اليمن: ازدياد الاحتجاجات وحضور نسائي لافت بالتوازي مع حضور أمني مكثف

قبائل في مأرب تطالب صالح بالتنحي وتتعهد بحماية المصالح النفطية

يمني يستخدم جهازه الجوال لتصوير المظاهرة التي شارك فيها عشرات الآلاف في صنعاء أمس للمطالبة بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح (أ.ف.ب)
TT

شهدت الساحة اليمنية أمس تصعيدا من قبل جميع الأطراف وتطورات جديدة؛ فقد كثفت قوات الأمن من وجودها في العاصمة صنعاء، في حين شوهدت آليات تتبع الجيش في الشوارع، في الوقت الذي استمرت فيه المظاهرات المطالبة برحيل النظام، وكذا الاستقالات في صفوف الحزب الحاكم.

ونشرت السلطات اليمنية أمس قوات من الجيش معززة بأسلحة ثقيلة كمضادات الطائرات، في مناطق عدة من العاصمة صنعاء وعدد آخر من المحافظات، وقال شهود عيان إن دبابات ومصفحات شوهدت في مدينتي تعز والضالع، وفي صنعاء نشرت أطقم أمنية وعسكرية بصورة «مكثفة» حول «ساحة التغيير» التي يعتصم ويتظاهر فيها المطالبون بسقوط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح. وتأتي هذه التعزيزات بعيد دعوة المعارضة في تكتل أحزاب «اللقاء المشترك» لأنصارها للخروج في مظاهرات ما يسمى «ثلاثاء الغضب» لإجبار الرئيس على التنحي، خاصة بعد أن أعلن أنه باق في منصبه حتى عام 2013.

وشارك مئات الآلاف في مظاهرات خرجت في معظم المحافظات اليمنية للمطالبة بإسقاط النظام؛ ففي «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء وإلى جانب الاعتصام المستمر والمظاهرات اليومية، نظم آلاف النساء مظاهرة خاصة للمطالبة بإسقاط النظام وللاحتفال باليوم العالمي للمرأة (8 مارس). ويوما بعد يوم يزداد عدد المشاركين في الاعتصام والتظاهر بصنعاء، فقد وصل إلى الساحة أمس أكثر من 200 سيارة لمشايخ ووجهاء قبائل خولان في محافظة صنعاء، وذلك للتعبير عن تضامنهم وانضمامهم إلى مطالب «شباب الثورة» برحيل النظام.

هذا، ويتواصل مسلسل الاستقالات من صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، فقد أعلنت مجاميع كبيرة من قبائل خولان استقالات جماعية داخل ساحة الاعتصام بصنعاء، وأعلن نائبان جديدان استقالتيهما من عضوية الحزب الحاكم وهما: الشيخ عبد الله حسن خيرات والشيخ عبد الولي عبده الجابري، وذلك احتجاجا على قمع المظاهرات وأعمال «البلطجة» التي يعتقد أن شخصيات حكومية وقيادية في الحزب الحاكم يقفون وراءها. وفي محافظة صعدة، أعلن تاجر السلاح اليمني الشهير فارس مناع ومعه أكثر من 120 شخصا، بينهم قيادات محلية، الاستقالة من حزب المؤتمر والانضمام إلى «ثورة الشباب» ومطالبها.

ويتبادل الطرفان؛ الحكومة والمعارضة، الاتهامات بممارسة أعمال «البلطجة»؛ فقد أصيب 5 متظاهرين في ساحة الاعتصام بمحافظة ذمار في مواجهات بين المؤيدين والمعارضين للنظام، واتهمت المعارضة عناصر حزب المؤتمر الحاكم بمهاجمة المتظاهرين، في حين ذكرت وسائل إعلام الحزب الحاكم أن «بلطجية المشترك» هم من اعتدوا على المؤيدين وأنهم أصابوا مدير عام مديرية ذمار محمد السيقل، مما استدعى نقله إلى المستشفى.

وفي تطور مهم، طالبت قبائل في محافظة مأرب شرق البلاد برحيل النظام، وعقد عصر أمس ملتقى في منطقة السحيل بمشاركة مشايخ وأعيان بارزين وممثلين لقبائل 14 مديرية، وناقش المجتمعون التطورات الراهنة في اليمن، وخرج الملتقى بالاتفاق على قيام القبائل بحماية المصالح الاقتصادية الحيوية كحقول النفط وغيرها، باعتبارها مصالح عامة للوطن وأبنائه، وأكد المشاركون في الملتقى أنهم مع مطالب الشعب برحيل النظام، ودعا الشيخ عبد الله طعيمان، أحد مشايخ جهم، الرئيس علي عبد الله صالح إلى أن لا يكون مثل معمر القذافي، وطالبه بـ«وطنيته» أن يترك الشعب اليمني يدير شؤونه بنفسه.

إلى ذلك، أعلنت جامعة الإيمان التي يمتلكها ويرأسها الشيخ عبد المجيد الزنداني أنها منحت طالباتها «إجازة مفتوحة»، وذلك بعد أن قامت دوريات من الجيش بإيقاف ثلاث حافلات تقل طالبات من الجامعة وتفتيشها بـ«طريقة استفزازية». وتقول الجامعة إن هذا الأمر يحدث لـ«أول مرة». ويرجح مراقبون أن هذا الإجراء هو «رسالة» إلى الشيخ الزنداني الذي انشق عن لجنة العلماء التي أفتت بعدم الخروج عن النقاط الـ8 لمبادرتهم واعتبرت ذلك «دعوة للفتنة»، إضافة إلى أن الزنداني أفتى بحق الشباب في الاعتصام من دون أن يتعرض لهم أحد.

من ناحية ثانية، واصل أنصار الحزب الحاكم باليمن، مظاهراتهم التي يصفونها بـ «المليونية»، وذلك للتعبير عن مساندتهم ودعمهم للنظام والرئيس علي عبد الله صالح، وهي المظاهرات التي تشهدها بعض المحافظات وترفع شعارات تندد بـ«دعوات العنف والفوضى والتخريب»، وتبارك مبادرات الرئيس. وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى «ثلاثاء الغضب»، الذي يتوقع أن يشارك فيه مئات الآلاف من المطالبين برحيل النظام، فقد حذرت السلطات اليمنية من الزج بطلاب المدارس في «المماحكات السياسية والصراعات الحزبية»، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» عن وزير التربية والتعليم، الدكتور عبد السلام الجوبي، قوله إن الوزارة ستحاسب كل من «يثبت تورطه في الزج بالطلاب في تلك المهاترات وفقا للإجراءات القانونية المخولة لها»، ودعا الجوفي الجميع إلى «احترام المدرسة وعدم الزج بها في الصراعات السياسية والحزبية باعتبارها مركزا للعلم وتربية الناشئة على ثقافة المحبة والتسامح وحب الوطن بعيدا عن ثقافة الكراهية والعنف والتعصب»، وقال إن «الزج بطلاب المدارس في تلك المماحكات جريمة يعاقب عليها القانون والدستور الذي حرم الانتماءات السياسية لمن هم دون سن الثامنة عشرة»، وجاء موقف وزارة التربية والتعليم اليمنية بعد أن أعربت منظمة «اليونيسيف» عن قلقها من تعرض بعض الطلاب للضرب على يد بعض المتظاهرين من الطرف الآخر.

وفي الوقت الذي يزداد فيه عدد العسكريين الذين ينضمون إلى المتظاهرين في أكثر من محافظة، سخر مصدر إعلامي عسكري في القوات الخاصة من الأنباء التي ترددت حول انضمام 18 جنديا من هذه القوات إلى «شباب التغيير»، وقال المصدر إن هذه الأنباء «ليس لها أساس من الصحة» وبأنها «مزاعم كاذبة وافتراءات تفتقر إلى الدقة والموضوعية»، وأشار إلى أن هذه «الافتراءات تأتي في سياق تلك الإساءات المتكررة المتعمدة التي أطلق البعض العنان لأنفسهم في توجيهها لمؤسسة الوطن الدفاعية والأمنية ومنتسبيها الأبطال ومحاولة تشويه أدوارهم البطولية ومواقفهم الوطنية العظيمة في الذود عن حياض الوطن وسيادته وحماية أمنه واستقراره».

في موضوع آخر، تضاربت الأنباء بشأن حجم الخسائر البشرية والمادية التي نتجت عن المواجهات العنيفة التي شهدها السجن المركزي بصنعاء، أمس وليل أول من أمس، بين السجناء ورجال الأمن، وأكد شهود عيان سماع إطلاق نار كثيف ومشاهدة أعمدة الدخان تتصاعد من السجن. وبحسب مصادر حقوقية، فقد قتل سجينان وجرح ما لا يقل عن 15 آخرين، خلال إخماد رجال الأمن لتمرد للسجناء الذين هتفوا بإسقاط النظام، وقال شهود العيان إن رجال الأمن الذين كانوا يعتلون غرف الحراسة أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، وقد أعلن رسميا أن الرئيس علي عبد الله صالح أصدر توجيهات إلى النائب العام ورئيس مكتب المظالم في الرئاسة، بالتحقيق في الأحداث التي شهدها السجن.