نتنياهو ينجح في الأسبوعين الأخيرين في إيقاع الفلسطينيين بمطباته

بعد فشل استمر عامين

TT

لم يعد سرا في إسرائيل أن هناك خلافا بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومجموعة من وزرائه المتطرفين مثله أو أكثر منه، وبين قيادة الجيش، حول سلم الأفضليات وترتيب الأولويات والخطوات الضرورية لخدمة المصالح الإسرائيلية. الجيش من جهته، يحبذ القيام بمبادرة إسرائيلية شجاعة لتحريك مفاوضات السلام مع الفلسطينيين أو مع سورية أو مع كليهما. لكن نتنياهو، الذي يأسر نفسه بقيود يمينية متطرفة، لا يملك الشجاعة لأن يقدم على خطوات جدية. ويرى أن الخروج بمبادرة كهذه قد يكلفه تفسيخ حزب الليكود وسقوط حكومته بأيدي اليمين المتطرف. وأمام الضغوط الدولية، كان ينتظر «فرجا عربيا»، يخفف عنه الضغط ويوجه هذا الضغط إلى رقاب الفلسطينيين.

وحتى ما قبل أسبوعين، بدت خطة نتنياهو فاشلة تماما. وتفاقم الضغط عليه من دول أوروبا والولايات المتحدة. وأجمعت الصحافة الإسرائيلية على انتقاد سياسته واتهامه بالضعف والعجز وتغليب مصلحة كرسي الرئاسة على مصلحة الدولة. وراحوا يحذرون من حصار على إسرائيل يؤثر أيضا على وضعها الاقتصادي.

ولكن الفرج الأول جاء بالعملية المسلحة التي قتل فيها خمسة من أفراد عائلة استيطانية واحدة طعنا بالسكين في مستوطنة ايتمار قرب نابلس، شمال الضفة الغربية التي لم تعلن أي منظمة فلسطينية مسؤوليتها عنه كما لم تقدم اسرائيل أي دليل يؤكد اتهاماتها.

فراح نتنياهو بواسطة إحدى مساعداته السابقات بالترويج لهذه العملية على أنها عملية إرهابية ناجمة عن التحريض الذي تمارسه مناهج التعليم في المدارس الفلسطينية وفي وسائل الإعلام الفلسطينية. ونجح نتنياهو في استرجاع بعض الأوساط الإسرائيلية في اليمين الليبرالي، التي رأت في العملية عقبة كأداء في طريق المفاوضات. بيد أن وسائل الإعلام الإسرائيلية رفضت هذا المنطق وبعضها اعتبر العملية «استغلالا من قوى الإرهاب ليأس الفلسطينيين من عملية السلام». وطالبوا بمبادرة سياسية تعيد الأمل إلى صفوف الفلسطينيين. ولوحظ أن الجيش الإسرائيلي أيضا لم ير في هذه العملية سببا في انهيار الأوضاع الأمنية. واجتمع قائد القوات الإسرائيلية المرابطة في الضفة الغربية مع قادة المستوطنين ورفض طلبهم إعادة الحواجز العسكرية، وقال إن إزالة الحواجز مجدية أكثر وإن هناك أهمية للعودة إلى المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. ثم جاءت عملية السيطرة على سفينة فكتوريا، التي زعمت إسرائيل أنها كانت تحمل الأسلحة الإيرانية إلى قطاع غزة وهو ما نفته إيران وحماس معا. واستغلها نتنياهو ليبرر تهربه من المفاوضات واعتبرها تصعيدا خطيرا. وبعدها جاء إعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، استعداده لزيارة غزة للتقدم نحو المصالحة، فاعتبرها تخليا عن المفاوضات السلمية مع إسرائيل. ثم جاء التصعيد العسكري مع قطاع غزة، الذي فسر في إسرائيل أنه تعبير عن تلاقي المصالح بين نتنياهو ومعسكره وبين مصالح حماس في إجهاض مبادرة عباس.

وكان نتنياهو يسجل النقاط التي ترجح توجهه للتهرب من المفاوضات والتوجه إلى تصعيد عسكري ضد قطاع غزة، بدعوى وقف إطلاق الصواريخ. بينما الجيش وعدد من الوزراء في الحكومة، يصارعون هذا الموقف ويقولون إن الحرب على غزة تحتاج إلى «دراسة استراتيجية معمقة تحسب حساب السيناريوهات المتوقعة». ومن ضمن القضايا التي يريد الجيش بحثها واعطاء الأجوبة عليها: «هل من ضمان أن تقتصر الحرب اليوم على غزة أم أن إيران ستبادر إلى فتح جبهة ثانية في لبنان؟.. أم تبادر إلى جبهة أوسع مع إيران وربما سورية؟». وجاءت عملية التفجير أمس في القدس المحتلة، لترجح كفة المنادين بتصعيد أكبر على غزة. وألغى نتنياهو سفره المقرر إلى روسيا، بحجة أن إسرائيل تعيش أوضاعا طارئة قد تؤدي إلى تدهور يستدعي بقاءه في البلاد. وعقد اجتماعا طارئا لطاقمه الأمني، أمس، بغية البحث في سبل الرد على العملية في القدس وعلى الصواريخ القادمة من غزة، التي وصلت إلى بئر السبع وأسفرت عن إصابة مواطن من شظايا الصاروخ.