المدونات المصغرة تتحول إلى منابر للتحدث بحرية في الصين

تناقش الثورات الشعبية في الشرق الأوسط وإمكانية انتقالها إلى الداخل

إقبال من الشباب على زيارة المدونات المصغرة التي تعرف باسم «ويبو» بعد فرض حظر على موقعي «فيس بوك» و«يوتيوب» (واشنطن بوست)
TT

في دولة تخضع معظم وسائل الإعلام فيها لسيطرة الدولة، وحيث تخضع المعلومات والتداول الحر للآراء لرقابة شديدة، لجأ الصينيون إلى منبر جديد لتبادل الأخبار والآراء المحررة من القيود بشكل مفتوح عبر مدونات مصغرة تشبه موقع «تويتر».

ويبدو أن المدونات المصغرة - التي تعرف باسم «ويبو» تمثل خطوة تستبق إجراءات المراقبين الفعالين بشكل شهير في الصين، مع توافر العشرات من مواقع المدونات المصغرة التي يستخدمها أكثر من 120 مليون مستخدم ومليون مشاركة كل ساعة. وتخضع مواقع شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«يوتيوب» لحظر في الصين. كما يتم التعتيم على عمليات البث الحساسة على محطات هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومحطة «سي إن إن». وحتى الرسائل النصية التي تحتوي على كلمات مثل «الياسمين» و«الثورة» ترتد ويذكر أنها غير قابلة للتسليم.

لكن مستخدمي «ويبو» يشتركون بانتظام في مناقشات واقعية للجميع، تمس بعض المواضيع الشائكة أو الدقيقة من الناحية السياسية. وهناك تعليقات للمدونات المصغرة على الثورات الجارية حاليا في منطقة الشرق الأوسط، من بينها أسئلة عن إمكانية انتقال الثورة الشعبية إلى الصين. وهناك حديث عن الإصلاح السياسي، بما في ذلك مستخدمون ينشرون ويعيدون نشر ملاحظات رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، التي تدعو لمزيد من الانفتاح. كما يسمح بمناقشة وضعية إقليم التبت والدالاي لاما.

لكن المشاركات التي ترتبط بليو جياوبو، السجين المنشق والحاصل على جائزة نوبل للسلام أو حركة «فالون غونغ» الروحية المحظورة، قد تمسح أو يتم حظر إعادة نشرها. وقال هو يونغ، أستاذ الصحافة المساعد في جامعة بكين: «أصبح موقع (ويبو) الصالة الشعبية للناس لكي يناقشوا الشؤون العامة ويقوموا بصياغة آرائهم، وقد أصبح المكان الأكثر شهرة للحديث الحر في الصين». وأضاف يونغ: «في الدول الديمقراطية، يمتلك الناس قنوات متعددة للتعبير عن آرائهم مثل وسائل الإعلام والنظام القضائي والانتخابات العامة أو حتى عبر عملية الالتماس. لكن في الصين، بعد حظر كل قنوات التعبير الحر الأخرى، أصبحت وظيفة الرأي لموقع (ويبو) أكثر أهمية وشهرة».

ولا يكمن الأمر في أن السلطات اكتشفت فجأة تحملا جديدا لحرية الرأي. وينمو مجتمع استخدام موقع «ويبو» بشكل سريع جدا، وتخرج المشاركات التي تتكون من 140 حرفا بسرعة كبيرة جدا، وتعتبر التقنية جديدة جدا لدرجة أن الناس لم يتمكنوا من مواكبتها.

في الوقت نفسه، تحاول الحكومة الصينية أن تستبق هذا التوجه. وقد دشن الرؤساء المحليون للحزب الشيوعي ومسؤولو القسم الدعائي وأقسام الشرطة البلدية ورئيس الحزب الإقليمي في منطقة جيانجينغ مدونات مصغرة مؤخرا.

وقال تشين تونغ، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس التحرير لموقع «sina.com»، أكبر موقع إلكتروني للمعلومات في الصين، الذي يدير موقع «ويبو»، أكثر المواقع التي تستخدم على نطاق واسع في الصين، إنه أقنع 100 عضوا من أعضاء البرلمان الصيني بفتح حسابات مدونات مصغرة خلال اجتماعهم السنوي في بكين، الذي انعقد خلال شهر مارس (آذار) الحالي.

لكن عدد المسؤولين الحكوميين الذين يمتلكون حسابات «ويبو» يبقى منخفضا. ويعتبر المغنون والممثلون والرياضيون أكثر مستخدمي المدونات المصغرة شهرة؛ حيث يجتذبون ما يقرب من 10 ملايين متابع من الجماهير لكل فرد منهم.

ومع حظر موقع «تويتر» في الصين، ظهر الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي التي تقلد هذا الموقع. لكن المدونات المصغرة انفجرت هنا فقط في عام 2010، حسبما ذكر الخبراء.

كانت قوة المدونات المصغرة قد تم توضيحها بشكل مثير خلال الشهر الماضي بواسطة بينغ جاوفينغ، الذي تعرض ابنه، البالغ من العمر 3 سنوات، للاختطاف في شهر مارس (آذار) 2008 في مدينة شينزهين. وقضى بينغ (32 عاما) 3 سنوات في البحث عن الصبي، ونصحته قوات الشرطة بألا يمني نفسه بالعثور على الطفل المفقود. لكن بعدما نشر صديق صورة ابنه على موقع مدونة مصغرة، حصل بينغ على معلومة سرية يوم 1 فبراير (شباط) من إقليم جيانغسبو عن صبي موجود هناك يشبه ابنه. وبسرعة، عثر الأب عن ابنه الذي عاد إلى كنفه مرة أخرى.

في الوقت نفسه، تقريبا، بدأ عالم الاجتماع يو جيانرونغ مدونة مصغرة تدعى «التقاط صورة لإنقاذ الأطفال المتسولين». وطلب يو من أتباعه أن يصوروا المتسولين وأن ينشروا صورهم على الحساب. وبنهاية شهر فبراير، كانت حملته قد اجتذبت 240 ألف متابع.

وقد حلت قوات الشرطة بعض القضايا بمساعدة المدونات المصغرة، وعرض المواطنون أمثلة على الفساد الرسمي أو اللعب الرديء. وقد تم استخدام موقع «ويبو» لحشد الصينيين من أجل التبرع بالأموال للمحتاجين.

وقال جو جياوبينغ، رجل أعمال ومدون نشط لديه 1.5 مليون متابع: «في المجتمع المدني وفي المشاركة المجتمعية، يلعب موقع (ويبو) دورا لا يمكن أن تلعبه أي مؤسسة أخرى. ويمد موقع (ويبو) الناس بالقوة والسلطة».

كان رواد الإعلام المبتكرون في الصين مشغولين أيضا. ومع اقتراب يوم الحب، بدأ مدونون ملهمون بالحملة لإنقاذ المتسولين، في إنشاء موقع لمساعدة العزاب في العثور على شركاء لهم. وأطلقوا على هذا الموقع اسم: «التقاط صور لإنقاذ العزاب والعوانس».

لكن قوة «ويبو» في تشكيل الرأي العام وقدرته على التنظيم الاجتماعي قد جذبتا معظم الانتباه. وقال يونغ: «(ويبو) هو المكان الوحيد المتاح أمام الناس للتعبير عن أنفسهم، لكنه أيضا المكان الذي يمكن أن ينتظم الناس فيه معا». وقال جي غينغيون، أستاذ في جامعة جياوتونغ بمدينة شنغهاي الصينية، انتهى مؤخرا من كتابة تقرير عن المدونات المصغرة: إن موقع «ويبو» هو الخيار الأكثر شعبية للمعلومات الموثوقة، وإنه يتفوق على الصحف ومنتديات الإنترنت والمدونات. وقال جي: «(ويبو) يغير تركيبة الآراء العامة في الصين. وفي الماضي، كانت الأجندة العامة أو المواضيع الساخنة تقرر بواسطة النخبة والصحافيين. واهتم الجمهور بما كانوا يعتنون به. لكن الوضع يتغير الآن. وقد احتل موقع (ويبو) مكانة الموقع المسيطر في تشكيل الرأي العام».

* «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»