أبو مازن: قلت لا لواشنطن 8 مرات.. وفي آخرها هددت بالحصار

قال في لقاء مع صحافيين عرب في لندن: عدم تمسكي بالكرسي يجعلني أقول لا للأميركيين

أبو مازن خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الدنماركي لارس لوكي رازموسين في كوبنهاغن امس (أ. ب)
TT

رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) القول بأنه والسلطة الفلسطينية في دور متلقي الإملاءات الأميركية. وقال هذه الإشاعات غير صحيحة، مشددا على أنه عارض الموقف الأميركي نحو 8 مرات في عهدي الرئيس جورج بوش، الابن، والرئيس باراك أوباما، مستطردا أن «الرئيس أوباما هدده بالحصار وقطع المساعدات إذا ما أصر على طرح مشروع على مجلس الأمن الدولي يعتبر الاستيطان غير شرعي ويعرقل عملية السلام».

وأضاف «في كثير من الأحيان أسأل نفسي.. من أنت حتى تقول لا للأميركيين وأنت تعيش على مساعداتهم ولولاها، وكذلك المساعدات الأوروبية، لما استمرت السلطة، لكن هناك سبب يجعلني في مركز قوة، إنني لست متمسكا بالكرسي، ويمكن أن أغادره في اللحظة التي أريد، لن أرشح نفسي في الانتخابات المقبلة، ولن أبيع ولن أتنازل ولن أفعل شيئا غير مقتنع به».

ولم يستبعد أبو مازن اتخاذ أي إجراء إذا لم يفِ المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، بوعوده بشأن قيام الدولة الفلسطينية ودخوله كعضو كامل في الجمعية العامة. وقال كل الاحتمالات قائمة. ورفض مسبقا مبادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسبقا إذا كانت ستتحدث عن دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة. وقال «إننا رفضنا الدولة ذات الحدود المؤقتة في الماضي وسنرفضها اليوم وغدا».

وجاء حديث أبو مازن أمام مجموعة من الصحافيين العرب في ختام زيارة للمملكة المتحدة استغرقت ثلاثة أيام، التقى خلالها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير الخارجية ويليام هيغ، وفي إطار سرده للتغيرات التي شهدتها المواقف والتصريحات الأميركية، لا سيما الرئيس باراك أوباما، بشأن الاستيطان منذ خطاب أوباما في القاهرة في يونيو (حزيران) 2009، قال «إن أوباما تحدث أولا عن وقف الاستيطان بالكامل قبل استئناف المفاوضات المباشرة، وشكرناه على ذلك، ثم عاد ليقول إنني لم أستطع وقف الاستيطان وطالب بالعودة للمفاوضات غير المباشرة (التقارب) دون وقف كامل للاستيطان، وعدنا إليها. ولم يتحقق شيء. ثم عاد ليقول إنه سيعمل على إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان واستمرت المحاولات (الرحلات المكوكية لجورج ميتشل مبعوث السلام) إلى أن جاء إلينا ميتشل، وقال بصريح العبارة إننا فشلنا. كان هذا مسار الاتصالات منذ وصول أوباما إلى الحكم».

وقال «وأمام هذا الوضع لم يكن أمامنا سوى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي في موضوع الاستيطان، واستخدمنا نفس النصوص التي تستخدمها هيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الأميركية) في وصف الاستيطان حتى لا نعطيهم سببا لرفضه، وبقينا ثلاثة أشهر نتشاور بدعم كامل من الدول العربية. في هذه الأثناء. كنا نسأل الأميركيين عن سبب وقوفهم ضد مشروع قرار دولي في هذا الشأن، وكنا نقول لهم إنه وحتى لا نسعى للحصول على قرار دولي، حققوا لنا شيئين؛ الأول وقف الاستيطان لفترة زمنية نبحث خلالها قضيتين، هما الحدود والأمن». وأضاف «خلال هذه الأشهر الثلاثة زار صائب (عريقات) واشنطن 5 مرات دون أن نحصل على شيء. وعشية التصويت على القرار اتصل السيد أوباما، وتمنى علينا أن نسحب المشروع، وكان ردنا أننا لا نستطيع. وواصل إننا نقدم إليكم بدلا من هذا القرار عرضا جيدا يتضمن بيانا من رئاسة المجلس وزيارة ميدانية لأعضاء المجلس وسيكون هناك إشارة إلى موضوع حدود 1967. وكررنا نفس الموقف، عفوا لا نستطيع، (استخدم أسلوب التهديد إذا لم تفعلوا) سنفرض عليكم كذا وكذا، ولم يتغير موقفنا، وقال إذا ما وقع حصار عليكم (تهديد بحصار إسرائيلي على مقر الرئاسة كما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات) (وهدد) بوقف المساعدات المالية، استمر الحديث لنحو 55 دقيقة، وكان حديثا وديا لكن مضمونه صعب، وتم التصويت وحصلنا على 14 صوتا من أصل 15 لكن مع فيتو أميركي». وتابع أبو مازن القول «كنت أتوقع أن تحصل القطيعة مع واشنطن لكنها لم تقع وتمت اتصالات، وها نحن نتحدث مع الرباعية».

وعن الخيارات والخطوات الفلسطينية الأخرى، قال أبو مازن «قلنا في الماضي إن لدينا خيارات، ربما يخطر في بالنا أن نذهب إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن، لأنه ما دام العالم لا يعطينا شيئا والرباعية لا تقدم شيئا، ماذا باستطاعتنا أن نعمل. سنبقي الأمر على ما هو عليه إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وهنا مربط الفرس، لماذا؟.. لأنه في سبتمبر هناك استحقاقات ثلاثة؛ أولها أن الرئيس أوباما قال إنه يتمنى أن تكون هناك دولة فلسطينية كاملة العضوية في الجمعية العامة، معنى ذلك أن اعترافا سيتم بالدولة. القضية الثانية أن الرباعية قررت أن يكون بدء المفاوضات في سبتمبر الماضي (إطلاق المفاوضات المباشرة من واشنطن) وذهبنا إلى هناك بوعد قاطع بأن نتنياهو سيقبل بوقف الاستيطان، وتنتهي في سبتمبر 2011. والقضية الثالثة قلنا لهم إننا سنبني دولة وأن بناءها سيحتاج إلى عامين تنتهي في سبتمبر المقبل. والحقيقة أن جميع مقومات الدولة جاهزة لدينا الآن. هذه الأشياء نتوقعها أن تحصل في سبتمبر، لكن السؤال هو إذا لم تحصل؟».

ورفض أبو مازن كشف خياراته حينئذ، ورفض نفي أو تأكيد حل السلطة كأحد الاحتمالات التي أكدها في يوم سابق مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، وهو خيار سيعيد الضفة الغربية إلى سلطة الأمم المتحدة كأراض محتلة، لكنه استطرد قائلا «إن كل شيء متوقع. وإن كل الخيارات مطروحة إلا الحرب والكفاح المسلح، فأنا لست مع الكفاح المسلح».

وتدخل صائب عريقات قائلا إن أبو مازن قال لزملائه العرب في قمة سرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «أنا لن أرشح نفسي وأنا لن أحارب، لكن إذا اتخذتم أي قرار في هذا الصدد فأنا معكم، فكان ردهم، لا تفهمنا غلط، فقال لهم فما هو إذن قصدكم، قالوا نحن مع المقاومة المسلحة». واستعاد أبو مازن خيط الحديث «قلت لهم أنا لست معها وليس أنا فحسب بل حركة حماس. إذن من معها».

ورد أبو مازن بحزم على قول إن السلطة الفلسطينية هي في الجانب المتلقي فحسب، فقال «أقول لهم لا، وهي كلمة لم يجرؤ على قولها غيري، وآخر هذه اللاءات في موضوع مشروع قرار الاستيطان، وقلت لهم ذلك 7 مرات، يعني أنني لست متلقيا من الأميركيين. لقد طلب مني الأميركيون أن لا أشارك شخصيا في القمة العربية في دمشق لكني أصررت وذهبت رغم التهديدات، لأن المصلحة الوطنية تتطلب ذلك. وطلبوا ألا أجري انتخابات تشريعية وأجريتها وفازت حماس، وطلبوا عدم تكليفها بتشكيل الحكومة، وهددوا بقطع المساعدات وفعلت عكس ما فعلوا، إذن أنا لست متلقيا كما يقال، وإذا أنا مش عاجبهم فليطيحوا بي». وعندما قيل له إنهم ليسوا هم من يقررون في ذلك، رد ساخرا «يا سيدي إنهم يطيحون بإمبراطوريات».

وقال «في كثير من الأحيان أسأل نفسي، من أنت حتى تقول لا للأميركيين وأنت تعيش على مساعداتهم ولولاها، وكذلك المساعدات الأوروبية، لما استمرت السلطة، لكن هناك سبب يجعلني في مركز قوة، إنني لست متمسكا بالكرسي، ويمكن أن أغادره في اللحظة التي أريد، لن أرشح نفسي في الانتخابات المقبلة، ولن أبيع ولن أتنازل ولن أفعل شيئا غير مقتنع به».

وتدخل صائب عريقات ليعدد المرات التي خالف فيها أبو مازن على ألا تكون للنشر، فاعترض أبو مازن قائلا ولم لا.. وتحدث عريقات عن تهديد أميركا بقطع المساعدات إذا ما كلف أبو مازن حماس بتشكيل الحكومة في المرة الأولى. وفي مرة ثانية هددوا بقطع المساعدات المالية إذا ما قبل بتشكيل حكومة وحدة وطنية من دون شروط الرباعية بعد اتفاق مكة، ونفذوا تهديداتهم وقطعوا المساعدات. وفي مارس (آذار) 2008 جاء نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني وقال لأبو مازن إن 12 رئيسا وملكا سيقاطعون قمة دمشق ونطلب منك مقاطعتها أخذا بعين الاعتبار أننا نقدم إليكم 475 مليون دولار كمساعدات، طلب منه شخصيا ألا يذهب ويبعث بدلا منه برئيس الوزراء، لكنه أصر وشارك بنفسه. وأثناء العدوان على غزة، رفضت عرضا باستصدار قرار رئاسي بشأن العدوان ورفض رغم أن وزيرة الخارجية في حينه كونداليزا رايس، قالت إن كل الزعماء العرب بانتظار موقفك، وأصر على موقفه وصدر القرار 68. وفي موضوع غولدستون الذي شتمه الناس بسببه رغم أنه أخذ بتوصيات العرب والمسلمين، استخدم بندا في القانون الدولي وأعاد بحث الموضوع في مجلس حقوق الإنسان الدولي، رغم تهديد الأميركيين له بالعقاب. وقبل ذلك أصر على توقيع ورقة المصالحة المصرية رغم تهديدات واشنطن. وفي 15 سبتمبر الماضي وعقب إطلاق المفاوضات من واشنطن، سأل أبو مازن نتنياهو أمام هيلاري كلينتون وجورج ميتشل، هل ستوقف الاستيطان، رد عليه بالنفي، فقال له أبو مازن وأنا لن أتفاوض معك وانتهت الجلسة ولم يجر أي تفاوض منذئذ. إلى آخره من المواقف.

وعاد أبو مازن للحديث فقال «إن حماس تتهمني بالخضوع للفيتو الأميركي في المصالحة، طيب كيف يمكن ذلك وأنا الذي وقعت على الورقة رغم الرفض والتهديد الأميركيين، بينما حماس لا تزال ترفض التوقيع، فكيف يمكن أن أكون خاضعا للفيتو الأميركي بينما هم غير خاضعين للفيتو الإيراني».

وأضاف «وبعد كل هذا تخرجون علينا في الصحافة العربية، تطالبوني بالمصالحة، أنا أسألكم كيف، دلوني على طريق للمصالحة وأنا على استعداد، أنا أقول لهم لنذهب إلى صناديق الاقتراع، وبالمناسبة لم تشهد المنطقة العربية انتخابات نزيهة كالانتخابات الفلسطينية. وأنا مستعد لأن أدعو الأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات، قال لي زعيم عربي إن حماس لا تريد الانتخابات فتساءلت، فقال مجيبا لأنهم سيسقطون، إذا كان هذا هو الحال فماذا بإمكاني أن أفعل، هم جاءوا بالانتخابات ويبقون بالانتخابات ويخرجون بها». ورفض أبو مازن مسبقا المبادرة المتوقع أن يعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذا كانت ستدور حول دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.

ويتوقع أن يعلن نتنياهو مبادرته التي لمح وزير دفاعه إيهود باراك إلى أنها ستدور بالأساس حول الحدود المؤقتة، في خطاب أمام مؤتمر اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة، المزمع عقده في مايو (أيار) المقبل.

وقال أبو مازن الذي كان يتحدث لمجموعة من الصحافيين العرب «إن خطاب نتنياهو قد يتضمن دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، وأؤكد مجددا أننا وكما رفضنا هذه الفكرة من قبل 7 سنوات، فإنني أرفضها اليوم وغدا». وكرر أبو مازن القول مازحا «إن مقترح الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، مرفوض مرفوض مرفوض يا ولدي».

وأعرب أبو مازن عن أمله في أن تكون التطورات التي تشهدها المنطقة العربية لمصلحة الشعوب العربية، وقال إنه ليس لديه ما يقوله أكثر من ذلك، وتمنى ألا تنعكس سلبيا. وردا على سؤال حول رأيه في التغيير الحاصل في مصر وانعكاساته على العمل الوطني الفلسطيني، قال أبو مازن «إن أفضل من يريد أن يبدي رأيه في التغيير في مصر هم المصريون. هذه قضية تهم المصريين بالأساس. لكني آمل أن يكون هذا التحرك باتجاه الديمقراطية التي يسعى إليها المصريون». وأضاف أن «الرئيس (المصري السابق حسني) مبارك كان يدعمنا، لكن إذا كنتم لا تريدونه فأنتم أحرار، بالنسبة لي فأقول إن الرئيس مبارك كان يدعمنا. وأكثر من ذلك إن لجنة المتابعة العربية التي تقودها قطر، كانت تعطي موافقتها على كل صغيرة وكبيرة».

وأكد أبو مازن اتصاله بالمجلس العسكري في مصر، وقال إن المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس بعث برسالة إليه، رسالة رقيقة تؤكد التزام مصر، وإنه رد عليه برسالة واتصال هاتفي.