زلزال سياسي في فرنسا ومرشحة اليمين المتطرف تسحق منافسيها يمينا ويسارا

استطلاعان يؤكدان تقدم مارين لوبن على ساركوزي ومرشح اليسار في الدورة الأولى

ساركوزي يلقي خطابا أمام رؤساء بلديات منطقة موربيهان في غرب فرنسا أمس (أ.ف.ب)
TT

عاشت فرنسا ما يشبه الزلزال السياسي أمس بعد أن أظهر استطلاعان للرأي أجرتهما مؤسسة «هاريس» لصالح صحيفة «لو باريزيان» نهاية الأسبوع، تقدم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن تقدمها على كل المرشحين الرئاسيين يمينا ويسارا في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.

وستجرى الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) من العام القادم، حيث سيحاول الرئيس ساركوزي الفوز بولاية ثانية. وحتى تاريخه لم تعرف هوية المرشح الاشتراكي الذي سينافسه في الدورة الثانية.

وسبق لجان مارين لوبن، والد مارين، أن نجح في عام 2003 في التأهل للدورة الرئاسية الثانية بعد أن تقدم على المرشح الاشتراكي وقتها، رئيس الحكومة ليونيل جوسبان، لكنه خسر أمام المرشح اليميني جاك شيراك، غير أن ما يحصل اليوم أكثر خطورة مما جرى قبل 8 سنوات.

وأفاد استطلاع أمس أن مارين لوبن يمكن أن تتفوق في الدورة الأولى على كل المرشحين يمينا ويسارا. والأسوأ من ذلك لليمين الحاكم أنها ستحل في المرتبة الأولى (24%) بينما سيحل المرشح الاشتراكي مدير صندوق النقد الدولي دومينيك شتروس خان في المرتبة الثانية (23%) والرئيس ساركوزي في المرتبة الثالثة (20%)، ما يعني إخراجه من السباق منذ الدورة الأولى. وسبق لساركوزي أن حصل في الانتخابات الماضية على ما يزيد على 30% في الدورة الأولى.

وكان الاستطلاع الأول لمجموعة «هاريس» أفاد بأن مارين لوبن (23%) ستتفوق على ساركوزي وعلى مارتين أوبري، أمينة عام الحزب الاشتراكي (21%). وكانت نتائج الاستطلاعين كافية لإحداث زلزال سياسي في فرنسا ولإدخال الرعب في قلب الطبقة السياسية التي سارعت يمينا ويسار إلى التشكيك في صدقية الاستطلاع واعتبار أنه يهدف إلى التضليل. ونددت الكثير من الأصوات بافتقاده للمعايير العلمية بينما حرصت مارين لوبن على الابتعاد عن التصريحات النارية والاكتفاء بالقول إنها ستترشح للانتخابات بهدف الفوز وليس فقط لإثبات الوجود.

ولا يتخوف الرأي العام من وصول رئيسة حزب الجبهة الوطنية إلى سدة الرئاسة، إذ يرجح أن يتحالف ضدها اليمين واليسار لقطع طريق قصر الإليزيه عليها. لكن التخوف يكمن في جنوح الرأي العام الفرنسي باتجاه أفكار وطروحات اليمين المتطرف الذي يركز على مواضيع الإسلام والهجرة وفقدان الهوية الوطنية وتداعي الأوضاع الأمنية الداخلية وخلافها. وسبق لمارين لوبن أن شبهت صلاة المسلمين في بعض شوارع العاصمة بـ«الاحتلال الألماني» إبان الحرب العالمية الثانية. ولا تفتأ تندد بـ«أسلمة» فرنسا و«ضياع الهوية» الوطنية بسبب تنامي الهجرات الشرعية وغير الشرعية.

وتأتي هذه التطورات بمثابة الصدمة لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني (الحاكم) الذي ينتمي إليه ساركوزي وينوي الترشح باسمه ربيع العام القادم. وبينما يتهم اليسار بكل مكوناته ساركوزي بـ«الركض» وراء المواضيع التي يطرحها اليمين المتطرف ويحمله مسؤولية تقدم الجبهة الوطنية، فإن جان فرنسوا كوبيه، أمين عام حزب الأكثرية، يؤكد أن على حزبه أن لا يترك الساحة خالية لليمين المتطرف. ولذا سيطلق كوبيه بداية الشهر القادم نقاشا وطنيا حول العلمنة في فرنسا. ويتقصد كوبيه طرح موقع الإسلام وممارساته داخل المجتمع الفرنسي. ويتخوف الكثيرون من أن يكون الجدل القادم بابا للتهجم على المسلمين والتنديد بهم كما حصل بصدد النقاش على «الهوية الوطنية» العام الماضي.

وكان ساركوزي قد شجع حزبه على الخوض في هذا الجدل، ما دفع اليسار إلى اتهامه بأنه «يسرق» آيديولوجيا اليمين المتطرف ويشيع الخوف عند الفرنسيين لأغراض محض انتخابية. وفي الأيام الأخيرة ومع وصول أولى دفعات المهاجرين من الدول المغاربية إلى الشواطئ الأوروبية إلى إيطاليا تحديدا، سعت الحكومة إلى إبراز موقفها المتشدد، إذ دعا وزير الداخلية الجديد كلود غيان نظيره الإيطالي إلى «منع المهاجرين من الوصول إلى فرنسا» التي تنوي إعادة إرسال من يصل منهم إلى إيطاليا. ودعت نائبة يمينية (شانتال برونير) أمس الحكومة إلى وضع المهاجرين غير الشرعيين مجددا في مراكب وإبعادهم عن الأراضي الفرنسية.

ولا يقتصر الإرباك على اليمين وحده، بل يطال اليسار، وخصوصا الحزب الاشتراكي الذي ما زال حتى اليوم من غير مرشح معلن. ويدور التنافس بين شتروس خان وبين مارتين أوبري. ولا يستبعد فرنسوا هولند، أمين عام الحزب السابق، الخوض في المنافسة التي ستبدأ في يونيو (حزيران) القادم. لكن الأوفر حظا حتى الآن هو شتروس خان الذي لم يكشف بعد عن نياته. وبدأ ينمو داخل قاعدة الحزب تيار يدعو إلى عدم الانتظار حتى الصيف القادم لبدء عملية غربلة المرشحين الاشتراكيين، مشددا على الحاجة لتوفير الوقت للمرشح العتيد من أجل بلورة برنامج انتخابي وتشكيل طاقم حملته والتأهب للمواجهة. غير أن إدارة الحزب تسد حتى الآن أذنيها رافضة تعديل الروزنامة المقررة سابقا.