أوباما يعلن سياسة «تغيير النظام الليبي» بطرق سلمية

واشنطن تصعد من لهجتها ضد القذافي وسط جدل أميركي داخلي حول مستقبل العمليات العسكرية

ثائر ليبي ينظر إلى مكان تجمع زملائه الثوار بعد مواجهات بينهم وبين قوات القذافي في راس لانوف أمس (أ.ب)
TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما رسميا مساء أول من أمس سياسة تغيير النظام الليبي كهدف للولايات المتحدة، لكنه أكد أن القوة العسكرية لن تكون الآلية المتبعة لتحقيقه. وبعد 9 أيام من العمليات العسكرية الأميركية في ليبيا وقصف القدرات الجوية الليبية لفرض نظام عقوبات وعزلة ضد العقيد معمر القذافي بناء على قراري مجلس الأمن 1970 و1973، خاطب أوباما الشعب الأميركي حول الحرب في ليبيا. وصرح أوباما في خطابه أمام «الجامعة الوطنية للدفاع» بأنه «لا يوجد شك في أن ليبيا والعالم سيكونان أفضل بخروج القذافي من السلطة»، معلنا: «أنا، والكثير من قادة العالم، احتضنا هذا الهدف، وسأسعى بشكل فعال لتحقيقه من خلال طرق غير عسكرية». ولكنه أكد على أن «توسيع هدفنا العسكري ليضم تغيير النظام سيكون خطأ». ويتماشى هذا الموقف العلني مع موقف أوباما المعارض لحرب سلفه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على العراق عام 2003 بهدف إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين. وتحدث أوباما مباشرة عن العراق، قائلا: «لأتحدث مباشرة؛ لقد اتخذنا ذلك الطريق في العراق.. تغيير النظام استغرق 8 سنوات، الآلاف من الأرواح الأميركية والعراقية ونحو تريليون دولار، هذا أمر لا يمكننا تحمل تكلفة تكراره في ليبيا».

وقال أوباما في خطابه إن الاجتماع في لندن «يركز على طبيعة الجهود السياسية الضرورية للضغط على القذافي، بالإضافة إلى دعم الانتقال إلى مستقبل يستحقه الشعب الليبي». وأضاف أنه «بينما تركز مهمتنا العسكرية بشكل محدد على الحفاظ على الأرواح، نواصل السعي إلى هدف أوسع لليبيا لكي لا يملكها الدكتاتور ولكن تكون ملكا لشعبها».

وأوضح ناطق باسم البيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط» أن «النهاية التي نبحث عنها واضحة. جهدنا العسكري يركز على حماية الشعب الليبي، ولدينا الهدف الأوسع هو رحيل القذافي، الذي سنسعى لتحقيقه من خلال وسائل أخرى».

وتفيد مصادر أميركية رسمية بأن الوسائل الأخرى تشمل نقاطا عدة؛ منها التواصل مع المعارضة الليبية ومعرفة احتياجاتها، وتشجيع حلفاء لزيادة الضغوط على القذافي من جهة، ودعم جهود المعارضة من جهة أخرى.

وقال الناطق باسم البيت الأبيض: «لقد تدخلنا لوقف مجزرة، وسيواصل حلفاؤنا الجهود بدعمنا». وأوضح أن الوسائل الإضافية غير العسكرية تشمل «منع النظام من الحصول على الأسلحة، وقطع التمويل للنظام، ومساعدة المعارضة، والعمل مع دول أخرى لدعم طموحات الشعب الليبي». وأشار أوباما إلى 33 مليارا من الممتلكات الليبية التي قال إنها ستكون «متاحة لإعادة بناء ليبيا، ففي النهاية الأموال ليست ملكا للقذافي أو لنا، بل ملك الشعب الليبي، وسنضمن حصوله عليها». وهناك أصوات في الإدارة الأميركية تطالب ببحث تمويل المعارضة الليبية أو تزويدها بالأموال الضرورية.

وشدد أوباما على دور الشعب الليبي في تغيير النظام، قائلا: «الانتقال إلى حكومة شرعية تستجيب للشعب الليبي سيكون عملا صعبا». وأضاف: «بينما ستقوم الولايات المتحدة بدورها في المساعدة، فإن العمل سيكون للمجتمع الدولي، والأهم من ذلك، أنه عمل لليبيين أنفسهم».

وبالإضافة إلى الإعلان الرسمي عن سياسة دعم تغيير النظام الليبي، شكل خطاب أوباما نقطة مفصلية في توضيح استراتيجيته في السياسة الخارجية. ويعتبر خطاب أول من أمس فرصة إعلان لـ«عقيدة أوباما» في السياسة الخارجية وتنفيذا لها. وكان من اللافت أن اختار أوباما قاعدة «فورت ماكنير» لإلقاء خطابه حول ليبيا، وهو الموقع نفسه الذي اختاره بوش لإلقاء 5 خطب خلال رئاسته حملت أبرز سياسات بوش الخارجية وعلى رأسها الحرب في العراق. وقال أوباما في مستهل خطابه: «منذ عقود، الولايات المتحدة لعبت دورا فريدا كمرتكز للأمن العالمي ومدافع عن الحرية الإنسانية»، مضيفا: «مع معرفة مخاطر وتكلفة العمل العسكري، نتردد بشكل طبيعي في استخدام القوة لحل تحديات العالم الكثيرة، ولكن عندما تهدد مصالحنا وقيمنا، لدينا مسؤولية للعمل.. هذا ما حدث في ليبيا خلال الأسابيع الستة الماضية».

وأشار أوباما إلى التداعيات الأوسع في المنطقة، وقال إنه لو لم تتدخل القوات الدولية لمنع هجوم قوات القذافي على بنغازي، لحدثت مذبحة، و«لو انتظرنا يوما واحدا إضافيا، لكانت بنغازي عانت من مجزرة، التي كان من الممكن أن تتردد أصداؤها في المنطقة». وأضاف: «لكن رفضت أن أسمح بحدوث بذلك، لم يكن من مصلحتنا الوطنية أن نسمح بذلك».

وحرص أوباما على الإعلان عن «تحقيق الأهداف التي تتماشى مع التعهد الذي اتخذته أمام الشعب الأميركي في بداية العمليات العسكرية؛ قلت إن الدور الأميركي سيكون محدودا ولن نرسل قوات برية إلى ليبيا، وإننا سنركز قدراتنا الفريدة في بداية العملية، وإننا سننقل المسؤولية إلى حلفائنا وشركائنا، ونحقق هذا التعهد». وأشاد أوباما بنقل مسؤولية العمليات العسكرية إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، مضيفا: «الولايات المتحدة قامت بما قلنا سنقوم به». وتابع في الوقت نفسه أن «عملنا لم يكتمل بعد» مؤكدا مواصلة «دعم الشعب الليبي».

وقبل ساعات من إلقاء خطابه، اتصل أوباما بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لتنسيق الموقف الأميركي والأوروبي قبل اجتماع لندن أمس. وأوضح البيت الأبيض أن النقاش بين القادة ركز على ليبيا، وشمل مناقشة الأوضاع في مصر. وأضاف بيان البيت الأبيض أن القادة اتفقوا على ضرورة «خروج القذافي من السلطة».

إلا أن هناك نقاشا أميركيا داخليا حول ضرورة تنسيق أوباما مع الكونغرس الأميركي، وحصوله على موافقته. ويطالب الجمهوريون بمحاسبة أوباما لعدم حصوله على تفويض رسمي من الكونغرس قبل إطلاق الحملة العسكرية. إلا أن أوباما قال: «تشاورت مع قيادة الحزبين في الكونغرس» قبل اتخاذ القرار. وأقر أوباما بأن «هناك بعض الأميركيين لديهم تساؤلات حول جهودنا في ليبيا»، مضيفا أن الولايات المتحدة لديها القدرة على وقف قوات القذافي وحصلت على تحالف واسع للمساعدة في ذلك وبناء على مناشدة الشعب الليبي.

وفي الوقت نفسه، قال أوباما إن هناك «مصلحة أميركية استراتيجية» في منع القذافي من قتل معارضيه، منها حماية «النبض الديمقراطي حول المنطقة»، وإثبات إمكانية تطبيق قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأنهما «ليست فقط كلمات فارغة». وأكد أن «عدم العمل في ليبيا كان سيحمل ثمنا أكبر».

إلا أن رئيس مجلس النواب الأميركي جون بينر، وهو الجمهوري الأرفع في الكونغرس الأميركي، انتقد خطاب أوباما، وقال الناطق باسم بينر إن أوباما «لم يقدم للشعب الأميركي تفسيرا واضحا». إلا أن السناتور الجمهوري جون ماكين أشاد بالخطاب، قائلا: «أرحب بالدفاع القوي للرئيس عن العمل العسكري في ليبيا.. أقدر توضيحه لأهمية قرار التدخل وصوابه».