أسبوع «المصالحة العرجاء» في العراق ينتهي بمقتل وجرح المئات

حزب المالكي تبرأ من تفاهماته مع فصائل مسلحة.. والتيار الصدري انتقدها

أقارب صباح البازي الصحافي العراقي الذي قتل في اقتحام مبنى محافظة صلاح الدين في تكريت الثلاثاء الماضي يبكونه عند قبره في سامراء أمس (رويترز)
TT

ما إن أعلنت 6 فصائل عراقية مسلحة عن نيتها إلقاء السلاح والانخراط في العملية السياسية، وذلك عبر مؤتمر صحافي عقده ممثلون لها في بغداد مع وزير المصالحة الوطنية الجديد عامر الخزاعي، حتى سجل الوضع الأمني تراجعا لافتا، لا سيما على صعيد الاغتيالات بالمسدس الكاتم للصوت أو بالعبوات اللاصقة والأخرى الناسفة.

الحكومة العراقية أعلنت على لسان الوزير أنها اتفقت مع هذه الفصائل على عدم البوح بأسمائها لأسباب كثيرة ومختلفة كان الأكثر تبريرا فيها أن الكثير من قياداتها لا يريدون أن يتسبب ذلك في إحراج لهم أمام جهات ومناطق معينة، أو لجهات أخرى في الوقت الحاضر على الأقل. غير أن من ظهر مع وزير المصالحة العراقي أمام شاشات التلفزيون ليعلن باسم عدد من هذه الفصائل إلقاء السلاح كان قد عرف بنفسه دون أن يشير إلى الجهة التي يمثلها. وسرعان ما بدأت الأنباء تتسرب عن الجهات أو الفصائل التي قيل إنها أعلنت موافقتها على الانخراط في مفاوضات مع الحكومة العراقية وكان من بينها كتائب ثورة العشرين وأنصار السنة وجيش المجاهدين وقسم من جماعة النقشبندية، الأمر الذي دعا كل هذه الفصائل وأخرى غيرها إما إلى إعلان براءتها من البيان الذي تم التوقيع عليه مع الحكومة أو تجديد التأكيد أنها لن تلقي السلاح ولن تتفاوض مع الحكومة.

وفي بغداد كانت الأجواء مختلفة لاستيعاب مثل هذا الحدث، مثلما كانت ردود الفعل هي الأخرى مختلفة. وكيل وزارة المصالحة الوطنية السابق سعد المطلبي، التي كانت تسمى في الحكومة الماضية «وزارة الحوار الوطني» كان قد أبلغ «الشرق الأوسط» ردا على ما حصل في الشارع عقب الإعلان عن الاتفاق مع ممثلي تلك الفصائل من تدهور أمني «بأن هذا يمكن أن يكون بمثابة رسائل سياسية تهدف إلى توفير ضغوط على الحكومة لكي تتفاوض معها».

وبينما بدت وزارة المصالحة الوطنية وكأنها تريد المضي قدما في مشروعها من خلال الإعلان عن نيتها إجراء مفاوضات مع جهات أخرى، من بينها جهات في الموصل ومناطق أخرى، فإن الأجواء داخل الكتل السياسية بدت متفاوتة من حيث التعبير عما حصل. ففيما اعتبر البعض أن الأسباب التي جعلت الفصائل «تتهافت» على المصالحة مع الحكومة هي تقليص أو ربما انتهاء التمويل الخارجي لها بسبب ثورات الـ«فيس بوك» التي تجتاح الساحة العربية، وبالتالي انكشاف الأغطية التي كانت تسترها، فإن جهات أخرى اعتبرت ما حصل من قبل الحكومة خارج التفاهمات واستهانة بدماء الضحايا العراقيين، مثلما ذهب إلى ذلك التيار الصدري الذي اعتبر أن ما حصل لا يمثل الكتل السياسية ولا الحكومة، وإنما هو مصالحة بين حزب الدعوة وحزب البعث. لكن حزب الدعوة ومن خلال قيادييه وحفاظا على ما يعتبره خوفا على رصيده الجماهيري نفى بشدة أن يكون تفاوض أو في نيته التفاوض مع حزب البعث.

عند هذا الحد بقيت ما تسمى «المصالحة الوطنية» في العراق عرجاء أو يتيمة.. فالصدريون الذين هم جزء من الحكومة ضدها قلبا وقالبا وحزب الدعوة الذي يقود الحكومة تبرأ من «تهمة» التفاوض مع البعث. وفي الوقت نفسه كررت قيادات بعثية بارزة براءتها من إمكانية عقد أية مفاوضات مع الحكومة بوصفها حكومة احتلال. والأدهى من ذلك أن الفصائل التي افتخرت وزارة المصالحة بأنها اتفقت معها على إلقاء السلاح والانخراط في العملية السياسية مع وعد من الحكومة بإسقاط حقها في الملاحقة مع احتفاظ الأفراد بحقهم الشخصي، أعلنت عدم اعترافهم بما صدر عن جهات اعتبروها لا وزن لها. وبالقياس إلى ما حصل دائما على صعيد المصالحة ومنذ مؤتمر القاهرة الشهير عام 2005 الذي احتضن أكبر مؤتمر للمصالحة في العراق ظلت هذه العملية تراوح مكانها في ظل فقدان الإرادة الحقيقية للمصالحة سواء من قبل الحكومة أو المسلحين.

واليوم ينتهي ما يمكن اعتباره أسبوعا للمصالحة الوطنية بهذا العدد الكبير من القتلى والجرحى في كل من بغداد وصلاح الدين سواء عبر ما حصل في تكريت من عملية نوعية للتنظيمات المسلحة وما تلاها من اقتحام غير مدروس بهدف تحرير الرهائن، الذي ترتب عليه قتلهم جميعا تقريبا، ناهيك عن عمليات الاغتيالات التي طالت في بغداد عميد كلية الطب في الجامعة المستنصرية الدكتور محمد حسين العلوان فضلا عن اقتحام سوق لصاغة الذهب غرب بغداد، وهو ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات وغيرها من العمليات الأخرى التي حصلت كلها في الأسبوع الذي افتخرت الحكومة فيه بأنها نجحت في استيعاب فصائل مسلحة لكي يتحقق المزيد من الاستقرار الأمني في البلاد في وقت لا يزال فيه الوزراء الأمنيون بين مطرقة نزاعات الكتل السياسية وسندان قوانين المساءلة والعدالة.