اليمن: الرئيس يوافق على «خريطة طريق» المعارضة.. والجوف تسقط في يد المحتجين

قيادي في «المشترك» لـ«الشرق الأوسط»: موافقة صالح «مراوغة جديدة» * البرلمان يقر فرض حالة الطوارئ.. ومجلس التعاون الخليجي: اليمن «شأن داخلي بحت»

متظاهرون يمنيون يحملون عسكريا خلال احتجاجات ضد الرئيس علي عبد الله صالح في وسط صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

رمى الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، أمس، بورقة جديدة في مرمى المعارضة اليمنية و«شباب الثورة» من أجل تأمين خروج «مشرف وآمن» له من السلطة، بعد أن ضاقت دائرة مؤيديه واتسعت رقعة معارضيه والمطالبين برحيله من السلطة بعد 33 عاما من التفرد بها، كما يقول المراقبون. وأعلن مصدر في الرئاسة اليمنية أن الرئيس علي عبد الله صالح وافق على مقترح أحزاب تكتل «اللقاء المشترك» المعارضة والمسمى «خريطة طريق» والمكون من 5 نقاط، وهو المقترح الذي نقلته، إلى الرئيس، لجنة الوساطة المكونة من علماء الدين ومشايخ وقبائل، قبل أن يعلنوا فشل وساطتهم إثر رفض الرئيس لما تقدمت به المعارضة.

وقال المصدر الرئاسي إن صالح حرص خلال «مراحل الأزمة السياسية الراهنة التي افتعلتها أحزاب اللقاء المشترك، على تلك الجهود الممكنة وتقديم المبادرات التي من شأنها حقن دماء اليمنيين وحماية مكتسباتهم». وأضاف أن الرئيس صالح و«بناء على طلب أحد الوسطاء الذي اقترح فيه عليه القبول بما جاء في النقاط الخمس المقدمة من اللقاء المشترك، وعلى أساس أن القبول بتلك النقاط سوف ينهي تلك الأزمة ويطوي صفحاتها ويجنب الوطن الصراع الذي يهدد أمنه واستقراره ووحدته، فقد وافق فخامته على ذلك المقترح وأرسلت الموافقة عبر ذلك الوسيط إلى أحزاب اللقاء المشترك».

وتضمنت الموافقة المشار إليها، سلفا، أربع نقاط، تختلف عن النقاط الخمس، بحسب ما تقول المعارضة، وتضمنت موافقة الرئيس صالح على هذه النقاط: «تشكيل حكومة وفاق وطني تكون مهمتها تشكيل لجنة وطنية لصياغة دستور جديد للبلاد، صياغة قانون الانتخابات والاستفتاء على أساس القائمة النسبية، تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، ويتم بعد ذلك الاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية. ويقوم مجلس النواب الجديد المنتخب بتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية بعد ذلك مباشرة نهاية عام 2011»، أما النقاط الخمس التي هي عبارة عن أفكار للمعارضة قدمت للرئيس عبر العلماء من المشايخ، فكانت تنص على التالي: «استمرار المظاهرات والاعتصامات وحق الشعب في التعبير عن رأيه بكل الطرق والوسائل السلمية، والتحقيق في جرائم القتل التي ارتكبت في مختلف محافظات اليمن خلال الفترة الماضية تحقيقا شفافا نزيها وعادلا وتقديم القتلة ومن يقفون وراءهم إلى محاكمات عاجلة، وإنزال القصاص العادل بهم، وتعويض أسر القتلى والجرحى، والانتقال السلس للسلطة، استنادا إلى التزامات الرئيس المعلنة بعدم التوريث والتمديد وعدم الترشح في انتخابات 2013، وأن يحدد الرئيس مجموعة الخطوات التي سيجري عبرها نقل السلطة، وعدم توريثها، خلال فترة زمنية لا تتعدى نهاية هذا العام، وأن يعلن الرئيس هذه الخطوات للشعب وكل القوى السياسية بتحديد موقف منها بالقبول أو الرفض».

من جانبها، اعتبرت المعارضة اليمنية في تكتل «أحزاب اللقاء المشترك» أن ما أعلنه صالح، أمس، من موافقة على نقاطها أو أفكارها، مراوغة جديدة، لا أقل ولا أكثر. وقال علي الصراري، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، القيادي في تكتل «اللقاء المشترك» إن ما أعلن من الرئاسة اليمنية «أورد النقاط بمضمون مخالف لما حملته النقاط الخمس التي حملها العلماء»، ووصف ذلك بـ«الاجتزاء والابتسار»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يدل على عدم جدية السلطة ومصداقيتها وعلى أنها تتلاعب ولم تعترف، حتى الآن، أنها تتعامل مع قوى سياسية ذات وجود ومصداقية». وأردف أن «السلطة تحاول أن تشوه المواقف والأفكار التي تطرح عليها»، وشدد القيادي المعارض على أن ما قدمته المعارضة، حينها، لم يكن «مبادرة»، ولكنه «أفكار». وأضاف الصراري أنه وبعد «رفض السلطة لتلك النقاط، أعلن (المشترك) عدم تبنيه لها، ومنذ ذلك الوقت تغير الموقف ولم تعد النقاط الخمس صالحة للتفاهم أو التفكير بها».

من جانبه، قال المحلل السياسي اليمني، علي سيف حسن، رئيس منتدى التنمية السياسية، إن «ما كان متاحا ومقبولا بالأمس، لم يعد متاحا أو مقبولا اليوم»، وإن الأحداث تتسارع و«لم يعد مطلوبا من الأخ رئيس الجمهورية مبادرات أو تصورات، وإنما المطلوب منه قرارات تخص ترتيب وضعه في النظام»، ورهن حسن مستقبل الرئيس صالح بيد «قبيلته، حاشد، وبيد قادة الجيش»، على حد قوله في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط».

في هذه الأثناء، دعا «شباب الثورة» في ساحات التغيير والحرية والاعتصامات في عموم المحافظات اليمنية، جماهير الشعب إلى المشاركة والخروج بـ«الملايين» إلى الساحات والميادين، يوم الجمعة المقبل، الذي يتردد أنه «جمعة زحف». وهناك تصريحات لقادة في المعارضة قالوا فيها إنه سيتم الزحف على قصر الرئاسة (دار الرئاسة) في جنوب صنعاء، لإرغام الرئيس صالح على التنحي. هذا ويواصل مئات الآلاف من المواطنين اليمنيين الاعتصام في الساحات للمطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح ونظامه.

وفي الوقت الذي شهدت فيه مدينة عدن أعمال فوضى وتخريب وإحراق لفنادق وملاه ليلية من قبل مجهولين، رغم الانتشار الأمني وانتشار الجيش بدباباته، فقد أهابت «هيئة علماء المسلمين» في اليمن والتي يتزعمها الشيخ عبد المجيد عزيز الزنداني، رئيس جامعة الإيمان، بـ«جميع أبناء الشعب اليمني الحفاظ على المؤسسات العامة والخاصة»، وأفتت بـ«تحريم الاعتداء عليها نهبا أو إتلافا». وتشير هذه الدعوة والفتوى، إلى مخاوف عميقة في مختلف الأوساط اليمنية من حدوث انفلات أمني وصدامات مسلحة في أكثر من منطقة في البلاد.

على صعيد آخر، سقطت محافظة الجوف، شرق اليمن، في يد المحتجين الذين يحاصرونها منذ عدة أيام، وقالت مصادر مطلعة في الجوف إن المحتجين الذين أجبروا محافظ المحافظة وقادتها العسكريين والمدنيين على مغادرة مبنى المجمع الحكومي بمدينة الحزم، عاصمة المحافظة، شكلوا «لجنة شعبية» لإدارة شؤون المحافظة، بعد الفراغ الذي تعيش فيه، هذا في وقت لا يعرف مصير محافظ المحافظة، يحيى غوبر، الذي جاءت الانتفاضة الشعبية في أول يوم من تسلمه لمهامه بعد تعيينه بقرار رئاسي، وهو الذي منع من دخول المحافظة من قبل قبائلها، وكانت معلومات صحافية أشارت إلى أنه يحتمي بأحد الألوية العسكرية، قبل انقطاع أخباره. كما عبر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن موقف غامض تجاه المطالب المتزايدة بتنحي الرئيس اليمني. وقال في القاهرة للصحافيين إن «نتيجة الاضطرابات في اليمن ما زالت غير واضحة».

إلى ذلك، أكدت دول مجلس التعاون الخليجي أن ما يجري في اليمن الذي يشهد مظاهرات منذ أكثر من شهر قتل خلالها عشرات «شأن داخلي بحت». وقال أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية، في بيان له أمس: «إننا نتابع باهتمام بالغ تطورات الأحداث الجارية على الساحة اليمنية»، مؤكدا احترامه لإرادة وخيارات أهل اليمن.

وأضاف أن «ما يجري في اليمن شأن داخلي بحت»، مشددا على ضرورة المحافظة على المدنيين وعدم تعريضهم لأية مخاطر تهدد أرواحهم. ودعا إلى «عدم إهدار المكتسبات الاقتصادية والحضارية، مما يعيد لليمن أمنه واستقراره وتنميته».