«لانفان» تقدم تشكيلة هادئة تحت شجرة صفصاف وارفة في باريس

«إيسي مياكي» قدمت درسا في فن «الأوريغامي» و«بالمان» تكرر نفسها.. وبيوت الأزياء تحمي نفسها من المصمم النجم

TT

على خلفية شجرة صفصاف ضخمة، قدم ألبير إلبيز، مصمم دار «لانفان» عرضه في الخيمة المنصوبة في حدائق «التويلريز». ورغم أن البعض حاول أن يقرأ الكثير في هذه الخلفية ويؤولها حسب هواه، ومنهم من قال إن المصمم ألبير إلبيز، يريد من خلالها إثبات أنه زرع جذوره في دار «لانفان» ولن يغادرها إلى «ديور» بعد فصل جون غاليانو، فإن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، لا سيما إذا عرفنا أن فكرة من هذا النوع تتبلور قبل العرض بأسابيع، وبالتالي فإنها كانت موجودة قبل أن تطفو قضية غاليانو إلى السطح.

ومن جهة أخرى، فإنها قد تكون مجرد لعب على تغير الفصول، وهو ما أكدته الإضاءة الذكية، التي جعلت الأجواء تتغير حسب ألوان التشكيلة وكأنها تأخذنا من موسم إلى آخر. ففي البداية ظهرت الشجرة كئيبة بأغصان يابسة ومن دون أوراق، لتعكس قسوة وصرامة المجموعة الأولى من الأزياء السوداء والقبعات الضخمة. مجموعة تخاطب امرأة عملية تريد البساطة من دون أن تتنازل عن الأناقة والبريق الذي تمثل في إكسسوارات لافتة على العنق والخصر أحيانا، من خلال تايورات ومعاطف وأحذية مريحة مستوحاة من الحذاء الرجالي.

وحتى ألبير إلبيز، شرح فكرة الشجرة بعد العرض قائلا: «شجرة الصفصاف تعني المشاعر، الأنوثة، وواحة من الراحة. أردت أن أبدأ بشيء واضح وبسيط: ثلاث قطع مكونة من معاطف وتايورات.. في عودة واضحة إلى الأناقة الكلاسيكية»، أي أن الشجرة فقط لخلق جو درامي ومؤثر. استهل العرض بالأسود لتكون الإطلالة قوية وغامرة، قبل أن ينتقل إلى ألوان شتوية أخرى مثل الأزرق النيلي والرمادي، وأخرى بنقوش هادئة، في قطع بأحجام مختلفة، كان القاسم المشترك بينها دائما الراحة التي تتضمن تفصيلا غريبا يجعل بصمة ألبير إلبيز واضحة عليها. بعد نحو 5 دقائق، لم تبق شجرة الصفصاف سوداوية أو رمادية، حيث اكتست أغصانها وأوراقها خضرة، ليرسل المصمم مجموعة بشلال من ألوان الطبيعة المتوهجة، من برتقالي، ومستردة، وفوشيا.. وغيرها في فساتين يمكن أن تناسب بعض أماكن العمل كما تناسب «الكوكتيل»، حسب طريقة ارتدائها وتنسيقها، وحسب شخصية المرأة وأسلوب حياتها. والملاحظ أنه مع توهج ألوانها زادت أيضا أحجامها، بينما ظل طولها قصيرا في أغلب الأحيان، في الوقت الذي اختفى فيه البنطلون من التشكيلة. فقد ظهر بنطلون واحد في كل هذه التشكيلة بدا وحيدا وأكثر إغراء لندرته.

رغم جمالية اللوحات التي قدمها إلبيز لخريف وشتاء 2011، سواء كانت بالألوان أو بالأسود، فإن هذه التشكيلة لم تكن أجمل ما قدمه، ويبقى أقوى ما فيها قدرته على ابتكار تفاصيل هادئة لكن مؤثرة تثير الحلم، وتجعل كل امرأة تريدها، بما في ذلك الإكسسوارات المبتكرة. فالقلادات المعدنية البراقة، مثلا، أضفت الكثير من الأناقة على الأسود تحديدا، قبل أن تأخذ أشكال ورود تزداد تفتحا مع كل قطعة تظهر على المنصة، ليؤكد ألبير مرة أخرى أنه مصمم أقوى من المواسم والفصول، تماما مثل شجرة الصفصاف الضخمة.

في آخر عرض قدمه المصمم داي فوجيوارا لـ«إيسي مياكي» بعد 5 سنوات، حصل الحضور على درس في فن «الأوريغامي» والتفصيل الهندسي، مما جعله متعة واستفادة بكل معنى الكلمة. فبواسطة ورق وأشرطة لاصقة بدأت فتيات يعملن معه في طي الورق أمام أعين الحضور، بأشكال تفتحت على معطف له ذيل، وفستان وتنورة وجاكيت وياقة، لكن لم يكن العرض من الورق فحسب، فهذه كانت دروسا فقط عما يجري في المعامل وكيف تتولد التصاميم، لأن بعد هذا الدرس، ظهرت عارضات في قطع بنفس التصاميم، لكن من قماش. الفكرة التي قال فوجيوارا إنه منذ أن أصبح مصمم الدار الفني في عام 2006، وهو يعمل على تكوين جيل جديد من المصممين المبتكرين والمبدعين، وهذا ما أكد أنه نجح فيه يوم أول من أمس، إذا كانت السهولة التي كانت تعمل بها الفتيات في قص الورق وطيه هي المقياس.

دار «بالمان» التي تعرف إقبالا كبيرا منذ أن التحق بها الشاب كريستوف ديكارنين، قدمت عرضها أيضا أول من أمس، لكن المثير في عرضها هذه المرة لم يكن الأزياء التي كانت كالعادة شابة وحيوية، بل غياب كريستوف ديكارنين نفسه. فهو لم يظهر في آخر العرض ليحيي الحضور، مما أكد الشائعات التي كانت تدور قبل العرض بأنه في مستشفى أعصاب وأنه يعاني من انهيار عصبي، ولا يعرف أحد مصيره، وما إذا كان سيعود للدار أم لا. لكن إذا صحت الشائعات، فإن مصيره سيكون مثل مصير جون غاليانو، فترة غياب لا يعرف إلى أين ستؤول بهما، رغم اختلاف التفاصيل والأحداث.

وكان المصمم الشاب قد التحق بـ«بالمان» في عام 2005، في الوقت نفسه الذي التحقت فيه إيمانويل آلت في الدار كخبيرة أزياء، علما بأنها استقالت مؤخرا من هذه الوظيفة بعد أن أصبحت رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الفرنسية. ونجح الاثنان في خلق أسلوب حيوي يعتمد على بنطلونات ضيقة جدا و«تي شيرتات» مرصعة ترقص على نغمات الروك آند روك، تم بيعه للعالم بسرعة وسهولة وبأسعار مجنونة. ما تم تقديمه لخريف وشتاء 2011 لم يكن مختلفا عما قدمه في السابق، فالبنطلونات الضيقة كانت هي سيدة الموقف إلى جانب الجواكيت المطرزة بشكل مبالغ فيه، وكأن الثمانينات عادت من جديد. أسلوب يخاطب شريحة معينة ربما حان الوقت أن تبحث عن جديد آخر، لأن أكثر من 5 سنوات من نفس الأسلوب قد يصيب بالملل، كما قد يصبح موضة «قديمة»، خصوصا إذا كان يلعب على الحداثة والعصرية أكثر من الكلاسيكية التي لا تعترف بزمن. وهذا ربما ستبحث عنه «بالمان» مثل غيرها من بيوت الأزياء الباريسية الأخرى. فالموضة تعني التغيير، وعدم الوفاء لأسلوب واحد، لهذا لن نستغرب إذا رأينا الكثير من التغييرات في الأشهر القادمة. فالشائعات قوية، مثلا، بأن الإيطالي ستيفانو بيلاتي لن يبقى مع دار «إيف سان لوران»، كما أن فصل غاليانو من «ديور» ومرض كريستوف ديكارنين، سيجعل الكثير من هذه البيوت تعمل على إعادة ترتيب أوراقها بشكل يجعلها لا تعتمد على مصمم نجم، حتى لا تكون تحت رحمة نزواته. درس تعلمته مجموعة «بي بي آر» المالكة لـ«غوتشي» في عهد توم فورد، واستفادت منه مجموعات أخرى، اكتفت بفريق عمل مجهول أو بمصممين يميلون إلى الهدوء ويقبلون أن يكون اسم الدار أكبر من أسمائهم. وليس ببعيد أن يصبح هذا الاتجاه هو التقليد قبل أن يظهر جيل جديد يفرض نفسه مرة أخرى على هذه المجموعات بفنيته.