وزير المواصلات السابق لـ«الشرق الأوسط»: أنفقنا نحو 12 مليار ريال سنويا لإنشاء 1500 كيلومتر من الطرق خلال عام واحد

رفض الحديث عن تجربته في رئاسة الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة

د. ناصر السلوم وزير المواصلات السعودي السابق
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» الدكتور ناصر السلوم وزير المواصلات السعودي السابق عن بلوغ الميزانية التي أنفقتها وزارته في ذلك الوقت لتنفيذ مشاريع النقل نحو 12 مليار سنويا، وذلك مقابل إنشاء ما يقارب 1500 كيلومتر من الطرق في العام الواحد، لافتا إلى أن الدولة كانت وما زالت حتى الآن تبذل الشيء الكثير في ما يتعلق باعتماد ميزانيات مشاريع النقل والمواصلات.

وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»: «تمكنت وزارة المواصلات خلال حقبتي الوزارية من إنشاء ما يزيد على 100 ألف كيلومتر من مشاريع النقل، بما فيها الطرق الترابية، خصوصا أنه كانت هناك شبكات مختلفة من الطرق تتضمن السريعة والمزدوجة والمفردة والترابية والمثبتة، إلى جانب الرئيسية ووصلات الطرق المستخدمة لربط القرى بعضها ببعض».

وأشار إلى دخول منظومة القطارات إلى السعودية منذ توليه منصب وزير، وذلك بعد أن قام بعرض مشروع السكك الحديدية المسمى «الخط البري» والمتضمن ربط الشرق بالغرب وربطهما بالشمال، مبينا أن الوزارة في عهده أعدت لذلك المشروع الدراسات الأولية التي عرضت على مجلس الشورى والجهات المعنية الأخرى، غير أنه لم يتم البدء في تنفيذه إلا بعد أن ترك الوزارة.

وأكد على عدم وجود نقل بالشكل الذي يجب أن يكون في السعودية، وذلك في ظل توفر التجهيزات الأساسية التي ينقصها كيفية استخدامها وتنظيم الحركة عليها سواء كان النقل بريا أو بحريا أو جويا، مشددا على ضرورة تنظيمه وفق ما يحتاجه هذا القطاع. وأرجع أسباب تأخر تنفيذ مشاريع النقل إلى احتمالية وجود «فساد» يندرج تحت إطار الأسباب الخارجة عن إرادة «المقاول»، التي عادة ما تكون من طرف آخر، غير أنه استدرك بالقول: «من الضروري أن نحسن الظن، ولكن في الوقت نفسه ربما يكون هناك فساد، كوني سمعت بعدة مشاريع معتمدة وصرفت ميزانياتها فعلا إلا أنها لم تنفذ إطلاقا».

ورفض الدكتور ناصر السلّوم التحدث عن تجربته في رئاسة الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلا أنه اكتفى بالقول: «وجدت أنه من الأفضل خروجي منها، ولا أرغب في التحدث حول هذا الموضوع، ولكن كل ما في الأمر أن الجهات المعنية رأت أفضلية فصلها إلى هيئتين وتركيز كل منهما في المنطقة المحددة لها».

وفي ما يلي نص الحوار:

* بداية، كيف تقيمون وضع المواصلات في السعودية؟

- في الحقيقة، لا يوجد لدينا نقل في السعودية بالشكل الذي يجب أن يكون، خصوصا أنه إذا كنا نريد نقلا متكاملا، فإنه لا بد من وجود التجهيزات الأساسية من طرق وسكك حديد ومطارات وموانئ. وبالنسبة لتلك التجهيزات، فإن الدولة لم تقصر في إيجادها، حيث إن الموانئ بالمملكة على مستوى عال حتى وإن كان بها نقص، إلى جانب المطارات الجيدة التي مع الوقت باتت تحتاج إلى تطوير، وكذلك الطرق التي غطت أنحاء السعودية كافة، إلا أنه لا يوجد أي عمل يتم القيام به عند حد معين فقط؛ إذ إنه لا بد من الاستمرارية في ظل وجود حياة مستمرة.

ومن الضروري أيضا معرفة أن توفير كل شيء مع التخطيط له لسنوات طويلة يسبب هدرا في المبالغ، الأمر الذي يجعلنا نركز على أهمية الترشيد في بناء التجهيزات الأساسية لقطاع المواصلات والنقل بالمملكة.

وبشكل عام، يمكننا القول إن التجهيزات الأساسية لدينا مقبولة، إلا أنه ينقصها كيفية استخدامها وتنظيم الحركة عليها، سواء كان النقل بريا أو بحريا أو جويا، بحيث يتم تنظيمه وفق ما يحتاجه قطاع النقل بالشكل الذي يعود فعلا على الدولة بما نتمنى، لا سيما أننا نطمح لأن تكون السعودية من أفضل البلدان بين العالم.

وعلى سبيل المثال، فإن النقل الجماعي بين مدن السعودية حتى الآن لا يغطي كل ما يجب تغطيته، إضافة إلى الطيران في ظل عدم وجود رحلات متكررة بشكل يخدم السكان، حيث إنه في بعض المدن يكون عدد الرحلات منها وإليها بسيط جدا، إلا أنه من المفترض إيجاد أعداد أكبر لتوليد حركة أكثر، وذلك لأنه كلما وجدت تلك الحركة السهلة، فإن ذلك من شأنه أن يساعد بشكل كبير في تنمية المناطق.

ولا يخفى على الجميع أيضا أنه عند السفر بالطائرات لا بد من إدخال الواسطات للحصول على حجوزات في ظل صعوبتها، إلا أنه لو كانت الأمور ميسرة، فإنه يمكن للحركة أن تكون سهلة. كما ينبغي أن نعي أن النقل داخل المدن يجب أن لا يقتصر على الوسيلة فقط، وقد حاولنا منذ السابق توفير الوسائل بشكل مناسب، لا سيما أنها تحتاج إلى محطات ومواقف، والتي لم تتوفر، وإذا تم توفيرها بالفعل، فإن النقل لدينا سيكون ممتازا بين مدنها وبينها وبين دول العالم أيضا.

ومما لا شك فيه أن هناك دولا بدأت تسبق السعودية في قطاع المواصلات والنقل، التي من بينها دول الخليج الأخرى، بينما في ما يتعلق بالمملكة، فإننا ما زلنا بحاجة إلى أمور أخرى كالإدارة والخطط، وما زلنا متأخرين قليلا، مما يحتم علينا المضي بخطوات سريعا، خاصة أن كل شيء متوفر لدينا ما عدا التركيز على التنظيم والتنسيق.

* بدأت منظومة النقل في السعودية بالتغير في ظل دخول منظومة جديدة كالقطارات، كيف ترون ذلك؟ وما مدى تحمل البنية التحتية لمثل تلك المنظومات الجديدة؟

- بالنسبة للبنية التحتية للطرق والمطارات والموانئ، فإن وضعها يعد جيدا، أما في ما يتعلق بالسكك الحديد، فبلا شك تحتاج إلى بناء الخطوط، حيث إنه لا يوجد لدينا سكة حديد سوى تلك التي تربط بين الرياض وبعض مدن المنطقة الشرقية، إلا أن المخطط موجود الآن، الذي يتمثل في ربط الشرق بالغرب وربطهما بالشمال بالشكل الذي يعود على الدولة بالنفع، خصوصا أن خط الشمال يخدم مناطق التعدين، والحركة الدولية إلى أوروبا أيضا، وبالتالي فإنه سيصبح بإمكان الراكب القدوم من هناك إلى السعودية ومن ثم إلى دول الخليج، إضافة إلى أن ربط الشرق بالغرب بين الدمام وجدة يعد خطا دوليا يعبر البحر الأحمر ويتصل بأفريقيا، كما يعبر الخليج العربي ليصل إلى شرق آسيا.

كل ذلك يعود بالنفع، كونه يجعل من جدة ميناء رئيسيا للمنطقة بأكملها، خصوصا أن ميناء جدة الإسلامي يتميز بموقع جيد، ومن الممكن رفع طاقته بشكل أكبر عن طريق توفر السكك الحديدية.

* هل كانت من ضمن مخططاتكم سابقا إدخال منظومة القطارات إلى السعودية؟

- منذ أن كنت وزيرا قمت بعرض مشروع السكك الحديدية المسمى «الخط البري» والمتضمن ربط الشرق بالغرب وربطهما بالشمال، وقد أعددت له آنذاك الدراسات الأولية التي عرضت على مجلس الشورى والجهات المعنية الأخرى، غير أنه لم يبدأ تنفيذه إلا بعد أن تركت الوزارة.

* هذا يعني أنه يمكننا القول إنكم أول من زرع نواة إدخال منظومة القطارات في السعودية، ليتم استكمالها بعد أن تركتم الوزارة؟

- نعم، ولله الحمد، وذلك لأن البحث الأولي لمشروع السكك الحديدية كان موجودا منذ أن تم تعييني وزيرا للمواصلات.

* برأيكم، ما أبرز مشاريع المواصلات والنقل التي تمت خلال حقبتكم الوزارية؟

- من أبرز تلك المشاريع وأهمها ما يتعلق بالطرق، فقد حاولنا كثيرا أن نربط مناطق السعودية المختلفة بطرق سريعة تسهل الحركة، التي تتضمن الطرق المزدوجة والسريعة بحيث تسهل الحركة بين المناطق المختلفة، إضافة إلى استغلال المناطق الموجودة بين تلك المناطق والمساعدة في تطوير الزراعة والصناعة وغيرها، إلى جانب استكمال الطرق الموجودة مسبقا.

وقد كان التركيز أساسا منذ عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - على إنشاء شبكات الطرق، حيث إن ما تم خلال تلك الفترة كان بتوجيهات منه رحمه الله، خصوصا أنه كان بمثابة المحرك والدافع لبناء تلك الشبكات بشكل كبير جدا.

فالتركيز خلال وزارتي كان ينصب على استكمال شبكة الطرق وإيجاد السريعة منها والبدء في تنظيم عمليات النقل بالتنسيق مع الجهات المختلفة، وذلك من أجل أن يكون لدينا نقل جيد، عن طريق استخدام وسائل أخرى لم تشهدها السعودية، وقد حان الوقت الآن لاستخدامها، التي منها على سبيل المثال خط السكك الحديدية.

* وما المعوقات التي واجهتكم خلال تنفيذ تلك المشاريع؟

- الكل يعلم بأن المملكة العربية السعودية تعد قارة وليست مجرد دولة، حيث تبلغ مساحتها ما يقارب 2.25 مليون كيلومتر مربع، تتخللها جبال لا يمكن لأحد تصور وجودها، حيث تصل ارتفاعاتها إلى 3 آلاف متر، إلى جانب وجود بحور من الكثبان الرملية، إضافة إلى توزيع السكان الموجودين في كل مكان؛ إذا إن هناك قرى واقعة إما في قمم الجبال أو أسفلها.

وعلى سبيل المثال، هناك قرى موجودة في منطقة السراة بأعلى جبال السروات، بينما توجد قرى أخرى في سهول تهامة، حيث يتراوح الفرق بين تلك الموجودة في الأعلى وغيرها في الأسفل بين 500 و1000 متر، وهو ما يشكل عائقا أمام ربطها بشبكة طرق.

ولكن عن طريق الثبات والنية الصادقة من قبل القيادة في ضرورة أن تربط تلك المناطق بعضها ببعض، قمنا بذلك؛ الأمر الذي أدى أيضا إلى انتشار التعليم بها وتطور الزراعة والصناعة وتسهيل الحركة والترابط والتواصل بينها، وخير دليل على ذلك، أننا منذ سنوات سابقة كنا نسمع عن مناطق في جنوب أو شمال السعودية ولم نكن نعرف شيئا عن جغرافيتها، غير أنه الآن أصبح الانتقال بينها سهلا.

* كم يبلغ إجمالي عدد مشاريع النقل والمواصلات على مدار حقبتكم الوزارية؟

- عادة ما تقاس مشاريع الطرق في وزارة النقل والمواصلات بالكيلومترات، وقد قمنا بإنشاء مشاريع تزيد على 100 ألف كيلومتر بما فيها الطرق الترابية، حيث كانت هناك شبكات مختلفة من الطرق تتضمن السريعة والمزدوجة والمفردة والترابية والمثبتة، إلى جانب الرئيسية ووصلات الطرق المستخدمة لربط القرى بعضها ببعض.

* وما إجمالي الميزانية التي أنفقتها وزارة المواصلات خلال توليكم منصب وزيرها؟

- الدولة كانت ولا تزال تبذل الشيء الكثير من الاعتمادات المالية لمشاريع النقل والمواصلات، وعلى سبيل المثال، أثناء الطفرة الأولى التي مرت بها السعودية، كنا ننفق نحو 12 مليار ريال سنويا، مقابل تنفيذنا نحو 1500 كيلومتر من الطرق في السنة، وقد تمكنا من القفز بشكل سريع في البناء، لا سيما أن القيادة كانت تركز كثيرا على مثل هذه المشاريع.

* هل هناك مشاريع بدأتم بها أثناء توليكم منصب وزير المواصلات ولم تستكملوها؟

- من أهم تلك المشاريع السكة الحديدية، حيث كنت أتمنى أن أكون موجودا في الوزارة كي أستكملها، غير أن الشخص لا يستمر على حاله، وتلك هي طبيعة الحياة.

* في رأيكم، ما أبرز المشكلات التي تواجه المقاولين القائمين على مشاريع قطاع النقل في السعودية؟

- يعتبر المقاول والمصمم والإداري جميعهم مجموعة واحدة ومسؤولين عن العمل نفسه، ونحن أسسنا في الوزارة آنذاك لنكون أسرة واحدة متكاتفة فيما بينها.

ومما لا شك فيه أن المقاول عليه عبء كبير، كونه يحتاج إلى جهاز ومعدات ومواد كثيرة، غير أن تلك المواد عادة ما تتأثر بتقلب السوق، إضافة إلى عدم توفر العمالة المدربة، وكنا نحاول وما زالت الدولة أيضا تحاول تسهيل العمل مع المقاولين ليتمكنوا من التغلب على هذه الإشكاليات.

نحن لا ننكر وجود خبرات في زمننا الحالي، ولكنها ليست موجودة بالشكل الذي يجب أن يكون، خصوصا أن الكثير من المقاولين لا يستمرون في أعمالهم، إلا أن العجلة مستمرة، ومثلما أن هناك مؤسسات لا تتمتع بصفة الدوام في العمل، فإن في المقابل ثمة أناسا معروفين وموجودين ويعملون في مجال مشاريع النقل والمواصلات.

* وكيف يمكن معالجة تلك الإشكاليات التي تواجه المقاولين؟

- لا يمكن معالجتها إلا عن طريق الإدراك والوعي، حيث إنه من الضروري على المقاول أن يفكر، وفي المقابل لا بد على المسؤولين أن يساعدوه في اكتشاف مشكلاته والمساهمة في حلها.

* من أبرز الإشكاليات التي يعاني منها قطاع النقل هي قضايا تأخر صرف التعويضات لأصحاب الأراضي المملوكة بصكوك، الذين تمر بأراضيهم بعض الطرق، ترى ما أسباب التأخر في صرف تعويضاتهم؟

- من حسن الحظ أن معظم الطرق تمر في مناطق تعتبر ملكا عاما للدولة، إلا أن هناك بعض المناطق المعمورة داخل المدن أو حولها قد تحوي إشكاليات متعلقة بمرور الطرق بأراض مملوكة للغير، وهي ما تستدعي فعلا صرف تعويضات لأصحاب تلك الأراضي.

ومن المؤكد أن الدولة حريصة كل الحرص على توفير اعتمادات دراسات المشاريع وتصميماتها وتنفيذها، إلى جانب الاستملاك أيضا، غير أن التأخير في صرف التعويضات عائد لعدة أسباب؛ إما لعدم توفر الاعتمادات، أو عدم استكمال وثائق الملكية؛ إذ يجب التحقق من ذلك، وهو ما يستغرق وقتا، إلا أنه في مجمل الأحوال يتم صرف التعويضات.

وفي وقت من الأوقات، اعتمد الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، المليارات من الريالات لصرف تعويضات أصحاب الأراضي الذين تأخر صرف تعويضاتهم، وكان هناك تأكيد على ضرورة أن لا ينفذ أي مشروع في النقل إلا إذا كانت هناك اعتمادات كافية له.

* يرى الكثيرون أن مدينة جدة تعاني من سوء تخطيط في ما يتعلق بشوارعها، إلى جانب خضوعها لوجهة نظر أمينها وثقافته في تخطيطها، حيث لوحظ في إحدى الفترات الزمنية وجود الميادين، غير أنه الآن تم البدء في إزالتها، ما رأيكم بذلك؟

- من وجهة نظري الشخصية، لا أرى أن جدة تعاني من سوء تخطيط، خصوصا أنه مخطط لها من الأساس، حيث إن مساراتها وشوارعها معروفة منذ السابق، والمتمثلة في الطرق الطولية من شمالها إلى جنوبها والعرضية من شرقها إلى غربها، بينما تحل تقاطعات تلك الشوارع بالميادين أو الجسور أو الأنفاق.

ومنذ عهد الدكتور محمد سعيد فارسي أحد أمناء جدة قمنا بتنفيذ أكثر من 6 تقاطعات، كان يعتبرها الأهالي آنذاك بمثابة هدر في الأموال بوصفها كانت في أماكن غير مأهولة بالسكان، غير أن تخطيطنا كان بعيد المدى، خاصة أننا أوجدنا المخططات كافة للشوارع الرئيسية الموجودة حاليا منذ السابق، إلا أن الأمر الذي أثر على حركة النقل هو عدم استكمال المشاريع التي تعالج فعليا مناطق التقاطعات المختلفة، إلى جانب توسعة الشوارع وتحسينها.

* وما أسباب عدم استكمال هذه المشاريع؟

- الاعتمادات المالية، إضافة إلى أن مدينة جدة شهدت توسعا كبيرا بشكل سريع.

* وكيف ترون التوجه الأخير الذي تشهده جدة والمتعلق بإزالة الميادين واستبدالها الكباري بها؟ وما تأثيرها على حركة النقل؟

- هذا التوجه موجود وملحوظ منذ زمن بعيد، إلا أنه حاليا نشط بشكل أكبر نتيجة توفير الاعتمادات المالية، غير أنه إجمالا ومنذ أيام الدكتور محمد سعيد فارسي عملنا على تخطيط ما يزيد على 20 تقاطعا كان من المفترض العمل عليها آنذاك.

ولكن ينبغي أن نذكر بأن وزارة المواصلات ليس من مسؤولياتها القيام بتخطيط المدن، إلا أنها كانت تساعد وساعدت فعلا في تخطيط المدن الرئيسية والمشاريع الأساسية كافة بها، التي نفذت من قبل وزارة المواصلات.

* هناك اختلافات كبيرة في تخطيط المدن بالسعودية، ما أسباب تلك الاختلافات، وهل لها تأثير على تنفيذ مشاريع النقل في كل مدينة منها؟

- إن هذا الاختلاف لا بد منه؛ فالمدن الساحلية عادة ما يكون تطورها حول منطقة البحر، وإذا اجتمع بها وجود الجبال مع البحر مثل مدينة جدة، فإن تطورها يكون في المناطق الموجودة أيضا ناحية الجبال، ولكن هذه المناطق لم تعمر كثيرا في جدة، مما يجعل تخطيط المدينة بالكامل يأخذ الشكل المستطيل.

أما في ما يتعلق بالرياض بوصفها منطقة مفتوحة، فإنه من الممكن أن يكون تخطيطها مربعا، بينما تأخذ مكة المكرمة شكل الدوائر، لا سيما أن تطورها يبدأ بالمنطقة المحيطة بالحرم المكي وتتوسع بعد ذلك بشكل دائري.

وعموما، فإنه في تخطيط أي مدينة لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار الحركة الداخلية لها، فضلا عن الحركة الداخلة إليها والخارجة منها، إضافة إلى الطبيعة الديموغرافية للمدينة التي تجعلنا نختار النظام الأفضل لها.

* أيهما أكثر صعوبة في تنفيذ مشاريع النقل؛ المدن الساحلية أم الصحراوية؟ وما الأسباب؟

- الصعوبة في تنفيذ المشاريع لا تنبع من طبيعة المدينة، وإنما عادة ما تكون ناتجة عن الحركة الكبيرة في المدن المكتظة بالسكان، مما يصعب اختراقها في ظل وجود عوائق كثيرة من بينها شبكات المياه والصرف الصحي والهواتف والكهرباء، الأمر الذي يحتم ضرورة معالجة هذه الأمور بشكل سريع أيضا.

* تعمل الجهات المعنية حاليا على جملة من مشاريع البنية التحتية في مدينة جدة، التي من ضمنها مشروع النقل الشامل، ما مدى تأثير تلك المشاريع على حركة المواصلات والنقل؟

- ما يميز تلك المشاريع أنها تندرج تحت اسم النقل الشامل، الذي يحتاج إلى تجهيزات أساسية ووسائل مختلفة، إذا تم توفيرها حتما سيتحقق النقل بنظرة شمولية عامة تغطي جوانب قطاع النقل والمواصلات كافة.

و ما تم الإعلان عنه من المشاريع تتعلق بالتخطيط وإيجاد طرق أخرى وتوسعة الطرق الموجودة والكباري والجسور وغيرها، كل ذلك من شأنه أن يؤثر إيجابا على حركة النقل والمواصلات، ولكن لا بد من وجود النظرة المشتركة بالشكل الذي يعود فعلا بالنفع على المنطقة، إضافة إلى الاهتمام بالحركة الداخلية والحركتين الداخلة والخارجة من وإلى المدينة، شريطة أن لا يصاحب ذلك إحداث فوضى في الحركة بشكل عام.

* تشهد معظم مشاريع النقل تأخرا في تنفيذها عن المدة المفترض أن يتم تسليمها فيها، في رأيكم ما الأسباب وراء ذلك التأخير؟

- هناك العديد من الأسباب وراء تأخر تنفيذ المشاريع، التي إما أن تكون خارجة عن الإرادة أو تنبع من الجهة المسؤولة عن تنفيذها والمكلفة بها، فلو أخذنا المقاول على سبيل المثال، نلاحظ أن تأخره في إنهاء المشروع قد يكون خارجا عن إرادته أو ناتجا عن تقاعسه. وتقاعس المقاول قد ينجم عن الإدارة السيئة أو عدم وجود أدوات كافية، أو حتى الافتقار إلى الجهاز الكفء، وهو ما يؤدي إلى أن يكون الاستعداد لتنفيذ المشروع ليس كما يجب، في حين تتضمن أيضا الأسباب الخارجة عن الإرادة اكتشاف عوائق بعد ترسية المشروع إما في طبيعة المكان أو في الجهات التي كلفته بالعمل من حيث عدم تكامل تصميمات المشاريع أو احتوائها على بعض الأخطاء، وهو ما يكون خارجا عن إرادة المقاول.

* وهل من الممكن أن يكون هناك نوع من الفساد وراء تأخر المشاريع؟

- هذا هو المقصود بالأسباب الخارجة عن الإرادة، الذي يعني أنه من طرف آخر، إلا أنه من الضروري أن نحسن الظن، ولكن في الوقت نفسه، من الممكن أن يكون هناك فساد فعلا، خصوصا أنني قد سمعت عن عدة مشاريع معتمدة وصرفت ميزانياتها، إلا أنها لم تنفذ إطلاقا. ولكنني أعود وأؤكد: ينبغي افتراض حسن النية والتأكد في الوقت نفسه مما يحدث لمعرفة الأسباب الحقيقية خلف تأخر تنفيذ المشاريع.

* وماذا عن زيادة الكثافة السكانية في السعودية؟

- قد لا تعيق تنفيذ المشاريع، شريطة أن تكون هناك دراسات لمعدلات الزيادة السكانية يتم على أساسها تخطيط المشاريع ووضع تصور مستقبلي يعتمد على مسببات زيادة أعداد السكان واحتياجاتهم أيضا، حيث إنه لا بد أن آخذ في عين الاعتبار أثناء التخطيط توفير خدمات كاملة تغطي جميع الأمور المتعلقة بحاجات السكان، مما يساهم في عدم إحداث أي إشكاليات.

* ولكن هناك من يقول بأننا نفتقر إلى الدراسات الدقيقة في السعودية؟

- إذا أغلق المسؤول عينيه، فإنه حتما لن يكون لدينا أي دراسات أو تخطيط من الأصل، غير أن هناك جهات أخرى مسؤوليتها هذه الدراسات، وإذا ما تمت، فإن العمل سيكون كما يجب دون أي مشكلات، إضافة إلى ضرورة شعور المسؤولين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم كونها أمانة، إلى جانب أهمية أن يكونوا على قدر الثقة الممنوحة لهم.

* أكد الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة أثناء منتدى جدة الاقتصادي في دورته الحادية عشرة على ضرورة أن تكون استراتيجية منطقة مكة المكرمة متوازية ومتوازنة، بمعنى أن لا تختلف المحافظات عن المدن الرئيسية كثيرا، كيف يمكن تنفيذ تلك الاستراتيجية في مشاريع المواصلات والنقل؟

- عادة لا تختلف المدينة الرئيسية عن القرية سوى في كون المدينة أكثر سكانا ومتطلبات من القرية، وهو ما ينبغي التركيز عليه كي لا نقع في إشكاليات هدر المبالغ. وإنما في ما يتعلق بتنفيذ مشاريع النقل، فلا يوجد فرق شريطة إعطاء كل شيء حقه، كما يجب أن يتم التفكير وتحديد الهدف بشكل واضح ومرتب قبل البدء في الدراسات التخطيطية التطويرية، وذلك بهدف معالجة الأوضاع بشكل سليم.

* لنتحدث قليلا عن وضع المرأة في السعودية من حيث تنقلها، حيث لا يوجد أمامها بديلا عن سيارات الأجرة فقط كونها لا تستطيع استخدام وسائل النقل الأخرى من حافلات وغيرها، ما الحلول المقترحة باعتبار أن قيادتها السيارة أمرا تحدده جهات أخرى؟

- الشركة السعودية للنقل الجماعي منذ تأسيسها أخذت في الاعتبار توفير أماكن خاصة للمرأة في وسائل النقل الجماعي، غير أنه لم يكن هناك إقبال على استخدامها من قبل النساء، إضافة إلى أن النقل الجماعي برمته داخل المدن لم يكن مخدوما بالشكل المطلوب، وهو ما تسبب للشركة في خسائر كبيرة، مما جعلها تبتعد عن التركيز على ذلك الجانب أساسا.

ومنذ قديم الزمان حقق «خط البلدة» شهرة واسعة داخل المدن، الذي كان يقف في أماكن معينة ليستفيد منه الكل، إلا أنه تولدت حركة مرورية كبيرة في المدن، إلى جانب كثرة الشوارع والطرق، مما أدى إلى عدم التركيز عليه.

أما المرأة، فهي فعلا تعاني كثيرا من ناحية المواصلات، حيث إنه لا خيار أمامها سوى سيارات الأجرة التي تعد مكلفة، الأمر الذي يحتم ضرورة وجود وسائل نقل عامة تخدمها.

وإشكالية النقل العام داخل المدن كانت تشكل هاجسا كبيرا للأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، رحمه الله، أمير منطقة مكة المكرمة السابق، وقد ساهمنا آنذاك في التخطيط والعمل، غير أننا وجدنا عوائق كثيرة تعيق إيجاد خطوط خاصة لوسائل النقل العام.

ومن هنا، تتجلى لنا أهمية الأخذ بعين الاعتبار النقل العام عند تخطيط شبكة الشوارع؛ إذ لا بد أن تحوي مواقف خاصة لوسائل النقل العام، خصوصا أننا نرى الآن عمل كل من سيارات الأجرة وحافلات «خط البلدة» الذي يغلب عليه طابع العشوائية كونها تقف في أي مكان دون تنظيم.

فلا بد من النظر إلى المرأة في هذا الجانب، إضافة إلى كبار السن الذين لا يستطيعون قيادة السيارات، إضافة إلى وجود فئة في المجتمع ليس بمقدورها أن توفر لها وسيلة نقل خاصة، لذلك يجب على الجهات المعنية التركيز على قضية النقل العام داخل المدن باعتبارها إحدى مظاهر التطور الحضاري الكبير على مستوى دول العالم.

* من المعروف أن معظم مناطق السعودية يغلب عليها البيئة الصحراوية، وهو ما يدفع بالعديد إلى المطالبة بالاهتمام بالنواحي الجمالية للطرق السريعة، كيف ترون ذلك؟

- إن الاهتمام بذلك الجانب مهم جدا، فالله جميل يحب الجمال، وكلما كان هناك شيء يريح العين، فإن ذلك سينعكس إيجابا على الفرد، حيث إنه حينما يقود سيارته في طرق صحراوية سيرى المنظر نفسه من بداية الطريق وحتى نهايته، مما يؤدي إلى الملل أو حتى النعاس ومن ثم احتمالية حدوث حوادث مرورية.

ولكن من المفترض أن يكون هناك تغيير حتى لو بوضع إشارات مرورية أو مسار الطريق، بحيث لا يكون مستقيما ليشهد بعض التعرجات من منطلق التغيير أيضا، وعلى الرغم من أن الناحية الجمالية المتعلقة بالأشجار وغيرها مهمة جدا، فإن هناك بعض المناطق الصحراوية تكون الزراعة فيها مستحيلة.

ومنذ أن كنت وزيرا للمواصلات، حاولنا أن نطبق ذلك في الطرق الرئيسية بمناطق النفود، وذلك من خلال زراعة الأشجار التي تنبت في الصحراء، فضلا عن إنشاء جسور بشكل مقبول داخل المدن والاهتمام بأعمدتها والنواحي الجمالية في الخرسانة نفسها.

بالنسبة للمدن التي يمكن لعمليات الري أن تتم فيها، فإننا عمدنا إلى زراعتها، التي من ضمنها الطريق الدائري في الرياض، إلى جانب المدينة المنورة وجدة أيضا، وذلك يتم في حال استطعنا توفير الري لتلك الطرق.

* وهل واجهتكم إشكاليات حيال محاولتكم تطبيق نهج الاهتمام بالنواحي الجمالية في مشاريع الطرق آنذاك؟

- نعم واجهنا عدد من الإشكاليات، خصوصا أن بعض المناطق صحراوية خالية من المياه، مما يجعلنا نضطر إلى حفر آبار وغيرها لريها، غير أننا استخدمنا أسلوب التشجير بطرق مناطق صحراء النفود لمنع تطاير الكثبان الرملية على الطريق.

* من التوجهات التي شهدتها حقبتكم الوزارية، خصخصة الطرق السريعة وتولي القطاع الخاص إدارتها، ما الهدف الذي كنتم تسعون إليه من خلال ذلك التوجه؟

- في البداية، لم يتم تطبيق هذا التوجه ما عدا في جسر البحرين، وكنت أدعو لذلك في الطرق السريعة، وذلك لكي يقدر الناس تلك الطرق، إلى جانب رغبتنا في تقديم خدمات أفضل وأشمل.

وهذه الرسوم موجودة في أنحاء العالم كافة بما يسمى «الطرق الضرائبية»، التي تستخدم كوسيلة للتمويل أيضا، إلا أنه لم يطبق، ولكنه لا يعاني من أي إشكاليات، خصوصا أنه يتمثل في تولي الشركات الخاصة الطرق وإدارتها من حيث توفير كل ما يلزم بها من استراحات وحتى المراقبة المرورية على أن تبقى تلك الطرق تحت الرعاية المستمرة بشكل دائم، فضلا عن توفير تكاليفه كافة من هذه الرسوم، وهو مبدأ مقبول عالميا، ولكنه لم ينفذ لدينا.

* ولماذا لم يتم تنفيذه.. هل وجدتم معارضة من قبل الجهات العليا؟

- لا إطلاقا، ولكن أحد شروط تطبيقه هو توفير البديل، وليست لكل الطرق السريعة لدينا بدائل، ونحن كنا حريصين على تطبيق هذا التوجه على الطرق السريعة التي يوجد لها بدائل.

* حاليا، تخضع الطرق السريعة كافة وغيرها إلى المراقبة المرورية بواسطة نظام «ساهر»، هل ترون أن ذلك النظام استطاع تحقيق الانسيابية في حركة السير؟

- نظام ساهر يعد مجرد مراقبة بشكل أكثر جودة، والمجتمع يحتاج إلى تلك المراقبة سواء بالنظام الموجود حاليا أو أي نظام آخر، بحيث يأخذ المخالف جزاءه، حيث إنه من غير الممكن أن يتم ترك الأمور بشكل سائب.

ويعتبر «ساهر» نظاما رقابيا جيدا، خصوصا أن الناس أصبحوا أكثر حرصا، إلا أن ما نحتاجه هو التثقيف الذي ينبغي أن يكون حتى للأطفال منذ صغرهم في المدارس لتعليمهم آداب القيادة والبعد عن الأنانية في التفكير ومراعاة الآخرين باعتبار أن الطريق للجميع.

* بالحديث عن وزارة النقل حاليا، في رأيكم ما المعوقات التي ما زالت تعوق عملها حتى الآن؟

- هذا السؤال ينبغي أن يجب عنه الوزير الحالي، لأني أصبحت بعيدا عن الوزارة وليس من اختصاصي الدخول في مهامها، ولكن في اعتقادي أن العوائق من الطبيعي وجودها؛ ومن ضمنها ما يعوق تنفيذ المشاريع من خطوط خدمات أخرى كالكهرباء والهاتف والصرف الصحي والمياه وغيرها، أو حتى اعتراض البعض على مسار خطوط الطرق، أو المصمم الذي قد يغفل بعض الأمور أثناء تصميمه للمشاريع.. كل تلك الأمور تعتبر طبيعية، ولكن المهم في هذا الجانب هو حل المشكلات التي تواجه الوزارة بشكل سريع جدا، ومحاولة وضع المشاريع دون أن تتعرض لأي إشكاليات، وذلك عن طريق دراستها بشكل شامل من الألف إلى الياء قبل البدء فيها.

* إذن لا توجد أي إشكاليات في ما يتعلق بالاعتمادات المالية أو الميزانيات المخصصة للوزارة من أجل تنفيذ مشاريعها؟

- إطلاقا، ومما لا شك فيه أن وجود الحرمين الشريفين وخدمة الضيوف القادمين إليهما يعد سببا في زيادة خير الدولة أيضا.

* حدثنا عن تجربتكم في رئاسة الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة؟

- هذه الهيئة تم تكوينها لخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر وحجاج بيت الله الحرام وزوار المسجد النبوي الشريف، وكان هدفها الأساسي تطوير تلك المناطق بما يعود على البلد بالشكل الذي يضمن إعمارها ويمكن من تقديم الخدمة التامة، وقد كان التصور هو تجميعها في هيئة واحدة، إلا أنه تم فصلها بعضها عن بعض.

ولكن النظرة ما زالت موجودة حتى بعد أن تم فصلها إلى هيئتين؛ إحداهما لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، والأخرى لتطوير المدينة المنورة، وذلك بمشاركة أميري منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلى جانب أمين العاصمة المقدسة وأمين منطقة المدينة المنورة، ووزير الحج، من أجل إعمار وتطوير تلك المناطق.

* ولكن فترة رئاستكم كانت قصيرة، إلى جانب أن خروجكم منها كان بصمت، ما السبب؟

- وجدت أنه من الأفضل خروجي منها، ولا أرغب في التحدث حول هذا الموضوع، ولكن كل ما في الأمر أن الجهات المعنية رأت أفضلية فصلها إلى هيئتين وتركيز كل منهما في المنطقة المحددة لها، والشخص دائما لا يفترض أن يكون صاحب وجهة النظر الصحيحة، وعلى كل حال قد يكون الطرف الآخر له رأي أفضل من رأيي.

* بالعودة إلى وزارة المواصلات، ماذا قدمت لكم الوزارة، وما سلبيات توليكم منصب وزير؟

- الوزارة عملت على تربيتي فعلا، حيث إن الوظيفة العامة تفرض على صاحبها خدمة الناس والشعور بالطمأنينة تجاه ذلك، وهذا ليس لي فضل فيه كوني خدمت بلدي. أما بالنسبة للسلبيات، فقد يعطي المنصب شيئا من الأنانية لصاحبه، مما يجعله لا يعطي عمله حقه، خصوصا أنه اؤتمن على مكان ما، فإذا لم يؤد عمله كما يجب، فإن التقصير والسلبيات ستكون من الشخص نفسه.

* الكثير من الناس باتوا لا يثقون في ما يعلن عنه المسؤولون، كيف تفسرون ذلك؟

- الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، ربى المسؤولين بشكل يتمثل في ابتعادهم عن التسويف والاكتفاء بالإعلان عما قاموا به فعلا، وهذا يعتبر شيئا جيدا. ومن هذا المنطلق، من الضروري على المسؤولين عدم الإعلان عن شيء إلا إذا أخذوا في الاعتبار الخطوات الأساسية والتأكد من مقدرتهم على القيام بها، حيث لا بد عليهم أن يكونوا صادقين ومتأكدين تماما مما يقولونه.

* لو كنتم تشغلون منصب وزيرا للمواصلات حتى الآن، ما الذي ستسعون إلى تحقيقه؟

- بما أن الحياة مستمرة، فمن البدهي أن تكون العملية مستمرة أيضا؛ إذ لا بد من الاستمرار في البناء والتوسع، وإنشاء شبكات أخرى، لا سيما أنه عند بناء طريق، فإن ذلك يصاحبه تطوير في المنطقة المحيطة، مما ينتج عنه تطورا في الاحتياجات أيضا، ومن ثم تحقيق التنمية المستدامة وإيجاد وسائل اتصال بالآخرين أيضا.

* وما الأمور التي افتقدتها وزارتكم خلال توليكم منصب الرجل الأول بها؟

- كنت أتمنى تغطية السكة الحديد فعلا، وإدخال التقنية بشكل كبير جدا، واستخدام الحاسب الآلي بحيث يسهل على الجميع العمل، حيث إنه من المؤكد أن التقنية من شأنها أن تساهم في تطوير الإدارة أيضا.

* هل هناك أخطاء ارتكبت أثناء حقبتكم الوزارية في وزارة المواصلات؟

- من الطبيعي أن الإنسان معرض لأن يخطئ ويصيب، ولا يمكنني تقييم ذاتي أو وضعي أثناء وجودي في الوزارة، غير أنني أترك ذلك الأمر لغيري، ولكن لا بد من وجود الخطأ، حيث إننا كنا نعمل على معالجته فور اكتشافه، وما أحب أن أؤكده هو أن متابعة الأمور أمر ضروري لإصلاح الأخطاء.

* شهد لكم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بأنكم خرجتم من الوزارة بأيد نظيفة، ما رأيكم خصوصا أن البعض عادة ما يشككون في نزاهة أي مسؤول؟

- تعني لي هذه الشهادة الشيء الكثير، كونها صادرة من مسؤول كبير في الدولة، وأحمد الله تعالى أن جعلني كذلك أولا، ثم أحمده عز وجل على أنني قُدرت وكنت محل تقدير من أكبر رأس في السعودية وحتى أصغر شخص بها.

* هناك من يقول إن المسؤول النزيه عادة ما يتعرض للمحاربة من قبل من حوله، ما مدى صحة ذلك؟

- إذا كان الفرد يحترم الآخر، فمن المؤكد أنه لن يتعرض لمثل تلك التصرفات.. للمحاربة، خاصة إذا فكر في غيره ولم يقتصر تفكيره على ذاته فقط.

* بعد تسليمكم وزارة المواصلات، ما الذي حدث لخططكم واستراتيجياتكم.. هل تم استكمالها من قبل الآخرين، أم إنه تم تغييرها؟

- ذلك الأمر يعتمد على الشخص نفسه؛ إذ هناك من يرى أن الذي قبله لم يبدع، مما يجعله يعمد لتغيير الخطط والاستراتيجيات السابقة كافة. ولكن ما يميز وزارة المواصلات أنها أسست على أسلوب معين، بحيث يكون الرئيس والمرؤوسون والعاملون مع الوزارة سواء كانوا مقاولين أو استشاريين، بمثابة أسرة واحدة بمفهوم واحد.

وأنا أيضا منذ أن بدأت مهندسا صغيرا في الوزارة حتى وصلت إلى المسؤول الأول بها، كنت أشعر بأننا مجموعة واحدة، والجميع بهذا الشكل، لذلك أعتقد بأن هناك نظاما موجودا دفع بالجدد إلى الاستمرار. وإجمالا، فإن الوزارة لم تشهد تغييرا سوى في الوزير، بينما البقية ما زالوا موجودين.

* ربطت بينكم وبين الدكتور محمد سعيد فارسي صداقة قوية، كيف استطعم استغلال تلك الصداقة في إنشاء مشاريع بارزة وناجحة بمدينة جدة؟

- كنت أتعاون معه كثيرا باعتبار أن لديه تطلعات كبيرة لجدة، حيث إنه حريص على أن تكون بمستوى يفوق مدن العالم المختلفة، وله لمسات جمالية عديدة، إضافة إلى أننا عملنا على الطرق الرئيسية في جدة؛ ومن ضمنها طريق المدينة المنورة السريع الذي يبدأ من ميدان فلسطين إلى المطار، وكان مشروعا رئيسيا بتقاطعاته وجسوره. إضافة إلى طريق الحرمين وجسر الميناء الذي يربط بينه وبين طريق مكة المكرمة، والبالغ طوله نحو 10.5 كيلومتر، فضلا عن الشوارع الرئيسية بجدة، وكنا نجتمع ليل نهار ونهاية الأسبوع ونتدارس تلك المشاريع ونزورها على الطبيعة.

* بالنسبة لفترتكم الوزارية، كيف استطعتم محاربة الفساد في وزارة المواصلات آنذاك؟

- حينما يسمع الشخص عن وجود فساد لا بد عليه أن يتحرى المصداقية، وكنت حينما أجد أو أكتشف فعلا فسادا في الوزارة، أسعى أولا للتأكد، ومن ثم إحالة الموضوع إلى الجهات الأخرى المسؤولة عن معالجة الوضع. وفي الوقت نفسه، أفكر دائما بأن الفاسد نفسه مسؤول عن عائلة من المؤكد أن تتأثر هي أيضا بما قد يصدر في حقه من جزاءات، إلا أنه ينبغي أيضا معاقبته، ولكن مجرد السماع بوجود فساد لا يكفي لإيقاع العقوبة، فلا بد من التحقق.

* وكم بلغ إجمالي عدد حالات الفساد التي قمت بمعالجتها في ذلك الوقت؟

أنا لا أحب الحديث عن نفسي إطلاقا، ولكن الناس الآخرين بإمكانهم معرفة ذلك الأمر، إلا أنني كنت أحاول قدر المستطاع أن لا ألحق الضرر بأحد، وفي الوقت نفسه، أحاول أيضا عدم الإضرار بالمال العام على اعتبار أنه مصلحة عامة فوق الجميع. ومن المهم أيضا تأدية الأمانة، التي إذا لم تؤد، فإن ذلك يعني أننا لا نستحق الثقة. وبمنتهى البساطة، من الضروري أن يؤدى العمل بالشكل المطلوب من منطلق استحلال المسؤول راتبه الذي يتقاضاه.