كلينتون وجوبيه ينددان بالعنف في سورية ويدعوان الأسد لتطبيق الإصلاحات

ساركوزي أمام تحد صعب في التعاطي مع الملف السوري بعد أن أعاد الأسد من عزلته الدولية

TT

نددت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالحكومة السورية، أمس، للطريقة القاسية التي ردت بها على مظاهرات المطالبة بالديمقراطية. وقالت الوزيرة بعد مؤتمر في لندن للقوى الدولية المعنية بليبيا: «في سلسلة من الاجتماعات الجانبية أتيحت لي أيضا الفرصة لمناقشة عدة قضايا من بينها سوريا. وعبرت عن الإدانة الشديدة للقمع القاسي الذي قامت به الحكومة السورية للمتظاهرين وخصوصا العنف وقتل المدنيين على أيدي قوات الأمن».

وعبرت كلينتون عن أملها في أن يطبق الرئيس السوري بشار الأسد الإصلاحات التي يعد بها منذ زمن. وقالت: «نأمل أن تكون هناك فرصة للإصلاحات، نحن مثل الشعب السوري ننتظر ونراقب تطور الأحداث. نحن ندعم إصلاحات بتوقيت واضح وضرورة رفع حالة الطوارئ فورا».

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر قال أمس، إن الأسد يجب أن يحقق مزيدا من التقدم بشأن الإصلاحات السياسية وينبغي أن يفي بحاجات وطموحات مواطنيه.

من جهته، حث وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه سورية أيضا على تبني الإصلاح السياسي والدخول في حوار مع شعبها، لكنه قال إن الوقت ليس مواتيا لفرض عقوبات أو تدخل من جانب الأمم المتحدة. وردا على سؤال عما تتوقعه فرنسا من قرار سورية بتشكيل حكومة جديدة، قال جوبيه إنه يدين كل أشكال العنف والقمع ضد المظاهرات الشعبية. وقال جوبيه للصحافيين بعد اجتماع عقد في لندن لبحث مستقبل ليبيا: «ندعو للإصلاحات والحوار». وأضاف: «لا نبحث في الوقت الراهن عقوبات أو قرارا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سرق الأضواء عالميا بتدخله البارع في ليبيا ولكن قد يجد صعوبة كبرى في التعامل مع الأزمة المتصاعدة في سوريا. فساركوزي هو الذي أنهى عزلة سورية على الساحة الدولية حين استضاف الأسد في زيارة لباريس عام 2008. ومنح الأسد شرف حضور الاحتفال بيوم الباستيل وهي اللحظة التي أذنت بقبول المجتمع الدولي للنظام البعثي مرة أخرى. ولا يتوقع أحد أن تكون فرنسا أو أي قوة غربية أخرى راغبة في الدخول في حملة عسكرية جديدة ولكن ساركوزي استن سابقة تضعه تحت ضغط للتعامل بنفس الشدة مع قمع سورية للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في المستعمرة الفرنسية السابقة. وأمسك ساركوزي بزمام رد الفعل العالمي للأزمة الليبية لإعادة التأكيد على نفوذ فرنسا في شمال أفريقيا عقب تعاملها غير الملائم مع انتفاضتين في مصر وتونس. ويقول محللون، في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه ينبغي على ساركوزي الآن أن يأتي باستراتيجية ذكية تجاه سورية وإلا فقد السمعة الطيبة التي اكتسبها في الآونة الأخيرة. وقال كريستيان بوكيه خبير شمال أفريقيا بجامعة بوردو الثالثة «لا يمكنه أن يتقدم على أكثر من جبهة في وقت واحد وبدأت الجبهة التي انخرط فيها تظهر المصاعب التي تنطوي عليها مثل هذه العملية». وتابع «وفق الأساس الذي أرساه ساركوزي وهو حقوق الإنسان والديمقراطية ينبغي التدخل في عدة دول من بينها سورية وساحل العاج ولكن لن يمكنه حشد المجتمع الدولي.. وستكون هناك مشكلة في الأولويات وتحديد البلد الذي يتدخل فيه أولا». ولم تصل التوترات في سورية للمستوى الذي بلغته في ليبيا حين دعا ساركوزي لقمة عاجلة أعقبها شن غارات جوية ضد قوات الزعيم الليبي معمر القذافي. وتجعل علاقات سورية مع إيران وحقيقة اشتراكها في الحدود مع إسرائيل والعراق وتركيا التحرك العسكري خيارا غير مرغوب فيه خاصة في ظل خطر ردود الفعل من جماعات مثل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) أو حزب الله في لبنان. وهونت الولايات المتحدة بالفعل من إمكانية الحل العسكري في سورية كما أن فرنسا التي احتلت البلاد حتى عام 1946 ستتردد أيضا في استخدام القوة.

وقال أنطوان بسبوس رئيس مرصد البلاد العربية ومقره باريس «إيران متداخلة لحد كبير مع هذا النظام. ستدافع عنه إيران بكل الوسائل الممكنة». وتابع «لن يكون المحك في حالة سقوط النظام السوري مقتصرا على الوضع الداخلي في سورية، بل يتجاوز جميع الأوضاع الجغرافية والسياسية على النطاق الإقليمي». وفي الأيام الأخيرة أدان ساركوزي تعامل الأسد العنيف مع المحتجين. وقال إنه ينبغي على كل حاكم عربي أن يدرك أن من غير المقبول أن يطلق الجيش ذخيرة حية على المحتجين.

ومثل القذافي الذي استقبله ساركوزي استقبالا رسميا حافلا خلال زيارة الدولة عام 2007 كان الأسد شخصا غير مرغوب فيه حتى أقر اجتماع باريس سياسة تقارب جديدة مع الغرب. وأعادت الزيارة ضبط العلاقات الفرنسية - السورية التي توترت منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005 وتعتقد باريس أنه دبر في دمشق. وسيكون من الصعب أن ينقلب ساركوزي على شخص سانده على هذا النحو العلني حتى وإن كان انقلابه على القذافي يظهر أن بوسعه التخلي عن أصدقائه القدامى إذا ثبت أنهم غير مستساغين. والمشكلة التي تواجه ساركوزي اليوم أن شخصا التقاه أكثر من مرة وأشاد به كإصلاحي ثبت في النهاية أنه يحافظ على تماسك النظام السياسي الشمولي في سورية. وقال مصدر دبلوماسي «في السابق كانت اللهجة تجاه سورية حذرة كانت محاولة لتقديم غصن الزيتون لأننا كنا نأمل في إحراز نتائج، ولكن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين». ويتوقع معظم المراقبين أن يواصل ساركوزي استخدام لهجة قوية ولكنها محسوبة دبلوماسيا تجاه سورية وربما يضغط من أجل فرض الأمم المتحدة عقوبات كخطوة ثانية كما فعل الأسبوع الماضي مع نيجيريا بسبب رئيس ساحل العاج الحالي. وذكر بوكيه أن هذه الخطوة ربما تقابل بمعارضة من الصين وروسيا مما قد يثير بدوره تساؤلات عن كيفية تعامل مجلس الأمن مع أزمات متسارعة. وقال: «كل ما حدث في الأشهر الثلاثة الماضية يطرح سؤالا عن تنظيم الأمم المتحدة وكيف يمكنها الاستجابة وأن تكون فعالة. إذا أراد ساركوزي تحريك الأمور ينبغي أن يجيب على هذا السؤال الأساسي أولا قبل أن يركز على حالات بعينها». وأضاف: «إذا كان ساركوزي ماكرا سيتوارى خلف الصياغات الغامضة للأمم المتحدة لتفادي التدخل الفوري في منطقة ساخنة مثل سورية.