محمد الصبار لـ «الشرق الأوسط»: هذه هي أسباب قبولي المنصب.. و«السلفية الجهادية» على جدول أعمالنا

الأمين العام للمجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان: طلب منا الملك العمل باستقلالية

TT

قال محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، وهو المجلس الذي سيراقب احترام حقوق الإنسان مع تخويله سلطات واسعة، إن العاهل المغربي الملك محمد السادس قال له عند تعيينه رفقة إدريس اليزمي، رئيس المجلس: «عليكما أن تعملا بكل حرية واستقلالية». وأوضح الصبار في حوار مع «الشرق الأوسط» في الرباط، أنه لم يطرح شروطا مسبقة لقبول المهمة، معتبرا أن «تعيينه كان بمثابة إشارة في حد ذاته». يشار إلى أن الصبار يعتبر أحد نشطاء حقوق الإنسان الراديكاليين، وكان ينتمي لحزب «الطليعة الديمقراطي الاشتراكي» المعارض. وعبر الصبار عن اعتقاده بأنه اتخذ بعد تفكير طويل «قرارا شجاعا لأنه تلمس جيدا أن المجلس الوطني الجديد له صلاحيات ملموسة، وأكثر تقدما مما كان يتمتع به المجلس الاستشاري السابق، ولن يكون خطوة معزولة». وفيما يلي نص الحوار.

* أعلن الملك محمد السادس عن إصلاحات دستورية.. كيف تلقيت ذلك؟

- خطاب الملك محمد السادس تحدث عن عدة إصلاحات دستورية عميقة ويمكن اعتباره إن صح التعبير، خارطة طريق جديدة من أجل إصلاح دستوري يستجيب لطموحات الشعب المغربي وقواه السياسية والمجتمع المدني، لأنه تضمن معايير يمكن الحسم على أنها تندرج ضمن المعايير المتقدمة والمعتمدة ضمن دساتير الدول العريقة في الديمقراطية، ونأمل من اللجنة الاستشارية أن تعي، وليس لدي شك في ذلك، بضرورة أن تتجسد هذه المعايير في الدستور الجديد، سواء على المستوى المتعلق بفصل السلطات أو ما يتعلق بالحريات العامة والحقوق الأساسية.

* اعتبر كثيرون إعلان العاهل المغربي عن تعديلات دستورية شاملة بمثابة «ثورة» لكن هناك من يقول إن الدستور الجديد سيكون امتدادا لدساتير قديمة، ما هو تعليقك؟

- هناك طموح بأن يكون الدستور ديمقراطيا من الناحية الشكلية وفي جوهره، وهناك صيغ كثيرة ومتنوعة تعبر عن ذلك، إذ هناك من يقول بضرورة قيام مجلس تأسيسي منتخب لوضع دستور جديد، وهناك أيضا من يقول بصيغة عقد «ندوة وطنية» من أجل صياغة دستور جديد، وهناك صيغ أخرى من قبيل المجلس الاستشاري الذي يتم تشكيله من طرف ملك البلاد، في جميع الأحوال فإن الدستور الجديد سيعرض على الاستفتاء، وحين يكون الاستفتاء نزيها وحرا يعكس إرادة الأمة فمن المؤكد أننا سنتجاوز بعض القضايا ذات الطابع الشكلي، لأنه في نهاية المطاف سيكون الحسم عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي يصبح حجم الكتلة الناخبة ودرجة التصويت على هذا الدستور عاملين حاسمين كنتائج معبرة عن إرادة شعبية، ستمنح هذا الدستور مصداقية ديمقراطية.

* تزامن تعيينك أمينا عاما للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مع بدء الإصلاحات السياسية، كيف تقرأ أنت ذلك؟

- في أول تصريح بعد تعييني قلت إن هذه الخطوة تندرج في إطار استراتيجية مندمجة للإصلاح، وتأكد ذلك بعد خطاب الملك، عندما أعلن عن البدء في الإصلاح الدستوري. وفي اعتقادي لن تكون هذه الخطوة معزولة عن المبادرة بإطلاق مجموعة من الإصلاحات بل وبتسريع وتيرة الإنجاز نظرا للظروف السياسية المحيطة بالمغرب في المنطقة العربية والمغاربية، ونظرا كذلك لما يطمح إليه الشعب المغربي والحركة الشبابية ببلادنا، حيث كان على الدولة أن تتفاعل مع هذه المطالب والطموحات للشعب وشبابه، لننتقل إلى مرحلة أخرى يحقق فيها المغرب نوعا من السبق مقارنة مع ما يجري في العالم العربي.

* أشرتم إلى الحركة الشبابية، وأود أن أسألكم حول مدى تأثير «حركة 20 فبراير» الشبابية المغربية، وعلاقتها بالإصلاحات، وتعيين المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟

- كثيرون من نشطاء حركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية، يعتبرون أن المغرب متقدم على ما يعرفه الوطن العربي على مستوى الحقوق والحريات، لدرجة أن البعض يعتقد أنه لا مجال للمقارنة مع عدد من الدول العربية، بالطبع طموحنا لا يقف عند هذا الحد، ولكن أن تتم مقارنتنا كذلك مع دول الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، بسبب القرب والمسافة الفاصلة بيننا، وينعكس هذا القرب علينا بشكل واضح في تأثرنا بجميع التيارات الفكرية بما في ذلك نمط العيش، وأيضا لأن لدينا حركة حقوقية مدنية وازنة، ولا بد من الإشارة كذلك إلى الصراع التاريخي الذي كان بين الدولة والمعارضة، كل هذا مجتمعا إضافة إلى ما يجري في العالم العربي وما يجري في بلادنا من تحركات شبابية يدعونا إلى أن نسرع بوتيرة الإصلاح في هذا المجال، لتجاوز السلبيات التي يعرفها المشهد الحقوقي ببلادنا.

*هل يمكن أن نتحدث فقط عن حركات الشباب دون الحديث عن المرجعية التاريخية لمطالب المعارضة في المغرب؟

- أعتقد أن ما يجري الآن من مبادرات رسمية هو نوع من التفاعل مع حركات الشباب ومع المطالب الاجتماعية بصفة عامة، وبالتالي أعتقد أن تفاعل الدولة الإيجابي والسريع مع هذه المطالب ربما يجنبنا ما يقع أو ما وقع في بلدان عربية أخرى من حراك أدى إلى أحداث عنف وسقوط عدد كبيرة من الضحايا وخسائر مادية، ونحن لدينا طموح أن يعيش المغرب نوعا من الانتقال الهادئ نحو الديمقراطية.

* أنتم كوجه معارض هل كانت لديكم شروط للقبول بالمنصب؟

- بكل تواضع، أعتقد أن تعييني كان إشارة في حد ذاته، لأني تلمست جيدا أن إعادة النظر في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وصدور مرسوم ملكي ينظم المجلس الوطني الجديد بصلاحيات ملموسة وأكثر تقدما لم يتمتع بها المجلس الاستشاري السابق، يعد بمثابة خطوة ليست معزولة، وهو ما جعلني بعد تفكير طويل أتخذ قرارا أعتبره قرارا شجاعا، وأتمنى من هذا الموقع، أن أكون في مستوى طموحات نشطاء حقوق الإنسان في بلادنا.

* ماذا قلتم خلال استقبالكم من طرف الملك؟

- كان استقبالا رسميا لم يدم طويلا، سمعنا فيه تمنيات الملك بما يخدم هذا البلد وما يخدم حركة حقوق الإنسان.

* وماذا قال لك العاهل المغربي؟

- ركز الملك على أننا سنعمل بكل حرية وبكل استقلالية.

* ماذا قصدتم عندما قلتم إنها مهمة «صعبة لكنها ليست مستحيلة»؟

- قلت إن المهمة «صعبة وليست مستحيلة» لأن هذا الأمر يتوقف على تعاون الجميع، والتقاء الإرادات المشتركة وتمتين العلاقات مع شركائنا في الحركة الحقوقية والمجتمع المدني وبمساندة جميع القوى السياسية ببلادنا، لنتجاوز جميع السلبيات التي يعرفها المشهد الحقوقي في المغرب، ومن أجل الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما، وكما يعلم الجميع الانتهاكات موجودة حتى في البلدان العريقة، لكن هناك آليات للحماية تتصدى لهذه الانتهاكات، لا يمكن أن نقول إننا سننتقل إلى مغرب بلا انتهاكات لكن من المهم جدا أن نؤمن أنه لنا أمل بأن نصل إلى مغرب من دون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لأن التجاوزات العادية توجد في جميع البلدان، والمهم أن تكون هناك آليات للتصدي لها وفي مقدمتها السلطة القضائية.

* نحن نتحدث عن آليات الحماية القضائية، ما هي الصلاحيات والسلطات الجديدة التي لدى المجلس؟

- من بين الآليات الجديدة هناك إمكانية التصدي التلقائي، مما يعني أن المجلس الوطني سيتلقى شكاوى وسيتعين عليه أن يجري بحثا وتحريا في مضمون هذه الشكاوى، بما في ذلك الاستماع إلى الأطراف والاستعانة بالشهود وهذه صلاحية جديدة، هناك من بين الصلاحيات الجديدة ما اصطلح عليه بالتدخل الاستباقي أو التصدي الاستباقي أثناء الحراك الاجتماعي، أو أثناء التوترات السياسية، ومن صلاحيات المجلس القيام بعمليات الوساطة والتوفيق تفاديا لحدوث أي تجاوز، كما أن هناك آليات أخرى تتعلق بالمراقبة من خلال الزيارات للسجون وأماكن الاحتجاج إلى جانب الآليات المنصوص عليها في المرسوم الملكي، والتي كانت متوفرة للمجلس الاستشاري السابق وهي نفسها المعمول بها لدى عدد من المنظمات والمجالس الاستشارية أو المؤسسات الوسيطة الوطنية المهتمة بحقوق الإنسان، مع مراعاة أنه هناك سلطات حكومية أخرى، لأنه لا بد من التمييز أن المجلس ليس هيئة قضائية وأن الحقائق القضائية هي أرقى من الحقائق الواقعية.

* لماذا تم تغيير اسم المجلس من الاستشاري إلى الوطني؟

- سيلاحظ الجميع، أن المجلس الاستشاري في صيغته الأولى ليس هو نفسه في الصيغة الثانية، أي ليس هو «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» لأن هناك نوعا من التدرج في إصلاح هذه المؤسسة وإعطائها نوعا من المكانة اللائقة والمتقدمة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في بعدها الكوني والشمولي، وسيلاحظ المتتبعون أن المجلس كان يضم وزراء وكان لهم الحق في التصويت داخله، ثم جاء مجلس يضم وزراء ولكنهم لا يتمتعون بحق التصويت، واليوم ليس هناك أعضاء من الحكومة في تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذا يعني أن هناك نوعا من التفاعل التدريجي سواء على مستوى الدور أو التركيبة، حيث سيتوفر على مواصفات تتوافق مع مبادئ باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية.

* كيف ستكون تمثيلية الشباب في تركيبة المجلس الجديدة؟

- سنحرص على أن تكون لنا تركيبة تراعي مقاييس معينة من بينها الكفاءة والقدرة والإدراك التام لمنظومة حقوق الإنسان، وأيضا تركيبة متعددة من الناحية الفكرية والسياسية، ومن ناحية أخرى، تعتمد مقاربة النوع الاجتماعي وبطبيعة الحال سيميزها عنصر الشباب.

* أثار تعيينكم انتقادات من طرف رفاق الأمس في اليسار.. كيف تردون على ذلك؟

- طبيعي أن تكون هناك انتقادات وتخوفات، لا بد لأي شخصية عامة أن يكون صدرها رحبا، أولا، للاستماع لهذه التخوفات والانتقادات والتحفظات، ثم التعامل بتفاعل مع الانتقادات الموضوعية وتجاهل الانطباعات السريعة، وهذا أمر طبيعي جدا.

* هناك ملفات حقوقية عالقة منها ملف معتقلي «السلفية الجهادية».. ما الذي ستقومون به في هذا الاتجاه؟

- جميع الملفات، سواء تعلق الأمر بالسلفية الجهادية أو الملفات الأخرى العالقة ستدرج على جدول أعمال المجلس، والتصور لا بد أن يضعه المجلس، ونحن لم نصل بعد إلى وضع تركيبة المجلس، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي تصور، المجلس يمثله الرئيس ويعمل إلى جانبه الأمين العام فلا بد أن نعتمد على العمل الجماعي، وفي إطار دينامكية الجماعة سنعمل على وضع المقاربات والتصورات لمعالجة جميع المواضيع سواء الجارية أو المواضيع العالقة.

* هناك تراجع لصورة المغرب الحقوقي دوليا بماذا تفسرون هذا التراجع؟

- المغرب استطاع بصورته الحقوقية، الحصول على صفة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، وهذا الموقع يحتم عددا من الالتزامات، أما بشأن التراجع فنلاحظ أن هناك تراجعا عالميا لحقوق الإنسان بصفة عامة، ومنذ أحداث 11 سبتمبر، بدأ منحى تراجعي عرفه العالم وعرفته بدورها البلدان العريقة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلم يكن أحد يتصور أنه سيوجد معتقل مثل معتقل «غونتانامو» على مرأى من العالم الغربي الديمقراطي، ويضم معتقلين من جنسيات أوروبية، وتنتفي داخله القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، وهو ما يتنافى كليا مع منطق العصر، مع ذلك كان هناك صمت للدول الأوروبية وكانت هناك مطارات لدول غربية استخدمت سرا لنقل عدد من المشتبه فيهم من أفغانستان إلى «غونتانامو» في ما يسمى بالرحلات القذرة، المغرب تأثر طبعا بتغير الأولويات العالمية والمنحى الجديد، لكن إجمالا، مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وهذا أمر لا يمكن أن ينكره سوى جاحد، هناك فترات تطور ابتداء من عقد التسعينات من القرن الماضي، وهناك نوع من الجمود، ولكن في المرحلة الحالية هناك مؤشرات قوية للانفراج من خلال هذه القرارات السياسية الجديدة التي تعرفها بلادنا.