تشاديون في السلوم يقضون أوقاتهم في الصلاة ولا يملكون سوى ما يرتدونه من ملابس

في انتظار عودتهم إلى بلدهم

TT

قضى آلاف التشاديين ليالي عدة في منفذ السلوم البري في جو شديد البرودة وظروف معيشية قاسية، ووسط قلق وتوتر شديدين حول مصير عودتهم إلى ديارهم، أفراد منهم قضوا أوقاتهم الطويلة المملة في التسامر وشرب الشاي الذي يعدونه على طريقتهم الخاصة، وآخرون قضوا أوقاتهم في الصلاة والدعاء إلى الله.

وتظهر على أحد جدران مبنى الجوازات المصري في منفذ السلوم كتابة كبيرة بارزة تحمل عبارة «يا رب» كتبت بخط مائل ومهتز، يدل على أن كاتبها لا يسيطر على أعصابه، وربما يعاني من قلق زائد، وإن كانت تحمل معاني التعلق برحمة الله تعالى، عندما اقتربت منها، كان هناك شاب أسود نحيل فارع الطول يختتم صلاته، بادرته بتحية الإسلام بلكنة إنجليزية، ولكنه رد بصوت بدا عربيا قويا، صاحبه هو علي الرشيدي (26 عاما)، من تشاد، عمل لست سنوات كسائق في بنغازي لدى أحد رجال الأعمال.

يقول الرشيدي لـ«الشرق الأوسط» وملامح الأسى تكسو وجهه: «القذافي كان بمثابة الأب بالنسبة لنا، فنحن نعامل في ليبيا وكأننا مواطنون ليبيون، ولكن ما يفعله بشعبه غير إنساني ولا يقبله أحد».

شرح الرشيدي كيفية خروجه من بنغازي مع آلاف التشاديين قائلا: «خرجنا في عربات مكدسة بلا تهوية وبلا ماء، وظللنا على هذا الحال مدة يومين، كانت هناك حالة من الخوف والرعب تسيطر على الجميع». ثم قال وهو يكاد يجهش بالبكاء: «هربت بلا أي متاع غير ملابسي التي أرتديها».

يواظب الرشيدي على صلاته فوق سجادته الزرقاء التي اشتراها من الحرم المكي منذ عامين، وأصبحت متاعه الوحيد ويقول إنه يدعو لأخوته في الإسلام في ليبيا حتى تنقشع الغمة.

الرشيدي شكا لـ«الشرق الأوسط» من اللعنات التي توجه لهم في كل مكان وتتهمهم بالانتماء للمرتزقة، ثم يشير إلى جسده شديد النحافة متسائلا: «أيمكنني أن أحارب بجسدي النحيل هذا؟!».

انتظر الرشيدي في منفذ السلوم 16 يوما قبل أن يدرج اسمه في قوائم المغادرين إلى إنجامينا (عاصمة تشاد) قريبا.

بجوار الرشيدي افترش الأرض ضياء الحق، عامل بناء (30 عاما)، ولكن جسده وعمره لا يعبران عن سنه أبدا، فوجهه الصغير وجسده النحيل يعطيان انطباعا بأنه شاب في مقتبل العمر، يتحدث ضياء العربية بلهجة محلية بدت كلماتها غير واضحة، إلا أنه أوضح لنا أنه يشارك علي الرشيدي نفس المساحة الضيقة، قاضيا اليوم كله يقرأ القرآن، داعيا الله أن يعود إلى أهله سالما.

وبلوعة أشار ضياء إلى بطانية زرقاء قائلا: «هذا كل ما عدت به من بنغازي، ربنا يعوضنا خيرا».

على مقربة منه قال محمد علي (23 عاما)، كهربائي: «كل ما أريده من الدنيا هو أن أعود إلى أسرتي فقط، الحمد لله لقد نجونا من جهنم».