تمويل المشاريع الكبيرة حفز انتعاش الائتمان في السعودية

خبير مصرفي لـ «الشرق الأوسط»: الارتفاع جاء نتيجة إعادة جدولة 25 في المائة من القروض بعيدة المدى

زيادة السيولة رفعت القروض الشخصية في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

حقق الائتمان المصرفي للقطاع الخاص في السعودية خلال شهر فبراير (شباط) الماضي نموا بلغت نسبته 6.3 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ليصل إلى أكثر من 756 مليار ريال، (201 مليار دولار)، وذلك حسب بيان إحصائي نشرته مؤسسة النقد السعودي على موقعها الإلكتروني أمس.

وأظهرت بيانات مؤسسة النقد السعودي، أن الائتمان المصرفي للقطاع الخاص في السعودية حقق نسبة نمو بلغت 1.1 في المائة خلال شهر فبراير الماضي، مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني) المنصرم.

وقال تركي الحقيل المدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك السعودي الفرنسي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن شهر فبراير حقق أعلى معدل في الائتمان المصرفي للقطاع الخاص باستثناء الاستثمارات في الأوراق المالية، بزيادة قدرها 5.9 في المائة على أساس سنوي وزيادة قدرها 1.1 في المائة عن شهر يناير الذي يعد أعلى نمو شهري منذ أغسطس (آب) 2009.

واعتبر أن ارتفاع مجموع مطلوبات المصارف على القطاع الخاص مؤشر على أن كثيرا من صفقات القروض طويلة الأجل بدأت تنعكس على حسابات وميزانيات البنوك والمصارف.

وزاد الحقيل أنه يعتقد أن تمويل المشاريع الكبيرة دائما يكون حافزا رئيسيا لانتعاش الائتمان في السعودية على المدى المتوسط. وأكد أن أحد دوافع الانتعاش الائتماني هو إعادة جدولة نحو 25 في المائة من إجمالي القروض القائمة، وهي المصنفة ضمن قائمة القروض بعيدة المدى التي تحمل استحقاق ثلاث سنوات فأكثر، موضحا أن هذه النسبة تشكل قروضا عند بلوغ أجل سدادها أعاد العملاء جدولتها لتسديدها في فترة مقبلة. وتابع: «البنوك تتمسك بهذه الديون ولديها ما يضمنها من قبل العملاء، لذلك أعيد جدولتها». وأضاف أن القروض طويلة الأجل تشكل نحو 21 في المائة من إجمالي القروض في العامين الماضيين، الأمر الذي يدل على أن التركيز عليها كبير وأن تمويل المشاريع الضخمة قيد التنفيذ.

وبين المدير الأعلى للقسم الاقتصادي بالبنك الفرنسي، أن القروض التي تستحق في أقل من سنة واحدة ما زالت تشكل النسبة الأكبر من إجمالي الائتمان على الرغم من نسبة تراجعها إلى 58.2 في المائة في فبراير 2011، عن مستواها قبل نحو عامين، حيث كانت تشكل 65 في المائة.

وفي ذات السياق قال الحقيل إن شهر فبراير الماضي شهد بموازاة صعود نسبة الائتمان المصرفي للقطاع الخاص، انخفاضا في الائتمان المصرفي للقطاع الحكومي والعام للشهر الثاني على التوالي ليصل إلى 27.7 مليار ريال ما يعادل انخفاض 5.7 في المائة على أساس سنوي. وقال إن كثيرا من هذه المتطلبات التي تأخذ أيضا في الاعتبار أدوات مالية في الخزانة المصرفية وسندات حكومية تراجعت في حدود 5.5 في المائة من شهر يناير هذا العام. وفي ذات السياق عزا مصدر مصرفي أسباب نمو الائتمان المصرفي للقطاع الخاص في البلاد، إلى زيادة السيولة خلال الـ9 أشهر الماضية، حيث ارتفعت السيولة لدى البنوك السعودية بسبب الاضطرابات التي تشهدها المنطقة في مصر وتونس وغيرها، إلى جانب ما تقوم به الحكومة السعودية من ضخ أموال عززت الوضع الاقتصادي وزادت من تدوير السيولة في مختلف القطاعات، الأمر الذي دفع البنوك للبحث عن قنوات تمويل تحقق من خلالها عوائد أفضل.

واعتبر المصدر المصرفي أن جزءا كبيرا من النمو الذي حققه الائتمان المصرفي، هو ائتمان قصير المدى ويتجه نحو الأفراد، مبينا أن ما مجمله 70 إلى 80 في المائة من الائتمان المصرفي في السعودية هو تمويل للأفراد، مشيرا إلى أن التمويل المصرفي في السعودية يركز بشكل كبير على تمويل الأفراد، لأن إقراض الأفراد ورهن ما لديهم من أصول باسم البنك، يعد عملية مضمونة للبنوك، لا سيما في ظل عدم تدخل الجهات الرقابية بشكل مطلوب.

وأوضح المصدر المصرفي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الأرقام التي تضمنها بيان مؤسسة النقد، تعد أرقاما شهرية تتعلق بالتزامات البنوك لدفعات بعض المشاريع واتفاقيات الائتمان الدورية، مضيفا أن ارتفاع حجم نمو الائتمان المصرفي له علاقة بهذه الدفعات الربعية.

وأرجع المصدر السبب الرئيسي لنمو نسبة الائتمان، إلى زيادة نسبة السيولة خلال الـ9 شهور الماضية، حيث ارتفعت السيولة لدى المصارف بسبب الاضطرابات الحاصلة في المنطقة، مبينا أن كثيرا من الودائع تراكمت داخليا جنبا إلى جنب مع إيداع كثير من المؤسسات الحكومية أموالها وصرفها على المشاريع والأنشطة المختلفة في قطاعات عدة في السعودية، الأمر الذي جعل التدفقات النقدية لدى البنوك ترتفع، وهو ما جعل البنوك تبحث جاهدة لإيجاد قنوات تمويل تحقق من خلالها عائدا أفضل من سعر الفائدة.

وعن كيفية تأثير أحوال المنطقة على القطاع المصرفي الداخلي السعودي، أوضح المصدر المصرفي، أن ما يلف بعض دول المنطقة من أحداث مقلقة، أدى إلى اختفاء بعض الفرص الإقليمية، مما جعل كثيرا من المودعين وأصحاب رؤوس الأموال الذين كانوا يتجهون بأموالهم نحو مصر والبحرين ودول مضطربة أخرى، يكونون أكثر حذرا ويبقون رؤوس أموالهم قريبة منهم من خلال إيداعها في البنوك المحلية على مدى فترات قصيرة من 3 شهور إلى 12 شهرا، مضيفا أن تراكم هذه السيولة أدى بالبنوك لأن تتشجع وتبحث جاهدة لإيجاد فرص تمويلية كي توجه هذه السيولة نحو قنوات استثمارية جديدة وضخها نحو التمويل.

وعن تمويل المشاريع، ذكر المصدر أن تمويل المشاريع التي تمتد فترات إنشائها بين 3 و8 سنوات، لا يزال يواجه بتحفظ من قبل البنوك، التي تتخذ مبدأ الحذر من الدخول في مثل هذه الأنشطة، من خلال الامتناع عن التمويل المتوسط وطويل الأجل للشركات الصغيرة والمتوسطة، مرجعا نسبة النمو التي حققها الائتمان المصرفي الذي تم الإعلان عنه أمس، إلى التمويل قصير المدى الذي يذهب جزء كبير منه للأفراد، وجزء بسيط آخر يذهب للشركات الكبيرة التي لها علاقة بالمشاريع الحكومية.

وعن استمرار الصناديق الحكومية وتمويل الجهات الحكومية للمشاريع، قال المصدر المصرفي إن ذلك سيدفع بالكثير من شركات القطاع الخاص والمشاريع المختلفة إلى التوجه نحو التمويل الحكومي الذي عادة ما يكون أقل تكلفة من إقراض البنوك، لافتا النظر إلى أن ذلك سيشكل تحديا للائتمان المصرفي، إذ إن كثيرا من تلك المشاريع ستحصل على التمويل اللازم بتكلفة أقل من قبل الدولة ومن قبل الصناديق الحكومية.

أما فيما يتعلق بالدورة الاقتصادية في البلاد وعلاقة البنوك بها، فقد قال إن من شأن جملة الأوامر الملكية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين، زيادة نشاط الدورة الاقتصادية، حيث سيكون هنالك حركة دؤوبة في مختلف القطاعات، الأمر الذي سيدفع بإنشاء شركات جديدة وتوسع خطوط الإنتاج في قطاعات عدة، وتوسع شركات التمويل العقاري في أنشطتها، مضيفا أن ذلك كله يتطلب من البنوك زيادة الائتمان المصرفي في السنوات المقبلة، إلا أنه لم يتوقع أن تقوم البنوك بهذه الخطة على المدى القصير، إذ إن ذلك يشكل تحديا كبيرا أمام البنوك، لأنها تمول بالطريقة التي اعتادت عليها بتكاليف عالية وبشروط معقدة بالنسبة للائتمان.