الهجرة المغربية إلى إسبانيا

TT

على الرغم من مرور أكثر من سنة على أحداث إليخيدو ( 6، 7 و8 فبراير (شباط) 2000) باسبانيا، فإن مجموعة من الأسئلة ما تزال عالقة. إذ أنه لحد الأن لم تعرف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء وقوع تلك الأحداث العنيفة في تلك القرية الصغيرة شرق الأندلس، ولماذا تلك القرية دون غيرها من المناطق الآهلة بالجالية المغربية، وما هو احتمال تكرارها في مناطق أخرى من التراب الأندلسي، وهل هناك علاقة بين تلك الأحداث والهجرة السرية؟ انطلاقا من هذه الأسئلة، أنجز الباحث المغربي عبد الواحد أكمير المهتم بظاهرة الهجرة، دراسة صدرت ضمن «منشورات الزمن» تحت عنوان «الهجرة الى الموت: اسبانيا وأحداث إليخيدو» مذيلة بتقديم للكاتب المغربي محمد العربي المساري.وكانت أحداث إلخيدو قد اندلعت اثر اغتيال مهاجر مغربي مختل عقليا يوم 6 فبراير 2000 لفتاة اسبانية في أحد أسواق قرية إليخيدو، واحتشاد أكثر من ثلاثة آلاف من سكان القرية مسلحين بالسلاسل والعصي والقضبان الحديدية، وملاحقتهم للمغاربة، واضرامهم للنيران في سياراتهم، وتخريبهم لمقاهيهم ومتاجرهم ومنازلهم ومساجدهم، حيث أصيب ما يزيد على ثلاثين مغربي بجروح متفاوتة الخطورة. استعرض الكاتب، بداية، آراء الساسة الاسبان والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني ورجل الشارع والصحافة. كما قدم استقراء لآراء بعض أبرز المهتمين بالشأن المغربي والاسباني من الباحثين والمفكرين. وقسم الكتاب، الذي يقع في 150 صفحة من حجم كتاب الجيب، الى مدخل عام وثلاثة فصول هي: أحداث إليخيدو وأطروحة «النفاق الرسمي»، المجتمع المدني الاسباني وأحداث إليخيدو والمجتمع الإسباني وأحداث إليخيدو، اضافة الى ملحق يضم حوارات حول أحداث إليخيدو قام بها الكاتب في شهر فبراير 2000 مع بعض الأساتذة الجامعيين الاسبانيين المتخصصين في موضوع الهجرة والعالم العربي وهم: بيدرو مارتينيث مونتافث، برنابي لوبيث غارسيا وبيلار أرينيو.

في الفصل الأول المعنون بـ«أحداث إليخيدو وأطروحة «النفاق الرسمي»، نطلع على آراء بعض المثقفين والسياسيين الاسبان الذين وصفوا تلك الأحداث بأنها «الأكثر ضبابية في تاريخ اسبانيا منذ موت فرانكو» لأنها أبرزت مدى تزايد خطورة العنصرية في المنطقة، التي نبه إليها الكاتب الاسباني خوان غويتيسولو على امتداد السبعينات في العديد من مقالاته، ودعا خلالها الى رفع الحيف عن مغاربة إليخيدو، واعتبر اثرها من طرف ممثلي قسم من الأحزاب السياسية في المنطقة شخصا غير مرغوب فيه. أما الساسة الاسبان ـ كما ذكر الكاتب ـ فإن اهتمامهم بتلك الأحداث لم تحركه دوافع انسانية أو اجتماعية كما بدا في تصريحاتهم، بل دوافع سياسية تجلت في الانتخابات العامة والهجرة السرية وقضية سبتة ومليلية والمنافسة التجارية بين اسبانيا والمغرب.

وفي الفصل الثاني «المجتمع المدني الاسباني وأحداث إليخيدو» تطرق الكاتب الى موقف الصحافة المكتوبة والجمعيات المعاضدة للمهاجرين والنقابات، من أحداث إليخيدو. وتوقف عند كتابات الصحف الثلاث الأكثر انتشارا في اسبانيا: «أ ـ ب ـ ث» و«البايس» و«الموندو». ويرى المؤلف أن تلك الكتابات رغم تعاطفها مع المهاجرين المغاربة فإنها لا تخفي في عمقها الميول العنصرية، ورفضها للمهاجرين وبالخصوص المهاجرالمغربي الذي تأصل النفور منه،حسب الكاتب، في المخيلة الاسبانية حيث يطلقون على المغربي لقب «المورو». بعد ذلك،قدم تحليلاً لخطاب النقابتين المركزيتين الكبيرتين: اللجان العمالية والاتحاد العام للعمال «اللتين تتحفظان على وجود المهاجر المغربي عكس المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الأكثر خضوعا، وذلك لأن المغاربة يعرفون حقوقهم، ولهم جمعيات ونقابات تدافع عنهم»، كما يقول. أما بخصوص الجمعيات المعاضدة للمهاجرين فقد ذكر الكاتب أنها، بخلاف الأحزاب والنقابات، لعبت دوراً مهماً في الدفاع عن حقوق المهاجرين المغاربة وهو ما جعلها تحظى بثقتهم،حتى أنهم أوكلوا لها أمر التفاوض باسمهم مع الاسبان. وأهم هذه الجمعيات: «الأندلس تستقبل»، «مائدة الاندماج»، «الحركة ضد عدم التسامح» و«جمعية العمال المهاجرين المغاربة باسبانيا».

أما الفصل الثالث المعنون بـ«المجتمع الاسباني وأحداث إليخيدو» فقد خصصه الباحث عبد الواحد أكمير لدراسة أسباب رفض المجتمع الاسباني، عموماً، للمهاجر المغربي دون غيره، وأرجع ذلك إلى مرحلة أبعد، حين ساد مصطلح «المورو» الذي مايزال متجذراً في الذاكرة الجماعية الاسبانية كما يرى. ومصطلح «المورو» كان يرمز لـ«اولئك الاشخاص الذين يمثلون حضارة عريقة»، ثم أخذ منحى آخر منذ نهاية الحضور السياسي العربي بالأندلس في ختام القرن الخامس عشر، حين أضيفت الى المصطلح كلمة أخرى هي «مالو» أي الشرير. وهكذا رأت النور عبارة «المورو مالو» التي ألصقت فيما بعد بالمهاجر المغربي الذي تحتاجه اسبانيا للعمل فقط وليس للتعايش أو الاندماج.

الكتاب: الهجرة الى الموت: إسبانيا وأحداث إليخيدو.

الكاتب: عبد الراحد أكمير.

الناشر: منشورات الزمن (أغسطس (آب) 2001)