السعودية: هدر 400 مليون دولار في سوق الحرف والصناعات اليدوية لصالح الاستيراد

خبراء يدعون إلى تعزيز الصناعة المحلية وإنشاء معاهد متخصصة ودعم خاص للحرفيين

يقدر خبراء في مجال الحرف والصناعات اليدوية قيمة القطاع في السعودية بنحو 400 مليون دولار لم يتم الاستفادة منها بشكل مباشر («الشرق الأوسط»)
TT

قدر مستثمرون في مجال الحرف والصناعات اليدوية الواردات التي يحققها القطاع في السعودية بنحو 1.5 مليار ريال (400 مليون دولار) سنويا، تهدر بشكل مباشر، وذلك نتيجة لاستيراد المنتجات الحرفية الجاهزة بدلا من تصنيعها في الداخل بما لا يمكن السوق السعودية من الاستفادة الكاملة من تلك السوق.

ولفت الخبراء إلى ضرورة التحاق السعودية بهذه السوق، التي تحقق نسبا ربحية تتراوح ما بين 200 إلى 300 في المائة من تكلفة المنتج الحقيقية، مقدرين حجم التجارة البينية الدولية لهذا القطاع بنحو 100 مليار دولار في عام 2010.

وأكد لؤي رمضان، رئيس الرابطة الأردنية للحرف والفنون الشعبية والمستثمر في أعمال الحرف، أن السعودية مؤهلة بما تتمتع به من ميزات استثمارية في هذا المجال لاحتلال مكانة أفضل، وأن يسهم هذا القطاع مساهمة فعالة في الحراك التنموي بأوجهه المختلفة، وفي رفع المستوى المعيشي لفئة كبيرة من فئات المجتمع، معددا ميزات المشاريع الحرفية من التكلفة المتواضعة قياسا بحجم الإنتاج والمردود المادي العائد منها، وقلة نسبة المخاطرة، وارتفاع نسبة الأرباح المتأتية منها.

وجاء حديث رمضان خلال جلسة «الاستثمار لفن الخط العربي وتطبيقاته في الحرف والصناعات» المقامة ضمن فعاليات ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي 2011، حيث أوضح وجود عاملين مهمين يبشران بنهضة هذا القطاع على مستوى المملكة.

ولخص العامل الأول في الاهتمام بمشاريع التنمية المختلفة والإشراف والرعاية والدعم المباشر من قبل الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لقطاع الحرف والسياحة، وما يمثله من حماية مؤكدة تضاف للنهوض والتطور الحقيقي والجاد للقطاع، وثانيهما وجود هيئة رسمية راعية للقطاع، من خلال الهيئة العامة للسياحة عبر مشروع «بارع».

وأوصى رئيس الرابطة الأردنية للحرف والفنون الشعبية بضرورة توجيه الحرفيين وصقل مهاراتهم لاستخدام الوسائل الحديثة بالإنتاج، ومتابعتهم بالتوجيه والتوعية لمتطلبات المنتج والسوق، وذلك من حيث التصميم والجودة والتكلفة، ومن خلال مستشارين متخصصين في التدريب وضبط الجودة ووضع خطة استراتيجية قصيرة الأمد واضحة الأهداف للنهوض بالقطاع الحرفي؛ تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات على الأكثر.

من جانبه، شدد المهندس إبراهيم صالح العنزاوي، المستثمر في مجال الخزف، على أن الاستثمار بهذا الجانب في السعودية يمثل حاجة ملحة نظرا للإقبال الكبير على شراء منتجات الحرف عموما، والخزف بشكل خاص، مع ندرة المؤسسات العاملة بالاستثمار في الطين الخزفي السعودي، وبشكل تجاري، مشيرا إلى أنه توجد مناطق متعددة في البلاد لاستخراج الطين ومعالجته والاستفادة منه على المستوى القومي وتلبية لحاجة السوق.

وأكد وجود مناطق متميزة بتربتها في السعودية لإنتاج الطين الخزفي، مثل مادة الكاولين في منطقة الخرج (وسط السعودية)، وهي من المواد الرئيسة لتركيب الطين الأبيض، وهو يعطي تصلبا ونقاوة بالإنتاج، كما يتوفر في منطقة دورما مادة الطين الأحمر، وهي ذات خصائص رائعة ومميزة على مستوى العالم، كما يتوفر الفلدسبار والبولي كليه والجاينا كليه وغيرها من المواد الطينية الأولية كثيرا في مناطق المملكة، كمنطقة سدير ومنطقة سكاكا بالجوف، حيث إنها غنية جدا بهذه المواد.

وطالب العنزاوي بضرورة تشجيع الاستثمار في قطاع الحرف والصناعات التقليدية، وإعادة تأهيل العاملين في القطاع ليتمكنوا من مواكبة احتياجات السوق ومتطلباتها، وتأسيس وحدة ربط بين الجهات المعنية، من خلال الهيئة العامة للسياحة والآثار، وضمن برنامج «بارع» لمتابعة صقل مهارات الحرفيين وتوجيههم نحو تصاميم تخدم المنتجات الحرفية، ليمثل بذلك مركزا موجها للإنتاج والتسويق، وبشكل إشرافي، إضافة إلى تشجيع المؤسسات المعنية للاستثمار في استغلال المواد الطينية، واستحداث خامات جديدة تدخل وتتواكب مع متطلبات السوق المتجددة.

وتناول هلال بن حسين البيشي، المستثمر ومتخصص في فنون الخط، نبذة عن فن الخط العربي، معتبرا إياه فن «الخوف من الله ومحبته والعلم به»، مشيرا إلى أن تمكن المسلمين من استخدام الصدف البحري والنهري وعظم الجمال والأبقار وتوظيفها في أعمال التطعيم والزخرفة أعطى وأضاف إلى الفن الإسلامي الشيء الجميل المبهر.

وناشد البيشي الجهات المختصة بضرورة إحياء هذا الفن في المملكة، ونشره بين أبناء وبنات الوطن، عبر إنشاء قسم خاص في المعاهد المهنية والكليات، يدرس فيه هذا الفن دراسة دقيقة، وقال: «أتمنى أن نكون نحن الدولة الأولى التي تعنى بهذا المجال، فلم أرَ أي دولة تهتم بهذا الفن إلا دول الشام، وليس بتلك الأهمية التي تجعلها في محط الأنظار، فإن منظورهم يقتصر داخل محيطهم الاجتماعي والدول المجاورة فقط».

من جهته، أشار أحمد حسن أبو سرير من الجمعية السعودية للخط إلى تصدر فن الخط للفنون الإسلامية واستخدامه في زخرفة المباني المعمارية، لافتا إلى أن عبقرية الخطاط تتجلى في اتخاذ الخط عنصرا زخرفيا وتشكيليا يتيح له التعبير عن قيم جمالية تتميز عن أي غرض إنتاجي آخر.

ولفت أبو سرير إلى ارتباط فن الخط بأمور أشبه بالفنون المساعدة، كصناعة الورق وتقهيره وصناعة الحبر، موصيا بإنشاء معهد متخصص للفنون التطبيقية وتأهيل الذين يرغبون في تعلم الخط وابتعاثهم لدراسة الخط وتأسيس شراكة جادة بين الحرفيين والمؤسسات الحكومية التي غالبا ما تقدم هدايا لرؤساء الدول، والتشجيع على اقتناء الأعمال الفنية للخطاطين والحرفيين تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار.

واستعرضت الدكتورة منال مرشد الحربي ميزات الخط العربي من قابليته للمد والبسط والتدوير والمطاطية والضغط والتشابك والتحوير، ولفتت إلى تجربة مدينة جدة (غرب السعودية) عبر المجسمات النحتية التي تتصدر طريق المطار، وكيف كانت مصدر جذب سياحي مع حرص الزوار على أخذ الصور بجانبها، وكذلك تجربة مدينة الرياض عبر عدد من المجسمات كانت مصادرها من التراث في كل من سابك وجامعة الملك سعود وأمانة الرياض ووزارة الدفاع وغيرها من المواقع.

وركزت الحربي على عامل مهم أسهم في عدم انتشار مثل هذه المجسمات النحتية، وهو عدم مشاركة القطاع الخاص في هذا المضمار، وأن القطاع الحكومي وحده في غالب الأحيان كان هو المنفذ والداعم، مطالبة بربط الحاضر بالماضي والاستفادة من التراث الفني الإسلامي في تنفيذ أعمال فنية معاصرة، والاهتمام بتجميل المدن السعودية بأشكال نحتية تحمل طابع الأصالة والمعاصرة، والاستفادة من جماليات الخط العربي في تطبيقات وتصاميم تعكس التراث الثقافي للمملكة وتسهم في تنمية السياحة السعودية، إضافة إلى استقطاب خريجي التخصصات الفنية في المملكة لتكوين جيل من المصممين والفنيين لإنتاج منتجات سياحية من تنفيذ أياد سعودية، وفتح مجال التعاون فيما بين المستثمرين والفنانين، وتكوين حلقة وصل فيما بينهما من خلال معاهد ومراكز تدريب للمنتجات السياحية، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار.