متنزه الثمامة: متعة الفوضى.. وفوضى المتعة

إحدى أهم المناطق المفتوحة في العاصمة الرياض

مخلفات الدراجات النارية من غبار وأتربة تتسبب في تضييق الخناق على العائلات في المتنزه (تصوير: خالد الخميس)
TT

تتجلى أمام أعين المتوجهين لها فوضى بصرية.. لا بد لأي زائر لها أن يلحظها بمجرد رؤية أفق هذه المنطقة، التي كانت وما زالت المتنفس رقم واحد لسكان العاصمة الرياض، رمال ذهبية تخترقها طرق سوداء، اتجاهات متعاكسة، أدخنة متصاعدة، وجملة من السيارات ذات الألوان المتباينة والأغراض المختلفة، فبها تجد عربات تبيع الهدايا والمواد الغذائية وغيرها، إلى جانب الباعة المتجولين.

«الثمامة» التي حافظت على مركزها كمتنزه الرياض الأول على مر العقود الماضية، باتت تحتاج لجملة من الإجراءات التحسينية، لا سيما وهي متنفس الجميع لاستنشاق الهواء الطلق بعيدا عن أجواء المدن، في حين أن لسان حال أهالي العاصمة السعودية يقول «ما لنا غيرها». هذه العبارة يطلقها أغلب السعوديين والمقيمين رغم وجود بعض المتنزهات لكن لا ترتقي لذوق الكثير.

ولا يزال سكان الرياض بين الحين والآخر يقبلون على «الثمامة» في منطقة صحراوية (النفود).

وأنت في قلب الثمامة على الطريق تجد الكثير من الباعة المتجولين الذين يبيعون الكثير من المأكولات سواء الشعبية التي تعد من المنزل مثل «الجريش» و«القرصان» التي تلاقي إقبالا منقطع النظير، وكذلك يتجه البعض إلى الذرة المشوية والبليلة.

وتتميز الثمامة بأنها تتيح الفرصة لعدد كبير من الباعة المتجولين لعرض ما لديهم من مقتنيات، سواء في مستلزمات الشتاء من الملابس أو أدوات الطبخ وأدوات إعداد القهوة والشاي، والحطب، بالإضافة إلى باعة المكسرات بجميع أنواعها.

ويخصص الشباب في المنطقة مكانا لتكوين فرق شعبية لقرع الطبول والأغاني، وموقعا للاستعراض بالدراجات النارية والسيارات وهو ما يجذب عددا كبيرا من الفئات للجمهرة حولهم.

تحولت المنطقة إلى منتج شتوي للكثير من العوائل والعزاب الذين يفضلون الذهاب للمخيمات في هذه الأوقات لاحتوائها على مساحات شاسعة وعدد كبير من المخيمات التي غالبا ما تكون في إجازة نهاية الأسبوع محجوزة من قبل متنزهين.

وتأتي وسائل الترفية المنتشرة في أرجاء الثمامة من دراجات نارية بأحجام مختلفة، وخيول وبغال للركوب، وأسعارها التي لا يستطيع العقل تصديقها دون رقيب أو حسيب، حيث يتجاوز سعر ركوب الخيل لمدة ساعة 270 ريالا والدراجات النارية تؤجر بأسعار خرافية حسب الأوقات التي يقدرها صاحبها في أسعار التأجير اليومي للدراجة النارية 1200 ريال مع التأمين مقارنة بأسعار تأجير السيارة الفاخرة.

ويعد متنزه الثمامة إحدى أهم المناطق المفتوحة في العاصمة الرياض، وقد حظي بعناية خاصة خلال الدراسات التي أجرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، خلال الفترة السابقة ومن أبرزها المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، الذي تناول المتنزه ضمن عناية المخطط بالمناطق المفتوحة في المدينة.

ويقع متنزه الثمامة في شمال شرقي مدينة الرياض، على مسافة تبعد 80 كم من مركز المدينة، وتصل مساحته إلى 370 كيلومترا مربعا، وتضم أيضا الجنادرية ونادي الفروسية، والمتنزهات المنتشرة على امتداد طريق الثمامة، بالإضافة إلى أراض شاسعة ذات أهمية بيئية مثل الأودية والنفود.

وتتمتع المنطقة بإمكانيات عالية تؤهلها لأن تصبح منطقة سياحية مهمة فهي تلبي معايير مشاريع التنمية السياحية الرئيسية الوطنية والمتعددة الأغراض، وتمثل الثمامة في الوقت الحاضر أكثر المناطق شعبية لدى سكان مدينة الرياض من خلال الأنشطة الترفيهية التي تشمل النزهات البرية والتخييم والترفيه، نظرا لقيمتها البيئية العالية وموقعها القريب من المدينة.

وتتشكل أرض متنزه الثمامة من هضاب تتخللها الأخاديد والوديان إلى جانب السهول، حيث يحد المتنزه من الشمال طريق وشعيب الطوقي، ومن الشرق سلسلة جبال العرمة، ومن الغرب طريق المجمعة المحاذي لنفود عرق الرثمة، ومن الجنوب طريق البويب، ونتيجة للاهتمام بالحياة الفطرية الحيوانية والنباتية والمحافظة عليها طوال العقود الماضية، فقد تم رصد 195 نوعا من النباتات، أما الحيوانات البرية فقد وجدت 4 فصائل من الحيوانات البرية هي: الثدييات والطيور والزواحف والحشرات، وتوجد شبكة طرق مزدوجة وسريعة تربط متنزه الثمامة بمدينة الرياض والمناطق الأخرى.

وبالنظر إلى المساحة الشاسعة للمتنزه والمستوى التطويري له، فإن الخطة تتطلع لأن يكون متنزه الثمامة أحد سواعد الاستثمار السياحي والترويحي والثقافي في مدينة الرياض، وأن يكون نموذجا للتخطيط والإدارة التي تتوافق مع معطيات البيئة، وتسهم في تنميتها وتحقق احتياجات سكان المدينة.

ويتميز موقع متنزه الثمامة بحجمه الكبير وقربه من مدينة الرياض وتنوّع المرافق والمشاريع الترويحية المخططة له، ورغبة هيئة تطوير مدينة الرياض في أن لا يكون تطوير المتنزه من قبل القطاع الخاص واقعا تحت ضغط الوقت، بل أن يكون نتيجة طبيعية لإقبال المستثمرين المبني على قناعاتهم بالاستثمار في تطوير المتنزه.

وحيث إن سوق الترويح تنمو بصورة تدريجية في مدينة الرياض، وهو ما يتضح من إنشاء مجموعة من المشاريع الترفيهية خلال السنوات القليلة الماضية، سواء التي قامت الدولة بتنفيذها ومن ثم تأجيرها على القطاع الخاص، مثل متنزه سلام، وتقديم الخدمات في حدائق وساحات مركز الملك عبد العزيز التاريخي، ومجموعة الحدائق التابعة للأمانة، أو المشاريع التي قام القطاع الخاص بتنفيذها مثل حديقة الوطن بمركز الملك عبد العزيز التاريخي، ومدينة الحكير الترفيهية، بالإضافة إلى عدة مشاريع يجري الإعداد لها حاليا، مثل متنزه الملك عبد الله، ومتنزه بنيان ووادي حنيفة ومشاريع أخرى يقوم القطاع الخاص بتنفيذها.

ويُمثل الاستثمار في الجزء الجنوبي من منطقة الثمامة ما يقارب 80 في المائة من تكاليف الاستثمار في المتنزه والمشتملة على المدينة الترفيهية ومركز المغامرات، ونظرا لطبيعة الاستخدامات الدائمة وغير الموسمية للمدينة الترفيهية ومركز المغامرات مما يرفع من جاذبيتها الاستثمارية، فقد تم تركيز تطوير متنزه الثمامة على منطقة مساحتها 40 كيلومترا مربعا في جنوب المتنزه ليكون وجهة سياحية عالية المستوى، على أن تؤخذ في الاعتبار جميع الأفكار المقترحة لضوابط التطوير التي سبق إعدادها في الدراسات السابقة للمتنزه.

وتوضح الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أنه يتم حاليا التجهيز لتطوير الجزء الجنوبي من المتنزه من خلال طرح أعمال التطوير في مزايدة عامة يتم من خلالها تأهيل مطور رئيسي مع الشركة المقترحة، ويكون جزء منها لديه خبرة في مجال تطوير وإدارة مناطق الترفيه والوجهات السياحية.

وفي الوقت الحالي جرى توقيع عقد تأجير استعمال مطار الثمامة والمرافق الملحقة به في متنزه الثمامة والهيئة العليا للتطوير مع نادي الطيران السعودي، وبدأ النادي في ممارسة أنشطته وفعالياته، كما يزاول مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية عمله في المناطق المخصصة له في الخطة التنفيذية الشاملة للمتنزه، ويجري تشغيل المخيمات التي سبق أن أقامتها الهيئة وعددها 50 مخيما من قبل القطاع الخاص «شركة قرية الثمامة» وتشهد هذه المخيمات إقبالا كبيرا في موسمي الشتاء والربيع. ومن المخطط له زيادة عدد المخيمات إلى 100 مخيم بنهاية عام 2011.

كما تم تخصيص موقع بمساحة 2 كيلومتر مربع لاستخدامات مركز الملك عبد العزيز للخيل العربية الأصيلة يهدف إلى إيجاد مناطق مفتوحة كمراع طبيعية لتنمية سلالات الخيل العربية الأصيلة والاعتناء بها.

ولا يزال إقبال سكان العاصمة السعودية الرياض على منطقة الثمامة الصحراوية في تزايد سنة بعد أخرى، ففي المواسم يحرص سكان المنطقة على زيارة الثمامة والمرور على بعض المتنزهات ومدن الألعاب على مداخلها بالإضافة إلى نقاط التسوق المحلية والمتنقلة.

وتحولت «الثمامة» منذ سنوات إلى منتجع شتوي للكثير من الأسر والعوائل التي تفضل قضاء إجازة عيدي الفطر والأضحى وإجازات نهاية الأسبوع في المنطقة التي تتميز بصحاريها الواسعة، وهو ما يجذب محبي التخييم الذين نشروا خيامهم في كل جزء منها. «الشرق الأوسط» أخذت جولة ميدانية في منطقة الثمامة، توزعت في منطقة المخيمات ومنطقة الكثبان الرملية (الطعوس) التي يوجد بها الشباب من هواة القيادة على الرمال التي تعرف بصعوبتها عن القيادة على الإسفلت (الطرق الممهدة) منهم من يجيدها ومنهم من لا يتقنها بالشكل المطلوب والبعض الآخر يتعلم عليها.

ويقبل السعوديون على التخييم في مواسم الربيع والشتاء في اتباع لعاداتهم وتقاليدهم العربية الأصيلة وإتاحة الفرصة للجيل الجديد من الشباب وصغار السن للاستمتاع بتجربة العيش في الصحراء مثلما فعل آباؤهم في الماضي.

ويحرص بعض زوار المنطقة على جلب احتياجاتهم من المنزل والتفنن في بناء المخيمات لأسرهم ولهم أيضا للخروج بتجارب تعطيهم المزيد من حب الصحاري.

تداول القصص الشعبية والبطولات العربية والأشعار النبطية والإلغاز لا تحلو كما يبين البعض إلا في تلك المخيمات الشتوية الربيعية لتزيد من ثقافة الشباب وعلاقتهم بكبار السن في العائلة ويستمعون منهم إلى قصص وعادات وتقاليد من عبق الماضي.

تعدد المخيمات أدى إلى فتح المجال للتنافس في خلق الأفكار الجديدة في تخطيط المخيمات وتجهيزها ودفع الأهالي إلى الاعتماد على أبنائهم من الشباب في تنظيمها وتجهيزها بالطريقة التي تتناسب مع كل أسرة، كما دعمت البعض منهم في وضع الإضافات داخل المخيمات وتزيينها بالطريقة التراثية.

وسميت الثمامة بذلك منذ وقت بعيد نسبة لنبات عشبي يكثر في الصحراء يكون متلاحم الأغصان وتجتمع فروعه وتتماسك من خلال جذور قوية تحت سطح الأرض.

وأيضا تضم المنطقة عدد من الشاليهات في المتنزهات التي تجولت بها «الشرق الأوسط» ووجدت بها ألعابا قديمة، كما أن تذاكرها بأسعار عالية كما يقول البعض، وأنها لا تتوافق وذوقهم في التنزه، وأن الإقبال عليها ضئيل مقارنة بمدن الألعاب الكبيرة.

ويندرج في تلك المتنزهات عدد من الأكشاك التي تعتمد على ألعاب الحظ في جذب زوار المتنزه بمبلغ 10 إلى 20 ريالا في اللعبة. وتتنوع جوائز تلك المحلات؛ تبدأ من أجهزة جولات وأجهزة بلايستيشن وكاميرات تصوير، بالإضافة إلى هدايا عينية تعطى لكل مشترك في اللعبة حتى إن لم يحالفه الحظ.

ماجد الخنيني، أحد المتجولين بالمنطقة، قال إن متنزه الثمامة بشكل عام لا يتوافق مع أذواق الزوار، سواء من سكان مدينة الرياض أو من خارجها، لأنه لا يحتوي على مدينة ألعاب كبيرة تجذب الزوار وتحقق مطالبهم.

وأكد الخنيني ضرورة وجود مثل تلك المكملات للثمامة حتى يزداد زوارها، مضيفا أنه من الضروري تنظيم مداخل ومخارج للمتنزه لمعاناته في كثير من الأحيان، خصوصا أوقات الذروة.

ويذكر سلطان القحطاني، صاحب أحد المخيمات عن تجربته مع المتنزه خلال أيام عيد الفطر المبارك حيث توجه مع أسرته لأحد المخيمات وفوجئ بالسعر الكبير الذي لم يتوقعه (1300 ريال) نظير تأجير مخيم مكون من 3 خيام ومولد كهربائي وملعب كرة قدم وسخانات مائية، مبينا أنه مهما وصلت درجة النجومية في هذه المخيمات فهي لن تصل إلى هذه الأسعار الخيالية.

وأشار القحطاني إلى أن مشكلة تحديد الأسعار ليس لها جهة معينة تقننها بل هي ارتجالية من قبل ملاك هذه المخيمات، مضيفا أن صفة الاستغلالية طغت على غالبية المخيمات خلال فترة عيدي الفطر والأضحى. ويرى الشباب أن متنزه الثمامة يتيح لهم ولغيرهم من العزاب الحرية الشخصية لممارسة لعب الكرة وركوب الدبابات والخيول والمتعة في التسامر مع الأصدقاء والزملاء واستعادة الذكريات حول النار التي أصبحت من متطلبات الرحلات البرية في هذه الأجواء الشتوية.

وتمنى الكثير أن تتوفر بمتنزه الثمامة بعض الضروريات. وحمل عزام العبيد أصحاب محلات تأجير المخيمات والدبابات استغلال زوار الثمامة خلال هذه الإجازة بمضاعفة أجور تأجيرها التي تصل إلى نحو 250 ريالا للساعة الواحدة للدراجة النارية، فيما يكون سعر التأجير بقية أيام السنة بأسعار أقل من ذلك بكثير.