القذافي يدافع عن مدن النفط بضراوة ويتبع أسلوب الصدمة والرعب جوا

طائرات حربية توجه 6 ضربات لرأس لانوف.. ودبابات العقيد تضيق الخناق على المعارضين في الزاوية

عناصر من القوات الليبية المنشقة يختبئون بعد هجوم صاروخي من قوات العقيد القذافي في بن جواد أمس (إ.ب.أ)
TT

معتمدا على تمتعه بالتفوق الجوي، واصل الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ضغطه العسكري على مناوئيه من الثوار المحتجين، وبدأ في تكثيف استخدام سلاح الطيران لدك معاقل الثوار في المنطقة الشرقية في محاولة محمومة لمنعهم من الاحتشاد واستجماع قواتهم لمحاصرته في الغرب.

وبدأت خطة القذافي العسكرية تتغير مع دخول المواجهات المحتدمة ضد خصومه يومها الحادي والعشرين، حيث لم يكتف القذافي فقط بالضغط على الثوار لمنع تقدمهم باتجاه مدينة سرت، معقل نظامه السياسي ومسقط رأسه، بل بدأ أيضا يسعى لإرباك الثوار مستخدما أسلوب الصدمة والرعب الذي نفذته القوات الأميركية إبان عملية غزو العراق عام 2003 ضد نظام حكم الرئيس الراحل صدام حسين. واعتمد القذافي على تكثيف الغارات الحربية لطائراته التي تقول المعارضة إنه يقودها مرتزقة أجانب وسط معلومات عن أنه يستورد مرتزقة من صربيا، وفقا لما قاله مسؤول في المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط».

وواصلت القوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية للقذافي قصفها العنيف والمتواصل براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة على رأس لانوف والزاوية طيلة أمس، فيما كانت قوات أخرى معززة بالدبابات والطائرات الحربية والصواريخ تنهال بالقصف والضرب العشوائي على المعارضين المسلحين على خط الجبهة بين شرق ليبيا وغربها.

والمعارضون مسلحون بمدافع رشاشة ثقيلة وقاذفات صاروخية وأسلحة مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات كثيرا ما تحملها شاحنات صغيرة رباعية الدفع. ولكن القذافي يستخدم طائرات حربية والدروع الثقيلة ضد خصومه.

ووجهت طائرات حربية ليبية مقاتلة ست ضربات لرأس لانوف، بينما وقعت مواجهات عبر خط جديد للجبهة على مقربة من مرافئ رئيسية لتصدير النفط.

واستعاد القذافي بعد معركة طاحنة السيطرة نسبيا على مدينة بن جواد وواصلت قواته الزحف باتجاه رأس لانوف، فيما بدأ الثوار عملية عكسية لتفادي الاشتباكات بناء على تعليمات من المجلس الوطني الليبي.

وركزت قوات القذافي جهودها بشكل ملحوظ على مدينة الزاوية لطرد الثوار من الغرب وللإبقاء على الحدود مفتوحة مع تونس، حيث قالت مصادر ليبية متقاربة إن النظام الليبي يسعى لتأمين مصفاة النفط الحيوية في الزاوية عن طريق بذل ما وصفته بجهد غير عادي.

وخسر القذافي عدة أفراد من قواته، من بينهم ضابطان أحدهما لواء والآخر عقيد، قتلوا في المعارك حول الزاوية. وفيما زعم نظام القذافي سيطرته على بلدة بن جواد، قال أعضاء في المجلس الوطني بمدينة بنغازي إن الثوار عادوا لخوض قتال ضارٍ للسيطرة على المدينة، كما أعلن مسلحون عبر مكبرات للصوت في وسط بنغازي أن قوات الثوار تسيطر حاليا على بن جواد القريبة من خط المواجهة ضد القذافي على بعد نحو 550 كيلومترا إلى الشرق من طرابلس. وسعت دبابات تابعة للقذافي إلى تضييق الخناق على الميدان الرئيسي الذي يسيطر عليه المعارضون بمدينة الزاوية في غرب البلاد، بينما قال سكان وشهود عيان إن قناصة تابعين للكتائب الأمنية كانوا يطلقون النار على كل شيء يتحرك. وقال مقاتل من داخل المدينة، التي تقع على بعد 50 كيلومترا غربي العاصمة طرابلس «يمكننا رؤية الدبابات. الدبابات في كل مكان»، وأضاف أن قوات المعارضين ما زالت تسيطر على الميدان الذي يقع في وسط المدينة، وأن «العدو» يبعد مسافة نحو 1500 متر.

وقال متحدث باسم الحكومة في طرابلس إن قواتها تسيطر على معظم أجزاء الزاوية ولم يعد بالمدينة سوى عدد قليل من المقاتلين.

وقال مسؤول بمصفاة الزاوية الليبية إن معارك ضارية أدت لإغلاق المصفاة وهي واحدة من أكبر المصافي الليبية وتقع على أطراف المدينة.

وبينما اعتقل المجلس الوطني المناوئ للقذافي خلية تضم مجموعة من عناصر اللجان الثورية والمرتزقة كانت تستهدف افتعال مشاكل أمنية واضطرابات في المنطقة الشرقية لترويع السكان، تلقت «الشرق الأوسط» صورا فوتوغرافية تظهر بطاقات منسوبة لبعض عناصر هذه الخلية التي يزيد عدد عناصرها على 30 شخصا. وأظهرت إحدى الصور بطاقة منسوبة للحركة الوطنية للإنقاذ صادرة من جمهورية تشاد تحت اسم خلية بنغازي وتحمل الرقم 2836، بينما الوجه الآخر من البطاقة يحمل اسم المدعو علي محمد ومهنته عامل وتاريخ انتسابه يرجع إلى عام 2006. وقال مسؤول في المجلس الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن الثوار في مدينة بنغازي نجحوا في تفكيك شبكة سرية كانت تستهدف القيام بعمليات إجرامية داخل المدينة، مشيرا إلى أنه خلال التحقيق مع ضابط تابع للقذافي معتقل حديثا قال إن أوامرنا كانت أبعد من قتل المتظاهرين بل بتعقبهم وإعدامهم في منازلهم. كما أقر بأن الكتائب الأمنية التابعة للقذافي قتلت الجرحى من الثوار بعد أن أخذتهم إلى مقر إحدى الكتائب ثم أحرقوهم ودفنوهم في مكان غير معروف. وقال مناهضون للقذافي إنه تم إنشاء خلايا إرهابية في مدينة بنغازي التي تدار باللجان الثورية تم استقدام عناصرها من تشاد تحت اسم «جيش الاستشهاد من أجل الإنقاذ»، بينما قامت قواته بزراعة حقول ألغام بشكل عشوائي حول مدن مصراتة وزليتن والزاوية في محاولة لمنع تقدم الثوار.

وقالت صحيفة «ليبيا اليوم» عبر موقعها الإلكتروني أن الحكومة التشادية برئاسة إدريس ديبي تقوم بالإسناد العسكري للعقيد القذافي، مشيرة إلى أنه تم إيفاد الجنرال عثمان بحر اتنو ابن عم الرئيس التشادي لقيادة حملة عسكرية مخصصة لهذا الشأن.

ونقلت الصحيفة عن مصدر لم تكشف هويته أن الجنرال عثمان تحرك يوم الاثنين الماضي من مدينة مساغيت التي تقع على بعد 80 كيلومترا شمال العاصمة التشادية إنجامينا، متوجها إلى مدينة برداي في شمال تشاد ثم منطقة السارة الليبية ومنها إلى الجنوب الليبي وبالتحديد مدينة سبها. وكانت تشاد نفت أي تورط لها في الصراع الدائر حاليا في ليبيا.

إلى ذلك، لقي أفراد أسرتين من بينهم نساء وأطفال مصرعهم أثناء محاولة فاشلة للهروب إلى شرق ليبيا من بن جواد تحت تأثير القصف. وتحدث مقاتلون في مدينة الزاوية عن ارتكاب القوات الموالية للقذافي لمذبحة ضد المدنيين العزل بعد دخولها إلى أجزاء من المدينة التي باتت على شفا كارثة إنسانية، حيث تم قصف المستشفى الرئيسي وإعدام العديد من المصابين في الشوارع وسط انقطاع مستمر للتيار الكهربائي. وعلى الرغم من أن الآلة العسكرية التي يمتلكها القذافي تؤهله لخوض غمار المزيد من المعارك ضد خصومه، فإن الثوار أبدوا في المقابل تفاؤلا بقرب ترجيح كفتهم القتالية على أرض الميدان خلال الأيام القليلة المقبلة. وقال مسؤول عسكري بالمجلس الوطني المناهض للقذافي «لدينا أدلة على ذلك، روحنا المعنوية والقتالية عالية»، مشيرا إلى أن «الحكايات التي يتداولها الليبيون تؤكد ذلك». ومساء أمس ساد الهدوء الحذر أنحاء مدينة مصراتة مع وجود حشود للكتائب الأمنية غربي المدينة عند بوابة زليتن وكذلك من الجهة الجنوبية على طريق بني وليد حيث تتمركز إحدى الكتائب الأمنية لخميس النجل الأصغر للعقيد القذافي. وأكد شهود في مصراتة، التي يسيطر عليها الثوار على بعد 150 كلم شرق طرابلس، أن القوات الموالية للقذافي تحتشد حول المدينة. وشهدت مصراتة، الأحد، معارك أسفرت عن مقتل 21 شخصا، وإصابة أكثر من 90 بجروح، كما قال طبيب، مؤكدا أن غالبية الضحايا من المدنيين.

إلى ذلك، تعرضت المعارضة المسلحة الليبية للقصف قرب ميناء السدر النفطي في شرق البلاد من جانب القوات الموالية للقذافي، وردت بإطلاق زخة من المقذوفات الصاروخية. وقالت «رويترز» إن القصف كان إلى الشرق من السدر حيث يتمركز المعارضون المسلحون، وأنهم يردون بإطلاق صواريخ.

وذكرت الوكالة أن المناهضين للقذافي خرجوا بعد القصف من السدر وهي بلدة سيطروا عليها من قبل. وقالت إنهم استعادوها في وقت لاحق، وأن القصف كان شديدا جدا من جانب قوات القذافي.

وكشفت حصيلة عن خسائر معارك اليومين الماضيين في مدينة رأس لانوف عن وجود أكثر من مائة شخص في عداد المفقودين، بينما أصيب 56 جريحا وقتل نحو 30 معظمهم من المدنيين.

إلى ذلك، أعلن التلفزيون الرسمي الليبي أمس أن «مسيرات حاشدة» خرجت أمس تأييدا للزعيم الليبي معمر القذافي في مدينة الزاوية التي شهدت بحسب المعارضة في اليومين الأخيرين معارك ضارية بين قوات القذافي والثوار الذين يسيطرون عليها. وقال التلفزيون، في شريط إخباري، على الشاشة «جماهير الزاوية تخرج في مسيرات في الزاوية تأييدا للقائد» و«مسيرات حاشدة لجماهير مدينة الزاوية في ميدانها الرئيسي تأييدا والتحاما بالأخ قائد الثورة». ونقل التلفزيون صورا أكد أنها من الزاوية لمتظاهرين يلوحون بأعلام خضر ويهتفون «الله، معمر، ليبيا وبس».

وفي بنغازي، قال حافظ خوجة المتحدث باسم المجلس الوطني الليبي المؤقت للمعارضين في مؤتمر صحافي «سيكتمل نصرنا حينما نحصل على منطقة حظر الطيران. وإذا جرى أيضا تحرك لمنعه (القذافي) من استئجار مرتزقة فإن نهايته ستأتي خلال ساعات».