اليمن: الموقف الأميركي.. بين قيم الحرية ومخاوف الحرب على الإرهاب

غموض مواقف واشنطن يلقي بظلاله على تفاعلات الشارع اليمني

TT

منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للرئيس علي عبد الله صالح، أو الثورة المطالبة برحيله ونظامه، لم يصدر أي موقف أميركي صريح ومؤيد لمطالب الشارع اليمني و«شباب الثورة»، مثلا كمطالبة صالح بالرحيل، كما حدث مع مواقف الإدارة الأميركية من الثورة في مصر ومطالبتها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بذلك.

ويمكن إجمال المواقف الأميركية من الصراع في اليمن، في 3 مواقف رئيسية، الأول: هو التأكيد على الحوار بين الأطراف السياسية من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي، الثاني التنديد بقمع المظاهرات والاعتصامات وبسقوط القتلى والجرحى، أما الموقف الثالث فهو التأكيد على الاهتمام بوحدة وأمن واستقرار اليمن ومسيرته الديمقراطية.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، كانت الولايات المتحدة حاضرة وبقوة في تفاصيل المشهد اليمني الداخلي على أكثر من صعيد، من ذلك مساع للتوصل إلى معظم الاتفاقات السياسية التي تمت بين النظام وأحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، والتي لم تنفذ، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن عدم التقيد بها.

ومن خلال الموقف الأميركي المعلن، على الأقل، فإن الإدارة الأميركية كانت تحرص على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل، قبل أن تدخل اليمن في أتون ما يجري، اليوم، من احتجاجات أو ثورة، وقبل أيام قلائل من هذه الثورة كان السفير الأميركي، جيرالد فايرستاين، يتحدث، داخل السفارة في صنعاء، إلى عدد من الصحافيين اليمنيين حول الأزمة السياسية في اليمن وأكد أنه تم التوصل إلى قواسم مشتركة حول قضايا خلافية، ودعا السلطة والمعارضة إلى الحوار بشأنها وإلى التفاوض بشأن النقاط الخلافية، غير أن تسارع الأحداث، أحدث تغييرا في أجندات الأطراف السياسية.

وفي آخر موقف للسفير الأميركي نقلته عنه وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) خلال لقائه برئيس الكتلة النيابية لحزب المؤتمر الشعبي العام في مجلس النواب (البرلمان)، سلطان البركاني، قال فايرستاين، إن «الولايات المتحدة تتمنى إيجاد حلول سريعة للأزمة السياسية، بما يمكنها من العمل مع كل الأصدقاء الدوليين لمساعدة اليمن على مواجهة التحديات الماثلة في الجانب الاقتصادي وبشكل كامل»، وحملت التصريحات دلالات ذات أهمية، فهو لم يشر إلى مسألة الحوار بين الأطراف السياسية كما كان يأتي هذا الطرق في سياق مباشر، وركز على «ضرورة حل الأزمة بالطرق السلمية، بما يحافظ على أمن اليمن ووحدته واستقراره»، وفي إشارة أخرى تطرق إلى أهمية أن «يضطلع المؤتمر الشعبي العام بدور كبير في الحاضر والمستقبل»، وهي إشارة تحمل الكثير من الغموض، بحسب المراقبين.

ويدرك العارفون بالشأن اليمني، أهمية هذا البلد بالنسبة إلى الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، فاليمن هو أحد الشركاء الرئيسيين لواشنطن في هذه الحرب، وتعتقد الإدارة الأميركية أن خطر «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» في تنام مستمر ولا يقل خطورة عما هو عليه في أفغانستان أو باكستان أو العراق أو الصومال، ولعل هذه النقطة، تحديدا، هي ما جعلت هناك، ربما تعدد مواقف أميركية إزاء التطورات السياسية في اليمن، ففي الوقت الذي يقول فيه المراقبون إن ما يجري في اليمن يتطابق مع شعار «التغيير» للرئيس أوباما، فهناك من يرى أن مخاوف جناح في الإدارة الأميركية من خصوبة اليمن لنشاط «القاعدة»، إضافة إلى قضايا أخرى، يجعل ذلك الجناح لا يميل أو يؤيد إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح.

وقبل عدة أيام فقط، عبر وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، عن المخاوف المشار إليها آنفا، وذلك عندما كان يتحدث في مقابلة مع شبكة «آي بي سي» الأميركية، وذلك بما معناه أن سقوط النظام سيجعل واشنطن «تواجه تحديات إضافية في اليمن»، فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتنظيم القاعدة، وهذا الموقف لوزير الدفاع الأميركي، جاء متطابقا، إلى حد كبير، مع طروحات الرئيس صالح بشأن خطابه الموجه للداخل والخارج بهذا الخصوص في حال سقوط نظامه.

وقد أثارت تصريحات الوزير الأميركي حفيظة المعارضة اليمنية في الداخل التي اعتبرت تلك التصريحات «داعمة لصالح» إزاء مطالب تنحيه عن السلطة، وردا على كلام غيتس، اتهم محمد الصبري، الناطق باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني المعارضة، وزارة الدفاع الأميركية بـ«التواطؤ مع مخطط صالح لمواجهة ثورة الشعب السلمية».

ويعتقد الدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، أن الموقف الأميركي من الوضع في اليمن، يتصف بـ«بعض الغموض وبالكثير من الارتباك وتتصادم فيه القيم الأميركية المتصلة بالديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة من جهة، بالمخاوف المتصلة بالأمن القومي الأميركي، من جهة أخرى».

ويضيف قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن «الاستخبارات المركزية الأميركية (البنتاغون) ووزارة الدفاع، استثمروا مئات الملايين من الدولارات في وحدات لمكافحة الإرهاب في اليمن يسيطر عليها أبناء الرئيس وأبناء شقيقه ويخشى أن تنهار بذهاب نظام الرئيس صالح».