مؤسس «حزب العدل والتنمية» الإسلامي التونسي: نختلف عن «النهضة».. لكننا لسنا في صراع معها

الحدري قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه عمل مع بن علي.. ولاحظ أنه صاحب ثقافة دينية محدودة

محمد الصالح الحدري
TT

«حزب العدل والتنمية» كان واحدا من الأحزاب التي تشكلت في تونس في الآونة الأخيرة، بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، وهو حزب ذو توجهات إسلامية لم يكن ينشط على الساحة السياسية من قبل، كما أن كل أعضائه المؤسسين لم يمارسوا العمل السياسي من قبل. مؤسس الحزب هو محمد الصالح الحدري، الذي حصل على وصل بإيداع الملف الإداري لدى وزارة الداخلية يوم 16 فبراير (شباط) الماضي، وهو اليوم بانتظار الحصول على الترخيص القانوني لحزبه.

الحدري، عقيد في الجيش التونسي، اتهم سنة 1991 بمحاولة انقلابية ضد الرئيس السابق، بن علي، وحكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات، ومنع من الحصول على جواز سفره لمدة 11 سنة، كما اتهم بالانتماء إلى حركة النهضة والتآمر على أمن الدولة. وشارك الحدري في حرب 1973 كآمر سرية لمدة أربعة أشهر، وتولى مهمة الدفاع عن مدينة بورسعيد المصرية. وحوكم إلى جانب 80 عنصرا من عناصر الجيش في أغسطس (آب) 1992، بتهمة تدبير محاولة انقلابية مع حركة النهضة، كما حوكمت أعداد كبيرة من أعوان الداخلية، وتراوحت الأحكام الصادرة ضدهم بين السنة و14 سنة سجنا. كما عمل الحدري مع بن علي لمدة سنتين متتاليتين في وزارة الداخلية في نهاية عقد السبعينات، وتعرف عن قرب على علي السرياطي، المدير العام للأمن الرئاسي في الفترة الأخيرة من عهد بن علي، وتعرف عن قرب كذلك على قائد الجيش، الجنرال رشيد عمار، حين كان في بداية السلم المهني. واختار بعد طول روية أن يؤسس حزبا إسلاميا في تونس؛ يقول عنه إنه «وسط يمين، على يسار حركة النهضة». «الشرق الأوسط» التقت محمد الصالح الحدري في تونس، وأجرت معه الحوار التالي.

* كيف جاءت فكرة تأسيس حزب إسلامي في تونس وكل الأنظار متجهة نحو حركة النهضة؟

- كانت محاكمتي سنة 1992 قد عرّفتني عن قرب على قياديي حركة النهضة، ولم أكن حينها أتفق معهم حول الكثير من المسائل. لاحظت خلال عقود من الزمن أن هناك فرقا واضحا بين القول والفعل. وأقر بأن هناك عناصر متزمتة في حركة النهضة؛ إذ إنها ليست كلا متجانسا، وأنا من الذين أدانوا في حينها عمليات التفجير والرمي بماء النار التي نفذتها الحركة خلال الثمانينات وبداية التسعينات. وعلى الرغم من تبرؤ القيادات حاليا من تلك الأفعال ونسبتها إلى القواعد التي لم تلتزم بقراراتها، فإن ذلك يبدو لي من باب المستحيل؛ إذ المعروف أن كل أعضاء حركة النهضة منضبطون ولا يمكنهم القيام بمثل تلك العمليات دون الرجوع إلى القيادات. كنت خلال فترة السجن التي قضيتها مع بعض قيادات الحركة لا نتفق حول السيارات المفخخة في العراق وأفغانستان، وكنت أصنفها ضمن الإرهاب الأعمى، وكنت أعتبر أن تفجير النفس حرام، وأن الكثير من قيادات النهضة تبحث عن المناصب والكراسي وتتغافل عن العمل في سبيل الله، في حين كانت بعض القيادات التي كانت تقضي فترة السجن معي ترى أن ذلك يصنف ضمن الجهاد في سبيل الله. كما لا أتفق معها في طريقة الوصول إلى الحكم، فقسم من القيادات يرى أن الاستيلاء على الحكم بالقوة مباح، في حين أنني كنت أرى أن الوصول إلى الحكم يمكن أن يتم بالكلمة الطيبة. وأنا من الأشخاص الذين يستميتون في الدفاع عن حق اليهود والنصارى في الوجود. لكل هذه الأسباب اخترت بعث حزب العدل والتنمية، وهو حزب إسلامي معتدل يتبنى الوسطية في كل شيء. وقد لقي انتشارا كبيرا خلال أيام قليلة من الإعلان عن تكوينه.

* هل تعتبرون حزب العدل والتنمية في علاقة صراع أم علاقة تكامل مع حركة النهضة؟

- لدي معلومات بأن حركة النهضة تدعمنا، وحزبنا ليس في وضعية صراع معها. لقد هنأني قادة الحركة يوم 16 فبراير (شباط) عندما حصلنا على وصل إيداع الملف الخاص بالترخيص القانوني. أنا أعرف جيدا كل قيادات الحركة وقضيت ثماني سنوات مع بعض منهم في السجن، ويدركون نقاط الخلاف بيننا. نحن نعرف بعضنا جيدا ولا مجال لمزايدة أحد على الآخر.

* هل تعتقد أن تكوين حزب العدل والتنمية قد يجذب جزءا من البساط من تحت أقدام حركة النهضة؟

- لا أعتقد ذلك، فالحركة متغلغلة في المجتمع التونسي، ونحن ضد أي تضييقات ضدها، ولكن الاختلاف بيننا سياسي، ومنطلقه النظرة للواقع وكيفية حصول التغيير على المستوى السياسي. لنا مواقف، وتقييماتنا للأحداث، وللحركة آراؤها المنشورة والمعروفة لدى جمهور عريض من التونسيين. قد نتفق وقد نختلف، وتلك هي أحوال السياسة. أعضاء حزب العدل والتنمية كلهم جدد لم ينضموا إلى أي تيار سياسي في السابق، وربما يكون ذلك عاملا حاسما لفائدتنا.

* وهل تمكنتم خلال هذه الفترة الوجيزة من بلورة موقف من الحكومة المؤقتة؟

- أعلنا منذ تكوين الحزب انضمامنا إلى المجلس الوطني لحماية الثورة، واعتبرنا أن الحكومة غير شرعية، لأن معظم أعضائها من أذيال الرئيس المخلوع، بل إن فيها بعض العناصر التي تخدم مصالح إسرائيل في المنطقة. نحن نعتبر أن بن علي كان مجرما، ومحمد الغنوشي سكت عن جرائمه ولم يقدم استقالته من الوزارة الأولى حتى آخر أيام الديكتاتور. بل إنه لم يحترم دماء الشهداء خلال الثورة، وواصل مهامه مثل جندي منضبط، وهو بذلك مشارك في الجريمة. نحن نعرف أن الغنوشي «رجل نظيف» على مستوى التصرف المالي، لكنه حسب اعتقادنا (يتحمل المسؤولية) من الناحية المعنوية والقانونية.

وحزب العدل والتنمية استغرب من «هرولة» حزبين من أحزاب المعارضة إلى الحكومة المؤقتة، وأعتقد أن تحليلهما كان خاطئا، وقد استغلت الحكومة وعناصر من النظام السابق مسألة «الفراغ في السلطة» لتشارك الغنوشي الغنيمة. عمليا لا يمكن أن نبني نظاما ديمقراطيا على مخلفات ديكتاتورية. كل أعضاء الحكومة المؤقتة مشاركون حسب رأينا في المؤامرة وشجعوا الفوضى وعملوا على نشرها، وهذا الأمر اعترفت به قيادات التجمع الدستوري الديمقراطي المجمد، وتلك الفوضى تقود إلى سيطرة الجيش على الوضع، وقوات الجيش لا تجد أمامها سوى التجمع حزبا منظما ومنتشرا في كل تونس، فتعتمد عليه لإدارة البلاد. لقد تم توزيع أموال على الميليشيات من أجل بث مناخ من الفوضى، وأعتبر أن الحزب الحاكم القديم قد لبس عباءة جديدة ورجع لتسيير البلاد من جديد.

* ما موقفكم من العلمانية بعد أن شهدت العاصمة التونسية لأول مرة مسيرة مساندة لهذا التوجه؟

- مبدئيا، الأشخاص أحرار في توجهاتهم الفكرية، لكننا مستاءون من التوجه العلماني للدولة، فبورقيبة وبن علي خالفا نص الفصل الأول من الدستور التونسي الذي يقول إن تونس جمهورية دينها الإسلام ولغتها العربية، فالدولة في عهدهما كانت ولا تزال تصنع الخمور وتبيعها، وهي التي تتصرف في المواخير وبيوت الدعارة، وهي التي تشرف على عمليات القمار والمراهنات الرياضية، وهي كذلك من يحارب الحجاب، وهذا التوجه للأسف وصل إلى الأشخاص ودوائر القرار، ويودون اليوم فرض وجهة نظرهم على المجتمع التونسي. وفي التوجه الجديد للحكومة المؤقتة نلاحظ تواصلا لهذه الأفكار؛ فرئيس اللجنة العليا للإصلاح السياسي كتب مقالا حول العلمانية في مدونته، وقال فيه إن دولة القانون والمؤسسات لا تتفاهم مع الإسلاميين، وهو بذلك يسعى إلى إقصاء الإسلاميين من الساحة السياسية، ويرى أنهم خطر على المجتمع التونسي. عياض بن عاشور رئيس اللجنة صرح سابقا بأنه لن يطلب تغيير الفصل الأول من الدستور، لكنه قد يعدل عن رأيه ذاك ويتراجع عنه، وهو ما قد يمثل خطرا على التونسيين. لذلك طالب حزب العدل والتنمية بتنحيته من رئاسة اللجنة العليا للإصلاح السياسي، لأنه شخص غير محايد، ومعروف بدعمه للتوجهات العلمانية، ونحن نعتبره من مخلفات الرئيس المخلوع.

* وهل أنتم صراحة ضد العلمانية، بمعنى حرية المعتقد والفصل بين الدين والسياسة؟

- نعم، نحن ضد التوجه العلماني في تونس، ومن الخطأ ربط الإسلام بالمسيحية في مجال علاقة الإنسان بخالقه. حزب العدل والتنمية لا يفرق بين السياسة والدين، ويعتبر أن المسألتين مرتبطتان بعضهما ببعض، وليس لنا في تاريخنا الإسلامي رجال دين كما في الكنيسة، بل لنا مجتهدون في المسائل الدينية، وبإمكان كل مسلم أن يبدي رأيه دون تعسف من أحد، ولا سلطة لأحد على الآخر. حربنا سلاحها الكلمة الطيبة.

* عرفت الرئيس المخلوع في فترة ما من حياتك العسكرية، كيف تقيم شخصيته؟ وما الانطباع الذي بقي لديك من تلك الفترة؟

- حين كان بن علي مديرا عاما للأمن الوطني، كنت مسؤولا عن قاعة العمليات بوزارة الداخلية التونسية، وذلك طوال سنتي 1978 و1979 وكانت لدي علاقات طيبة معه، لكنه كان محدودا جدا من ناحية الثقافة الاجتماعية والدينية. وأذكر أن حادثا جد في تلك الفترة بأحد المساجد أثناء صلاة الجمعة، وبالتحديد ما بين الخطبتين الأولى والثانية، فأعلمته بالأمر وما كان منه إلا أن سألني هي الجمعة كم فيها من خطبة؟

* وماذا تعرف عن علي السرياطي المدير العام للأمن الرئاسي في آخر أيام بن علي؟

- السرياطي ضابط ممتاز له كفاءة عالية في الميدان العسكري، ولكن كانت بيني وبينه اختلافات جوهرية في باب تربية التلامذة الضباط في الأكاديمية العسكرية، فقد كنت أربيهم على احترام القانون، ورفض التعليمات المناقضة للقانون مهما كان مصدرها. وعلى النقيض مني كان علي السرياطي يرى أن القوانين خُلقت لتُخرق، ودائما هناك فرص علينا انتهازها.

* وما رأيك فيما نُسب إلى السرياطي من محاولة الانقلاب على المنقلبين على الرئيس بن علي؟

- شخصيا لا أستغرب ما حصل من حديث عن وجود قناصة يأتمرون بأوامر السرياطي، فتركيبته الفكرية يمكن أن تقوده إلى ذاك الموقف. وأعتقد أن الجنرال رشيد عمار، الذي أعرفه جيدا، يميل إلى نفس تفكيري في احترام القانون، لذلك رفض أوامر الرئيس المخلوع بإطلاق النار على المتظاهرين. وعلمت أن السرياطي مستاء تمام الاستياء من الجنرال رشيد عمار، لأنه يعتبره تلميذه الذي درس له الهندسة العسكرية المقاتلة، وهو اليوم يتخذ خطا مخالفا له.

* وهل تنوون الترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟

- مبدئيا نحن لا نهتم كثيرا بالانتخابات الرئاسية، لكننا سنركز اهتمامنا على الانتخابات البرلمانية وندعو إلى تكوين الجمهورية الثانية عن طريق دستور جديد. ولنا ثقة بأننا سنحصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية. أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية فأنا كشخص لا أريد الترشح، ولا يمكنني كذلك رفض قرار الحزب بالترشح لذاك المنصب.

نحن شعارنا حاليا وفي المستقبل «لا ديمومة لدولة ليس فيها عدل»، ونحن ننطلق من فلسفة العلامة التونسي، عبد الرحمن بن خلدون، الذي ترك مقولته الشهيرة «العدل أساس العمران».

* ألا ترون أن ماضيكم العسكري قد يكون سببا في هروب التونسيين منكم ومن الحكم العسكري؟

- صحيح أن تكويني عسكري ونظامي، لكنني كذلك حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة من معهد العلوم السياسية بباريس (فرنسا)، وعملت أستاذا جامعيا لمدة خمس سنوات بالأكاديمية العسكرية، وخمس سنوات أخرى كمستشار عسكري لدى الوزير الأول، وأظهرت كفاءاتي العلمية أولا إلى جانب كفاءاتي العسكرية. أما من ناحية الانتماء إلى العالم العربي والإسلامي، فمواقفي كلها داعمة لهذا التوجه. صحيح أن العالم يخاف من حكم العسكريين، ولكن إذا تشبع العسكريون بالمبادئ المدنية واحترموا القانون، فإن النجاح سيكون حليف الجميع. التونسيون يحبون قوات الجيش، وأنا غادرت الثكنات منذ أكثر من عشرين سنة، وانخرطت كليا في الحياة المدنية، وكل تاريخي يدل على ذلك.

* لاحظنا وجود أربع نساء ضمن أعضاء اللجنة التأسيسية لحزب العدل والتنمية، ما موقفكم من تولي النساء لمناصب عليا في الدولة؟

- لا فرق عندنا بين الرجل والمرأة. نسعى إلى أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة عادلة، وليست متساوية، كما ينادي بذلك البعض الآخر. والمهمات ليست حكرا على الرجال، وإذا تحققت فكرتنا في بعث نظام برلماني بدل النظام الرئاسي، فإننا سنرشح امرأة لتكون أول رئيسة للحكومة التونسية. وإذا حافظنا على نظام رئاسي، فإننا ندعم وصول امرأة لقيادة البلاد لأول مرة في تاريخ تونس.