السلفيون في مصر.. تيارات مختلفة وأفكار متشابهة

ظهروا على الساحة منتصف العام الماضي.. و«غزوة الصناديق» سببت أزمة لهم

TT

يجمع المحللون على أن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر ساهمت في ظهور تيارات أو فئات لم تكن موجودة أو ظاهرة من قبل على الساحة السياسية المصرية، لعل أبرزها التيارات السلفية، التي طالما ابتعدت عن السياسة لقناعة بعضها بعدم جدوى الانشغال بها والتورط في دهاليزها.

ظهرت تلك التيارات على استحياء لأول مرة على المسرح السياسي المصري في النصف الثاني من العام الماضي 2010، للمطالبة بالكشف عن مصير السيدة كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس بالمنيا في صعيد مصر، التي اختفت من بيت زوجها وترددت أنباء عن إسلامها قبل أن تعيدها الشرطة إلى الكنيسة التي تتحفظ عليها في مكان غير معلوم حتى الآن. ونظم السلفيون عدة مظاهرات للمطالبة بالكشف عن مصير كاميليا، ونشروا صورا لها بالنقاب الإسلامي، بل تطور الأمر إلى تنظيم مظاهرات بهدف وقف ما سموه «النفوذ المسيحي في الدولة» وكثيرا ما هاجموا البابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس بمصر.

ورغم أن السلفية كتيار أو مذهب يتفق في مجمله على أخذ الدين من نبعيه الصافيين؛ القرآن والسنة، ومجانبة البدع والخرافات والعودة إلى نقاء العقيدة بفهم السلف الصالح علما وعملا، فإن السلفيين في مصر ينقسمون إلى عدة تنظيمات وتقسيمات أبرزها: «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية» التي تعرف اختصارا باسم «الجمعية الشرعية»، والتي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي عام 1912 بهدف إعادة الشريعة الإسلامية للحياة العامة بعدما رأى أنها غابت بسبب الاحتلال الإنجليزي لمصر في ذلك الوقت.

ولـ«الجمعية الشرعية» أكثر من 350 فرعا في كل أنحاء مصر، وتميل إلى العمل الخيري أكثر من العمل السياسي، ورئيسها حاليا هو الدكتور محمد المختار محمد المهدي، وهو من علماء الأزهر، ولا تدعو للتمسك بمذهب فقهي محدد، ومرجع أعضائها الأساسي هو كتاب الشيخ محمود خطاب السبكي «الدين الخالص» وهو موسوعة فقهية ضخمة تذكر معظم الآراء الفقهية بأدلتها ثم ترجح أحدها وتركز على تنقية الدين من البدع والخرافات، ومكافحة التبرك والتمسح بالأضرحة أو النذر لها والصلاة فيها.

وتفضل الجماعة عدم العمل بالسياسة تطبيقا لمبدأ الشيخ السبكي بالعمل الجماعي المنظم البعيد عن السياسة، والعمل بمبدأ «الانشغال بالسياسة وعدم الاشتغال بها»، ولعل بعد «الجمعية» الاختياري عن السياسة هو الذي مكنها من التوسع ونشر فروعها في عدة محافظات في عهد النظام السابق الذي عرف عنه العداء للتيارات الإسلامية منذ حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 على يد إسلاميين متشددين. وتصدر «الجمعية» مجلة باسم «التبيان» للتعبير عنها.

وهناك أيضا «جماعة أنصار السنة المحمدية» التي ظهرت في القاهرة على يد الشيخ محمد حامد الفقي، أحد علماء الأزهر، وكان يدعو إلى التوحيد الخالص والدفاع عن السنة، والدعوة إلى صحيح السنة بفهم السلف الصالح، وإرشاد الناس إلى نصوص الكتاب، والدعوة إلى مجانبة البدع والخرافات ومحدثات الأمور، كما تدعو إلى أن الإسلام دين ودولة، وعبادة وحكم.

وبدأ الفقي دعوته في المساجد والمقاهي والمنتديات، فاستطاع أن يجمع حوله الكثير من الأنصار، وفي عام 1969 دمجت الحكومة المصرية «جمعية أنصار السنة المحمدية» مع «الجمعية الشرعية» وذلك بعد وفاة الشيخ الفقي، وأعيد إشهار الجماعة عام 1972 على يد الشيخ رشاد الشافعي.

ولأنصار «السنة المحمدية» نحو 100 فرع في كل محافظات مصر، ونحو ألف مسجد، تم ضم بعضها إلى وزارة الأوقاف في محاولة للسيطرة على الجماعة، ويبتعد خطاب شيوخها عن السياسة رغم أن منهجها الأساسي قام على أساس وجوب إقامة شرع الله، وتصدر شهريا مجلة «التوحيد» وتنتشر بقوة في بعض الأحياء الشعبية ويبلغ عدد أعضائها نحو 10 آلاف شخص، ويقدر عدد نشطاء «جماعة أنصار السنة» في مصر بما يزيد قليلا على عشرة آلاف ناشط، وإن كان فكر «أنصار السنة المحمدية» و«الجمعية الشرعية» لم يعد يلقى القبول نفسه لدى شباب السلفيين.

وعلى الساحة أيضا يوجد تيار السلفية «المدخلية» التي نشأت في المملكة العربية السعودية قبل نحو 25 عاما، ودخلت مصر مع عودة المصريين العاملين في الخليج بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.

ولم يختلف الفكر العقائدي لهذا التيار عن غيره من التيارات السلفية الأخرى في اعتقادهم بعدم جواز الخروج على الحاكم المسلم، إن كان فاسقا، إلا أنهم يعتبرون أنه لا يجوز معارضة الحاكم مطلقا، ولا حتى إبداء النصيحة له في العلن، وأن هذا من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، ومخالفة هذا الأصل يعتبر خروجا على الحاكم المسلم.

وهناك أيضا تيار «الدعوة السلفية» التي أنشأها مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في الجامعات المصرية في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وكان مركزها في جامعة الإسكندرية ورفض قادتها الانضمام للإخوان المسلمين، وأطلقوا على أنفسهم اسم «المدرسة السلفية» وتغير بعد سنوات إلى «الدعوة السلفية» بعدما زاد أنصارهم وانتشروا في كل محافظات مصر.

وكغالبية السلفيين يدعو تيار «الدعوة السلفية» إلى أخذ الإسلام من أصليه: الكتاب، والسنة، بفهم السلف الصالح، ويهتمون بمسائل التوحيد وتصحيح العقيدة، والنهي عن البدع والخرافات، والاجتهاد في طلب العلم الشرعي.

وبالتوازي مع ظهور «الدعوة السلفية» في الإسكندرية ظهرت في القاهرة حركة «السلفية الحركية»، وهو تيار له الفكر نفسه، ويرون مشروعية العمل الجماعي بضوابط وشروط.

ولكن التيار الذي برز بشكل لافت خلال ثورة 25 يناير كان السلفيون المستقلون، الذي يضم العديد من المجموعات، لا يجمعهم تنظيم معين ولا يسعون لذلك، ولا يجمعهم إلا شيخ يتتلمذون على يديه، ويتفاوت عدد الأتباع أو التلاميذ من شيخ إلى آخر حسب نجاح الشيخ وشهرته في مجال الدعوة. ومن أبرز قادة هذا التيار الشيخ محمد حسان، والشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ أبو إسحاق الحويني وأسامة عبد العظيم أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، والشيخ مصطفى العدوي.

ويؤمن أتباع هذا التيار بالتغيير القاعدي؛ عملا بالآية الكريمة: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفسهِمْ»، كما يدعون، مثل بقية التيارات السلفية، إلى تنقية الدين من البدع.

وطور أصحاب هذا التيار من وسائل دعايتهم من الخطابة وإلقاء الدروس في المساجد إلى القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت؛ الأمر الذي ساعد على انتشارهم وزيادة أتباعهم.

وساهم في ظهور هذا التيار على المسرح السياسي بقوة، وجود الشيخ محمد حسان في ميدان التحرير خلال أحداث ثورة 25 يناير، كما لعبوا دورا مهما في حشد أتباعهم للتصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها في مصر مؤخرا، وهو الاستفتاء الذي تسبب في أزمة أخرى، عندما وصف الشيخ محمد حسين يعقوب في إحدى خطبه ما حدث بأنه انتصار في «غزوة الصناديق».