رئيس هيئة الأركان البحريني: أحداث البحرين رفعت سقف طموحات شعوب المنطقة لإيجاد جيش خليجي رادع

قال لـ «الشرق الأوسط» إن قوات «درع الجزيرة» ستبقى على المدى المنظور لحفظ أمن الخليج العربي

TT

في أول حوار صحافي لمسؤول عسكري بحريني منذ اندلاع الاحتجاجات في البحرين، أكد الشيخ اللواء الركن دعيج بن سلمان آل خليفة، رئيس هيئة الأركان، لـ«الشرق الأوسط»، أن القيادة السياسية البحرينية تعاملت مع الأحداث الأخيرة بحكمة بالغة ومرونة وكفاءة، ودرجة عالية من الهدوء وضبط النفس وسعة الصدر، موضحا أن إعلان حالة السلامة الوطنية أسهم في بسط الأمن والاستقرار، وحماية السلم الأهلي والاجتماعي، وتهيئة الأجواء الصحية أمام عودة الأنشطة الاقتصادية والخدمات التعليمية والصحية إلى طبيعتها، وتجنيب البلاد مرحلة خطيرة من الفوضى والانفلات الأمني. مشيرا إلى أن تغليب المصلحة العليا للوطن على الأجندة الخارجية والالتفاف حول القيادة الشرعية يقودنا نحو الخروج من الأزمة.

وأشار إلى الدور المحوري والاستراتيجي لقوات «درع الجزيرة» المشتركة في البحرين، ووصفه بأنه يمثل رادعا قويا لأي جهة تسول لها نفسها التدخل في الشأن البحريني أو وحدة وسلامة تراب مملكة البحرين، مؤكدا أن وجود القوات الخليجية بطلب من البحرين يمثل تجسيدا حقيقيا للتلاحم والروابط الأخوية بين حكومات وشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتفعيلا لاتفاقية الدفاع الخليجي المشترك الموقعة في ديسمبر (كانون الأول) 2000.

وبين الشيح دعيج آل خليفة أن امتداد حظر التجول إلى المياه الإقليمية في هذا التوقيت هو إجراء احترازي طبيعي لتأمين الحدود البحرية لمملكة البحرين من أي محاولات غير مشروعة للتدخل أو التسلل أو تهريب الأسلحة أو انتهاك السيادة الوطنية، خصوصا أن الظرف الإقليمي الذي تعيشه البحرين يستدعي أخذ الحيطة والحذر على الصعد كافة، من منطلق أن «الوقاية خير من العلاج».

* في البداية.. كيف تعاملت البحرين مع الأحداث الأمنية الأخيرة إزاء الاعتصامات والتطورات التي كادت تعصف بالبلاد وشعبها؟

- تعاملت القيادة السياسية البحرينية مع الأحداث الأمنية منذ انطلاقها في 14 فبراير (شباط) الماضي بمنتهى الحكمة والمرونة والكفاءة، وبدرجة عالية من الهدوء والعقلانية، منذ أن وجه الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد القائد الأعلى بتكليف الأمير سلمان بن حمد ولي العهد نائب القائد الأعلى مبادرة تاريخية لإدارة الحوار الوطني الشامل بمشاركة جميع أطياف المجتمع دون شروط مسبقة، توازت مع قيام الدولة ببادرة حسن نية متمثلة في انسحاب قوات الأمن من مناطق التجمع، والسماح بالتظاهر والاعتصام السلمي، وإطلاق سراح عدد من المحكومين، وإجراء بعض التغييرات الوزارية، ولكن هذه المبادرة المسؤولة لم تجد آذانا مصغية من جانب قوى المعارضة التي وصلت إلى حالة من الغلو والتطرف أكدت مطلب «إسقاط النظام» وتحقيق مطالب فئوية وطائفية دون اعتبار أو اهتمام برأي غالبية الشعب البحريني أو احترام للثوابت الوطنية ولمقومات بقاء الدولة ضمن الخصوصية السياسية لكل دول الخليج العربية، بل وصل الأمر بإحدى الحركات الإرهابية للكشف عن مخططها المشبوه لإعلان ما يسمى جمهورية إسلامية «طائفية» في البحرين، وما تبع ذلك من تحرك على الأرض ضمن مخطط مدروس ومعد مسبقا استهدف نشر الإرهاب وبث الذعر بين السكان ومحاولة الاستيلاء على مرافق الدولة المهمة مثلما حدث في مجمع السلمانية الطبي، وهو أكبر مستشفى في مملكة البحرين، وكذلك محاولة شل اقتصاد البلد من خلال الإضرابات في القطاعين العام والخاص وكبرى الشركات، وكذلك تعطيل الدراسة وإيقاف حركة المرور في أهم الشوارع بالعاصمة والمدن الأخرى، الأمر الذي استدعي معه ضرورة تدخل قوات الأمن لفرض القانون وإعادة هيبة الدولة وحماية المؤسسات والهيئات الحكومية من أعمال العنف والتخريب التي طالتها بشكل غير مسؤول.

* وما هي الخطط أو العوامل التي أسهمت في السيطرة على الوضع بأقل الخسائر الممكنة في الأرواح، مقارنة بالأحداث في البلدان الأخرى؟

- هناك عدة عوامل أسهمت في السيطرة على الوضع في البحرين، منها حكمة القيادة والتزامها بالحفاظ على بنية الدولة، ودعم الاستقرار والأمن في المجتمع، كذلك الفهم الصحيح لطبيعة هذه الحركة التخريبية العنيفة التي تتأكد لنا يوما بعد يوم طبيعتها الفئوية الإقصائية، وأنها حركة محدودة مدعومة من الخارج ولا تعبر عن غالبية الشعب البحريني المخلص والشريف، وهذا الفهم والوعي الحقيقي أدى إلى خروج ما يقرب من 350 ألف مواطن بحريني أكثر من مرة وهم يمثلون غالبية الشعب البحريني بمختلف أطيافه الدينية والطائفية لتأكيد رغبتهم في الأمن والاستقرار، واحترام شرعية نظام الحكم، وفقا لثوابت الدستور والميثاق الوطني، الأمر الذي كان له أبلغ الأثر في كشف حقيقة هذه المظاهرات الاحتجاجية للداخل البحريني أولا، ثم أمام المجتمع الدولي ووسائل الإعلام العربية والدولية ثانيا، وهو ما أدركه معظم المحللين السياسيين والإعلاميين والخبراء على مستوى العالم الذين تأكدوا من أن ما جرى في البحرين مختلف تماما عما جرى في بلدان عربية أخرى، لأن البحرين أساسا هي نموذج ديمقراطي فريد من نوعه في المنطقة، وبها حياة سياسية حقيقية ومؤسسات دستورية وقانونية مؤثرة مثل البرلمان بشقيه، مجلس النواب ومجلس الشورى، وكذلك المحكمة الدستورية العليا وديوان الرقابة المالية والإدارية.. إلخ، كما أن البحرين تتمتع بمساحة واسعة جدا من الحريات العامة والشخصية وحرية الإعلام في إطار احترام تام لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن شعبها يتمتع، شأنه شأن مواطني دول الخليج الأخرى، بمستوى معيشي مرتفع يفوق مستواه في كثير من دول العالم، ومنها دول أوروبية، مما ينفي الذرائع والحجج الواهية التي حاول البعض تسويقها لتبرير أعمال العنف والتخريب والانقلاب على ثوابت الدولة وتمزيق الوحدة والتآلف بين المواطنين، وكذلك فإن من العوامل المهمة التي دعمت جهود البحرين في التعامل المتميز في ما مرت به من أحداث، هو الدعم الواضح والقوي من جانب الأشقاء في دول الخليج الأخرى والمتمثل في صور كثيرة ومتنوعة، منها تفعيل الاتفاقيات المشتركة بخصوص قوات «درع الجزيرة» المشتركة، وكذلك الدعم الإعلامي والمعنوي الهائل الذي احتضن البحرين قيادة وشعبا من جانب أشقائهم في دول الخليج، وهو أمر ليس بغريب، فالكل يشترك في أواصر الدم والقرابة والهوية الواحدة والمصير المشترك، ولعل هذا من أهم الإيجابيات والفوائد المتحققة من وراء الأحداث التي شهدتها البحرين والأمل أن يستمر هذا الاتجاه الوحدوي بصوره كافة بين الأشقاء الخليجيين في مجالات كثيرة ومؤثرة.

* كيف تقيمون إجراءات حالة السلامة الوطنية (الطوارئ) حتى الآن؟

- من المعروف أن الملك أصدر المرسوم رقم (18) بإعلان حالة السلامة الوطنية في جميع أنحاء البلاد استنادا إلى المادة 36 فقرة (ب) من الدستور، اعتبارا من يوم 16 مارس (آذار) ولمدة 3 شهور، وكلف القائد العام لقوة دفاع البحرين سلطة اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية للمحافظة على سلامة الوطن والمواطنين، وحماية السلم الأهلي وسيادة القانون، وغيرها من الإجراءات التي قامت على تنفيذها قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني، ومثل الإعلان عن حالة السلامة الوطنية خطوة ملكية حكيمة لإحلال الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، وضمان سلامة المواطنين والمقيمين وحماية المنشآت الحيوية ووضع حد للانفلات الأمني، مع العلم بأن حالة السلامة أخف كثيرا من إعلان الأحكام العرفية، فهي مجرد حالة محدودة ومنضبطة لتحقيق الاستقرار الأمني فقط وليس لها أي تأثير على مقومات الحياة السياسية، فالبرلمان ما زال يمارس مهامه الطبيعية، وكذلك كافة المؤسسات الأخرى التي لها ارتباط بالحياة الديمقراطية في البلاد، كما أن الحريات مصونة وحرية وسائل الإعلام كذلك في مستواها الطبيعي دون وجود أي قيود أو عراقيل على عملها، الأمر الذي يعكس حرص القيادة السياسية على التوازن بين حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية دون مساس بالأمن والسلم الأهلي، وقد أسهم تعاون المواطنين مع قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني في استئناف الحياة الطبيعية تدريجيا، ومواصلة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، والأهم من ذلك هي عودة حالة الإحساس بالأمن والأمان لدى المواطنين مرة أخرى.

* كيف وجدتم تجاوب الشارع البحريني وتقيده بالتعليمات التي تهدف إلى حفظ الأمن؟ وهل تعتقدون أن فترة حظر التجول ستطول؟

- التجاوب كان أكثر من رائع وكان مشجعا، حيث إن إسهام قوة دفاع البحرين، ورجال الأمن العام، والحرس الوطني، في فرض القانون والتصدي لأعمال العنف والتخريب كان مطلبا أساسيا وملحا من جانب المواطن البحريني العادي، بل وحتى على مستوى نواب البرلمان والناشطين في مجال حقوق الإنسان والنخب السياسية والأكاديمية المثقفة والواعية، وذلك مرده إلى أن الشعب البحريني بطبعه يميل إلى التسامح والمحبة والهدوء، والبحرين على مدار التاريخ معروفة بأنها قبلة التعايش السلمي والحوار بين مختلف الأديان والمذاهب والحضارات، وبفضل من الله، ثم وعي وتحضر الشعب البحريني، فإن هناك التزاما واضحا بالتعاون مع رجال الأمن وحفظ النظام في مختلف ربوع البحرين بعد انحسار أعمال التخريب والعنف بشكل كبير، إن لم يكن قد انتهت تماما، وهو ما يتطلب الحفاظ على هذا الاستقرار وعلى نعمة الأمن والأمان التي هي من أهم النعم التي ينشدها أي إنسان على وجه الأرض من خلال ترسيخ روح الانتماء الوطني لدى غالبية الشعب البحريني ونبذ الأفكار والدعوات الهدامة التي تحض على العنف والإرهاب، والتصدي لمحاولات التخريب والخروج على القانون، حتى يعم الأمن والاستقرار وتعود العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين المواطنين في إطار الوئام الوطني والوحدة الوطنية والحرص على حماية المنجزات الوطنية والمكتسبات الإصلاحية.

أما بالنسبة لمسألة حظر التجول فهي مسألة منطقية وجاءت بصفة احترازية محدودة، فهي لم تشمل سوى منطقة صغيرة جدا في مدينة المنامة، العاصمة، في المنطقة الممتدة من جسر السيف إلى الإشارة الضوئية قبل جسر الشيخ عيسى بن سلمان، وهي المنطقة التي شهدت أعمال تخريب واسعة وإعاقة للمرور، وهي المنطقة التي تضم كذلك معظم وزارت الدولة والمؤسسات الاقتصادية والتجارية المهمة، أما باقي البحرين كلها فلم تخضع لقرار حظر التجول، بل إن هذا القرار نفسه تم تقليصه أكثر من مرة ووصل اعتبارا من يوم 27 مارس إلى 5 ساعات فقط من الساعة الحادية عشرة مساء وحتى الساعة الرابعة صباحا، وذلك نظرا لتحسن الأوضاع الأمنية في المنطقة المذكورة، مع منع التجمهر أو التجمع أو عقد المسيرات أو الاعتصامات في كافة أنحاء البحرين، وحتى تعود الأمور إلى طبيعتها.

* امتد حظر التجول إلى المياه الإقليمية.. هل يعني ذلك الخشية من تدخل أو تسلل أو تهريب أسلحة من قوى خارجية؟

- بالطبع.. امتداد حظر التجول إلى المياه الإقليمية في هذا التوقيت هو إجراء احترازي طبيعي لتأمين الحدود البحرية للبحرين من أي محاولات غير مشروعة للتدخل أو التسلل أو تهريب الأسلحة أو انتهاك السيادة الوطنية، خصوصا أن الظرف الإقليمي الذي تعيشه البحرين يستدعي أخذ الحيطة والحذر على الصعد كافة من منطلق أن «الوقاية خير من العلاج»، وقد أعلنت القيادة العامة لقوة دفاع البحرين في بيان لها عن منع مرتادي البحر وهواة الصيد من الحركة كليا اعتبارا من يوم 19 مارس من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا، وحتى إشعار آخر، وذلك في عدد من السواحل المحددة، من أجل تأمين المياه الإقليمية، فضلا عن ضمان سلامة الصيادين وتجنبا للمساءلة القانونية، وبالتأكيد فإن مثل هذه الإجراءات محل مراجعة دائمة وتقييم مستمر من أجل اتخاذ القرارات المناسبة تبعا لما يجري من أحداث وتطورات تهدف إلى الحفاظ على الإطار العام لسيادة الدولة وتأمين مصالحها الاستراتيجية.

* أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد، أن البحرين أحبطت مخططا خارجيا يستهدفها.. ما هي تفاصيل هذا المخطط؟

- بالفعل أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن إفشال مخطط خارجي يعود لأكثر من 30 عاما، كما أن وزير الداخلية البحريني أكد خلال جلسة البرلمان يوم 29 مارس، أن ما حدث مؤخرا هو استكمال لحلقات مخططات التدخل والارتباط الخارجي التي بدأت في ثمانينات القرن الماضي في قضية المحاولة الانقلابية الآثمة التي استهدفت الاستيلاء على الحكم عام 1981، والتي كانت مدعومة من إيران بحسب الاعترافات، واستمر في قضية ما يسمى بـ«حزب الله البحريني» والمؤامرة الإيرانية في أحداث التسعينات، وتكرر في قضية كشف عمليات التدريب ذات الطابع العسكري لمجموعات في منطقة الحجيرة بسورية عام 2008، وحديثا قضية الشبكة التنظيمية الإرهابية لقيادات ورؤساء المجموعات التخريبية التي استهدفت زعزعة أمن واستقرار البحرين عام 2010، ولم يكن هذا المخطط يستهدف البحرين وحدها، وإنما سائر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولا يفوتني هنا التأكيد على أن جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية في البحرين على أهبة الاستعداد لدحر كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار البلاد أو التسبب في ترويع الآمنين.

* وما هو موقف الحكومة البحرينية من التدخلات الأجنبية في شؤونها؟

- قدمت البحرين احتجاجا رسميا لدى منظمات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي على التدخلات الإيرانية في الشأن البحريني الداخلي، بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني وعدد من المسؤولين الإيرانيين، التي تتعارض مع مبادئ احترام حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والسيادة الوطنية ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما أدانت الحكومة التصريحات العدائية لأمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، وتدخله السافر في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين لخدمة أهداف خارجية ومخططات مدروسة.

* وكيف تعلقون على الزوبعة التي يثيرها البعض في الخارج حول وجود قوات «درع الجزيرة» المشتركة؟

- قوات «درع الجزيرة» المشتركة هي قوات عسكرية خليجية مشتركة جاءت إلى البحرين بدعوة من حكومة البحرين وفي إطار قانوني وشرعي، ودورها هو دور استراتيجي، يأتي تفعيلا لمهام الدفاع المشترك من أجل التحسب لأي عدوان أو تدخل خارجي قد تقوم به دول أو جهات إقليمية تسعى إلى بسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة، وعلى الرغم من أن هذا السيناريو مستبعد إلى حد كبير، فإن الأمن القومي للبلاد لا يقبل المغامرة أو المخاطرة، ولا بد من التحسب لجميع الاحتمالات، ولم يكن لتلك القوات أي دور في المعادلة السياسية التي تحكم البلاد، وبشكل عام فإن وجود قوات «درع الجزيرة» جاء انطلاقا من وحدة الهدف والمصير المشترك، وإيمانا بأن أمن واستقرار دول المجلس كل لا يتجزأ، وتعبيرا عن روح التضامن الجماعي وفقا لبنود النظام الأساسي للمجلس منذ تأسيسه في مايو (أيار) 1981، وكل المواطنين المخلصين في البحرين يشعرون بالفخر والاعتزاز لهبة قوات «درع الجزيرة» على أرض البحرين، بعد استجابة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقادة دول المجلس، باعتبارها تجسيدا حقيقيا للتلاحم والروابط الأخوية بين حكومات وشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكانت بالفعل مصدر سعادة لدى الشعب البحريني بجميع طوائفه ومكوناته، وطمأنتهم بخصوص التصدي لأي تهديدات خارجية، وبخاصة مع انشغال الأجهزة الأمنية البحرينية في بسط الأمن والاستقرار وحماية الممتلكات العامة والخاصة والمحافظة على أرواح المواطنين والمقيمين في مختلف ربوع البلاد، وقد أقرت المنظمات الدولية والإقليمية ومختلف دول العالم شرعية وجود هذه القوات العسكرية الخليجية المشتركة في البحرين وفقا لمبادئ وقواعد القانون الدولي، في إطار احترام الاتفاقيات والمعاهدات الجماعية، خصوصا أن هناك سوابق كثيرة لتدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحفظ الأمن والاستقرار والنظام العام في عدد من مناطق العالم، ومن بينها دول خارج الحلف.

* هل نجاح قوات «درع الجزيرة» المشتركة في التعامل كما يجب مع الأحداث يعد تطورا في المنظومة الخليجية العسكرية الموحدة؟

- قوات «درع الجزيرة» تشهد تطورا ملحوظا منذ إنشائها بقرار قمة المنامة الخليجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1982، وشاركت بجدارة في تحرير دولة الكويت الشقيقة، وتم الاتفاق في ديسمبر 2005 على تطويرها إلى قوات «درع الجزيرة» المشتركة بناء على اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولا شك في أن نجاح مهمتها في البحرين يشكل إضافة نوعية وتفعيلا لاتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون الموقعة في ديسمبر 2000، التي تضمنت إنشاء مجلس للدفاع المشترك ولجنة عسكرية عليا تنبثق منه، إلى جانب تنفيذ الكثير من المشاريع المشتركة في إطار المنظومة الخليجية العسكرية الموحدة، مثل «مشروع حزام التعاون» لربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي في دول المجلس آليا، و«مشروع الاتصالات المؤمنة» لربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات مؤمنة للأغراض العسكرية والتغطية الرادارية والإنذار المبكر، و«مشروع توحيد الأسس والمفاهيم»، إلى جانب التعاون العسكري في مجالات: الاستخبارات، والخدمات الطبية، والأمن البيئي، والحرب الإلكترونية، فضلا عن متابعة قرارات القمم الخليجية الأخيرة التي أقرت الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون وتطوير قدرات قوات «درع الجزيرة» المشتركة، والمشاريع العسكرية المشتركة، والتعاون في مكافحة تهريب الأسلحة.

* في ظل الأوضاع الراهنة.. ألا ترون أنه حان الوقت لتطوير قوات «درع الجزيرة» المشتركة، عدة وعتادا، لتكون الدرع الحصينة فعلا لدول المنطقة؟

- قوات «درع الجزيرة» المشتركة تشهد تطورا عمليا منذ عام 2007، وتمتلك حاليا أحدث المعدات والأسلحة والقوى البشرية المتميزة بأعلى مستوى من الجاهزية والاحترافية، فهي تضم تشكيلة من القوات المخصصة، وقوات التدخل السريع والدعم من قبل القوات الرئيسية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفق أعلى درجات التنسيق والتعاون العسكري والتدريب المستمر، بما يمكنها من تنفيذ مهامها في الظروف الطارئة بالكفاءة والسرعة المطلوبتين.

وتفخر قوات مجلس التعاون، وفقا لتأكيدات قائد قوات «درع الجزيرة»، اللواء الركن مطلق بن سالم الأزيمع (في حوار له مع «الشرق الأوسط») بامتلاكها ثاني أفضل قوات جماعية في العالم بعد حلف «الناتو»، من حيث امتلاك طائرات «إف 15» و«التيرنيدو» و«الميراج» و«التايفون»، وأحدث الدبابات والقوات البحرية، تماشيا مع الالتزام المستمر من قادة دول المجلس بتحديث قوات «درع الجزيرة» لتبقى، كما أكد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، «الدرع المنيعة لجميع دولنا الشقيقة، وقوة خير وأمن وسلام، ونموذجا للتعاون الشامل بين دول المجلس وشعوبها»، وهنا أشير إلى أن الأوضاع التي شهدتها البحرين قد ارتقت بسقف الطموحات والتطلعات البرلمانية والشعبية الخليجية إلى إنشاء جيش خليجي موحد لردع أي محاولات للعبث بأمن واستقرار دول المجلس.

* وما هي الرؤية المستقبلية والدور الذي ستضطلع به قوات «درع الجزيرة» المشتركة على صعيد الأحداث؟

- قوات «درع الجزيرة» المشتركة باقية في البحرين ما دام أن هناك تهديدات خارجية مستمرة لأمن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك اهتمام بتكثيف التدريبات المشتركة، وعلى المدى المنظور ستبقى هذه القوات بقرار سيادي من مملكة البحرين انطلاقا من مبدأ الأمن الجماعي والمحافظة على أمن واستقرار الخليج العربي، والتزاما بالاتفاقيات الأمنية والدفاعية الخليجية المشتركة.

* هناك من يرى أن وجود قوات «درع الجزيرة» المشتركة ما هو إلا بمثابة وحدات رمزية، خصوصا أن الأجهزة الأمنية البحرينية هي التي أسهمت في فك الاعتصامات ووضع حد للفوضى التي طالت الشارع البحريني؟

- بالفعل قوات «درع الجزيرة» المشتركة توجد في البحرين بوحدات رمزية تمثل كافة دول مجلس التعاون الخليجي الـ6، وبنحو 10% فقط من قوتها الحقيقية، غير أن وجودها مؤثر جدا، فهي من ناحية لا تتعرض إطلاقا للشأن الداخلي البحريني، ولكنها تقوم بجهود عظيمة ومشكورة في تحقيق الردع العسكري إزاء أي تهديد خارجي، وتؤكد في الوقت نفسه على رسالة وحدة الهدف والمصير بين دول الخليج العربية.

* أخيرا.. ما هي الحلول من وجهة نظركم لخروج البحرين من الأزمة الراهنة؟

- الأولوية في الوقت الحالي تتمثل في تحقيق الأمن والاستقرار والتعايش السلمي بين جميع طوائف المجتمع البحريني، وسيادة القانون والالتزام بحالة السلامة الوطنية وفقا للدستور، وتغليب المصلحة العليا للوطن على أي أجندات خارجية أو طائفية أو آيديولوجية، من أجل تهيئة الأجواء الصحية الملائمة أمام مواصلة مسيرة الإصلاح والتحديث والبناء وانتظام الخدمات الصحية والتعليمية والمشاريع التنموية دون أي عراقيل أو تهديدات، كما أن أي حراك سياسي في البحرين مستقبلا يجب يلتزم بالثوابت الأساسية التي لا يمكن الحياد عنها مطلقا والتي تمثل عوامل بقاء الدولة ككيان واحد مستقر ومستقل، مثل الالتفاف حول القيادة الشرعية ممثلة في الملك حمد بن عيسى آل خليفة، باعتباره رمزا للإصلاح واستقرار البلاد وفقا لدستور البحرين وميثاق العمل الوطني الذي أقره الشعب بنسبة 98.4 في المائة في فبراير 2001، مع ضرورة التزام كافة القوى السياسية والمجتمعية بتحمل مسؤوليتها في إعلاء صوت العقل والضمير في إطار دولة القانون والمؤسسات الدستورية، ووفقا للأطر الشرعية والقانونية المتاحة، ومواصلة مسيرة التجربة البرلمانية بغرفتيها، الشورى والنواب، بعيدا عن أي مشاحنات طائفية أو مزايدات سياسية.