم عمل تغييرات لحماية شركة «إكسل أوتدورز»، المصنعة لحقائب النوم بمصنع في «هاليفيل» في ألاباما من المنافسة في بنغلاديش. وتساءل هاري كزازيان، صاحب الشركة: «لماذا ينبغي على حكومتي أن تضع قوانين تضر بالعمال الأميركيين؟».

غرض نظام الامتيازات الذي بدأ عام 1976 مساعدة الدول النامية من خلال السماح بدخول منتجات محددة دون فرض رسوم جمركية عليها. ويقول كزازيان إن البرنامج لا ينبغي أن يشمل المنتج الذي يقدمه شركته وهو حقائب النوم، لكن لم تتفق معه لجنة التجارة الدولية الأميركية. أكثر حقائب النوم في الولايات المتحدة مستوردة من الصين، وعليه فكزازيان يدير مصنع حقائب نوم هناك.

كان من الممكن تمديد البرامج الثلاثة إذا تم الدفع باتفاقية التجارة الحرة مع كولومبيا وبنما قدما. ويشير البيت الأبيض إلى إحراز تقدم على جبهات أخرى، منها المحادثات الخاصة بالشراكة عبر المحيط الهادي التي قد تربط اقتصاد الولايات المتحدة باقتصاد الصين وسنغافورة، فضلا عن المحادثات الخاصة بجولة الدوحة لمفاوضات التجارة العالمية التي توقفت.