مخاوف من تأجج صراعات طائفية تثير القلق في سورية

خبير في الشأن السوري: السوريون أدركوا أن الأسد لن يتنحى.. وعليهم أن يخوضوا حربا أهلية لدفعه للرحيل

TT

عندما شيع المحتجون المناهضون للنظام قتلاهم الأسبوع الماضي في جنوب سورية، أوضحت هتافاتهم أن الانقسامات التي تشهدها سورية حاليا أعمق من السياسة. حيث ظلوا يهتفون: «لا لإيران.. لا لحزب الله.. نريد مسلمين يخافون الله». هذه رسالة لا تخطئها أذن أي شخص، ومفادها: المطالبة بإسقاط نظام الأسد تكشف عن سنوات من الظلم يشعر به المسلمون السنة المستاءون من نفوذ الطائفة العلوية التي تمثل أقلية. ويعد هذا التوتر الطائفي خلفية لبركان العواطف والانفعالات الذي انفجر في سورية مع سعي الرئيس بشار الأسد لاسترضاء الجماهير الغاضبة، لكنه يفسر أيضا الخوف الذي عبر عنه الكثير من السوريين الذين لا يشعرون بالارتياح إزاء ما يمكن أن يؤدي إليه الصراع على السلطة.

ومع تقديم الأسد المزيد من التنازلات لمعارضيه يوم الثلاثاء الماضي، احتشد آلاف السوريين في وسط مدينة دمشق تأييدا لزعيم ينتمي إلى أسرة أحكمت قبضتها على بلد يضم طوائف دينية وعرقية مختلفة لمدة تزيد على 40 عاما.

ويهتف العلويون، الذين يمثلون أقلية لا تزيد على 16 في المائة من السكان في سورية ذات الأغلبية السنية، بالإضافة إلى عدد قليل من المسيحيين والدروز، باسم الأسد. ويعد التحدي الذي يمثله المعارضون الآن هو الأكثر خطورة على قبضة الأسد، لكنه أيضا تحذير من أن أي تغيير للنظام في سورية من شأنه أن يثير العنف الداخلي. ويقول جوشوا لانديس، الخبير في الشأن السوري بجامعة أوكلاهوما: «لقد نظر السوريون إلى الهاوية وأدركوا أن بشار الأسد لن يتنحى وأن النظام العلوي لن يرحل.. ومن أجل دفعه للرحيل، عليهم أن يخوضوا حربا أهلية».

ويقول نشطاء إن النظام يحاول إثارة المخاوف من خلال تصوير الحركة المطالبة بالديمقراطية على أنها طائفية. وقد نعت النظام المحتجين بـ«الخونة والعملاء» وبأنهم «مشروع لنشر بذور فتنة طائفية». لكن هناك ما يدل على احتمال أن تكون هذه المصادمات قد أثارت توتر بعض السوريين.

ويحظى الأسد بدعم كبير من أفراد النخبة من السنة في سورية، حيث ينظرون إليه باعتباره أساس الاستقرار والإصلاحات الاقتصادية، وهو ما يعد مهددا حاليا، حيث بدأت الشركات الأجنبية بالفعل في استدعاء العاملين لديها، وبدأ السياح في الهروب. وتشعر الأقليات الدينية بالقلق من أن يؤدي وصول الأغلبية السنية إلى السلطة إلى إقامة دولة إسلامية قمعية. وتفضل الأقليات أن تعيش تحت حكم النظام الحالي مضحية بحرياتها في ظل دولة علمانية قمعية عن المخاطرة والرهان على النظام الذي سيتولى الحكم في حال خلع الأسد.

وقال أحد سكان دمشق المسيحيين: «نحن كأقلية نعرف أنه في ظل نظام يمثل أقلية سيسود النظام العلماني الذي نرضى به. يوجد أمان حاليا ولا توجد مشكلات بين الناس لأننا نعرف جيدا أن أي أحداث عنف طائفية سوف تكون فظيعة وطويلة الأمد». واستمر المحتجون في الضغط باتجاه إجراء المزيد من الإصلاحات. وقبل الأسد أول من أمس، الثلاثاء، استقالة الحكومة في محاولة لاحتواء أكثر التهديدات خطورة على حكمه منذ أن تولى السلطة منذ 11 عاما.

وتمثل هذه الخطوة التي أذاعها تلفزيون الدولة آخر التنازلات التي قدمها الأسد منذ أن ضغط المحتجون لإجبار نظامه على تقديم تعهدات سياسية تضمنت تعهدا بإلغاء قانون الطوارئ الذي يطبق منذ 48 عاما. ويوم السبت الماضي أمر الأسد بإطلاق سراح مئات من المعتقلين السياسيين وسحب قوات الأمن من المدينة التي شهدت بداية اندلاع الاضطرابات الشهر الحالي.

وأول من أمس أدانت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، بشدة «قمع النظام السوري للمتظاهرين» الذين شاركوا في الانتفاضة. لكن إدارة أوباما أوضحت عدم وجود أي نية لفرض منطقة حظر جوي مثلما حدث في ليبيا. وقال أحد المسؤولين في الإدارة، رفض ذكر اسمه حتى يتحدث عن السياسات الأميركية بصراحة: «نفضل أن ندع الأمور تسير كما تريد سورية لا كما نفرضها نحن».

وتحاول المعارضة السورية حتى هذه اللحظة أن توحد الاحتجاجات تحت لواء الحرية والقومية. لكن مع تزايد الغضب من أعمال العنف من قبل النظام التي أسفرت عن مقتل 60 شخصا على الأقل، تقبع الطائفية تحت السطح كالنار تحت الرماد. وكشفت هتافات المشيعين الأسبوع الماضي في مدينة درعا، التي تعد مركز الاضطرابات المتأججة، عن غضب الأغلبية من حكم أقلية دينية ومن العلاقات الوطيدة التي تربط زعمائهم بالشيعة في إيران وحزب الله في جنوب لبنان.

واندفع مسلحون خلال عطلة الأسبوع الماضي نحو مدينة اللاذقية الساحلية حيث يحيط السكان من العلويين بالمدينة التي تعد مركز السنة وتضم القليل من المسيحيين. وقتل على الأقل 12 في أعمال عنف نادرا ما شهدت البلاد مثلها. ويقول ياسين الحاج صالح، أحد الكتاب السوريين والمعارضين للنظام الذي قضى 16 عاما في السجن: «هناك خوف من الطائفية ومن النظام. يدفع هذا الوضع الكثيرين إلى التماهي مع النظام وطلب الحماية منه. ويدرك النظام ذلك جيدا، فتلك هي الاستراتيجية التي يتبعها».

لكن يستبعد جمار ديب، محام يعمل في العاصمة، فكرة حدوث أي توتر طائفي ويوضح أن الأسد بحاجة إلى وقت من أجل تنفيذ الإصلاحات. ويقول: «أعتقد أن الوضع الذي نعيشه حاليا سوف يجعل سورية أقوى ويساعدها أن تسترجع هويتها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»