مقتل أكثر من 10 ثوار في قصف «نيران صديقة» لقوات التحالف

الثوار الليبيون يتقدمون ويعلنون السيطرة على البريقة.. والحكومة الليبية ترفض عرض وقف إطلاق النار

ثوار ليبيا يفحصون آثار الهجوم الذي شنته طائرات الأطلسي قرب مدينة البريقة (شرق) على عناصرهم أمس (أ.ب)
TT

بينما نجح الثوار الليبيون في السيطرة على مدينة البريقة النفطية المهمة (600 كم شرق العاصمة طرابلس) وسط تراجع ملحوظ لقوات العقيد معمر القذافي، أوقع القصف المكثف لقوات التحالف الدولي أكثر من 10 قتلى، على الأقل، في صفوف الثوار، عن طريق الخطأ، وذلك بعد قصف المنطقة الشرقية لبلدة البريقة في وقت متأخر من مساء الجمعة الماضي.

يأتي ذلك في الوقت الذي رفضت فيه الحكومة الليبية عرض المجلس الوطني الانتقالي المعارض بوقف إطلاق النار والتوقف عن القتال مقابل السماح للمواطنين المقيمين في غرب البلاد بحرية التعبير.

واستطاع الثوار الليبيون، أمس، تحقيق تقدم ملموس في قتالهم ضد قوات العقيد الليبي معمر القذافي، واستطاع الثوار السيطرة على معظم مدينة البريقة الاستراتيجية، ومن بينها مصب البريقة النفطي، وذلك بعد معارك عنيفة استمرت أكثر من 3 أيام.

وقال شهود عيان: إن قوات القذافي تراجعت بشكل ملحوظ نحو الغرب، وإن جثثا متفحمة للعشرات من جنود قوات القذافي شوهدت ملقاة على الطرق المؤدية إلى بلدة البريقة الجديدة، إلى جانب سيارات مكشوفة تابعة للجيش الليبي وهي محترقة ومركونة على حافة الطريق، ويعتقد أنها ناتجة عن القصف الجوي لقوات حلف شمال الأطلسي.

في المقابل، أصابت ضربة جوية لقوات التحالف الدولي مجموعة من المعارضين على المشارف الشرقية لبلدة البريقة في وقت متأخر من مساء يوم الجمعة عن طريق الخطأ، مما أسفر عن سقوط أكثر من 10 قتلى، على الأقل.

وروى الثوار الليبيون هذه الواقعة، وفقا لـ«رويترز»، بالقول: «إن رجالا كانوا يصلون عند مقابر قريبة حُفرت مؤخرا ورفع عليها علم ليبيا التابع للثوار بألوانه الأحمر والأسود والأخضر، لكن بعض قوات القذافي تسللت بينهم وأطلقت نيران أسلحة مضادة للطائرات في الهواء، فردت عليهم قوات حلف شمال الأطلسي بالقصف، مما أصاب المعارضين بطريق الخطأ».

كان 13 شخصا قد لقوا مصرعهم وأصيب 7 آخرون في وقت سابق من مساء الجمعة عندما قصفت طائرات الناتو قافلة للثوار تضم 4 سيارات غرب مدينة أجدابيا، كما أشارت الحكومة الليبية من جانبها إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 12 آخرين إثر غارات بالمنطقة نفسها. لكن حلف شمال الأطلسي (الناتو) قال إنه يبحث حاليا التقارير حول هجوم شنته مقاتلات تابعة للتكتل العسكري على الثوار في ليبيا. وقالت المتحدثة باسم الحلف أوانا لونجيسكو، أمس السبت: «نحن نبحث هذه التقارير، نتلقى التقارير حول وقوع خسائر مدنية بصدمة كبيرة دائما». وأضافت: «إن هدف حلف الأطلسي خلال مهمته هو حماية المدنيين والمناطق السكنية».

وفي مصراتة، ثالثة كبريات المدن الليبية التي تبعد نحو 200 كم شرق طرابلس ويسيطر عليها الثوار، ما زالت جبهة القتال مشتعلة بشدة هناك، وقصفت قوات الناتو دبابة وعربات مصفحة لقوات القذافي، وقدر عدد القتلى بـ28 قتيلا خلال الـ3 أيام الماضية، على الأقل.

وقال سكان في المدينة: إن قوات موالية للقذافي هاجمت محلات تجارية ومساكن في وسط مصراتة باستخدام دبابات وقذائف صاروخية ومورتر وقذائف أخرى، لكن الثوار نجحوا في صد محاولة الكتائب للسيطرة على مركز المدينة.

وقال أحد السكان: إن قوات المعارضة صدت محاولة القوات الحكومية للسيطرة على مركز المدينة، لكن القوات الموالية للقذافي شنت بعد ذلك قصفا عشوائيا على ميناء المدينة وعلى وسطها.

ونقلت قناة «الجزيرة» عن متحدث باسم قوات المعارضة، يدعى عبد الباسط أبو مزيرق، قوله: «إن 5 أشخاص قُتلوا من بينهم طفل في السادسة من عمره في سيارة أصابتها قذيفة».

من جهة أخرى، رفضت الحكومة الليبية العرض الذي قدمه رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبد الجليل عبر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبد الإله الخطيب، الذي عرض فيه استعداد الثوار الليبيين لاحترام وقف إطلاق النار، بشرط أن توقف قوات القذافي هجومها على المدن التي يسيطر عليها المتمردون وتسمح للمواطنين المقيمين في غرب البلاد بحرية التعبير.

ووصف المتحدث باسم الحكومة موسى إبراهيم مطالب الثوار بأنها «تعجيزية»، وقال: «إنهم يطلبون منا أن ننسحب من مدننا، إذا لم يكن هذا ضربا من الجنون فأنا لا أعرف ماذا أسميه، أنا أؤكد: لن تنسحب القوات الحكومية من هذه المدن».

وأضاف إبراهيم أن «المتمردين لم يقترحوا السلام أبدا، بل إنهم يقترحون طلبات مستحيلة»، مؤكدا أن النظام الليبي لا يزال مستعدا للسلام والحوار.

واعتبر إبراهيم أن الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي ضد بلاده جرائم ضد الإنسانية، مشيرا إلى وقوع خسائر في صفوف المدنيين في قصف جوي بالقرب من مدينة البريقة.

وشنت قوات التحالف الدولي منذ يوم الجمعة غارات على مواقع حكومية في الخمس والرجبان في الجبل الغربي شمال غربي ليبيا، وفقا للتلفزيون الرسمي الليبي.

كان عبد الإله الخطيب قد أكد، أول من أمس، أن زيارته لليبيا تهدف إلى الاطلاع على الأوضاع الأمنية والإنسانية في المدن المحاصرة، خصوصا في مدينة مصراتة الساحلية التي تحاصرها القوات المؤيدة لنظام القذافي.

وقال الخطيب إنه اجتمع أيضا في طرابلس الغرب مع ممثلين للعقيد القذافي ونقل إليهم طلب الأسرة الدولية بضرورة حماية المدنيين، مضيفا أنه سينقل ما شاهد وسمع إلى الأمين العام بان كي مون حتى تتمكن المنظمة الدولية من تحديد ما يجب القيام به في المرحلة المقبلة.

وعلى صعيد قوات التحالف، أكد مسؤولون في البنتاغون أن الجيش الأميركي بدأ أول من أمس سحب مقاتلاته وصواريخه من مسرح العمليات العسكرية في ليبيا، بعد أن أعلنت واشنطن الاكتفاء بدور مساندة وتولي حلف شمال الأطلسي قيادة العمليات التي بدأت في 19 مارس (آذار) الماضي.

وقال الحلف: إنه تم تنفيذ 74 غارة جوية ضد ليبيا يوم الخميس، وهو أول يوم يتولى فيه الحلف قيادة العمليات العسكرية في ليبيا. وتسلم الناتو قيادة العمليات العسكرية من تحالف تم تشكيله بشكل ارتجالي وسريع بتنسيق من جانب الولايات المتحدة ولعبت فرنسا وبريطانيا أدوارا ريادية فيه. وقد أقلعت 3 مقاتلات من طراز «جي إيه إس غريبن» أرسلتها السويد للمشاركة في عمليات الحلف متوجهة إلى سردينيا، وستشارك على غرار 5 طائرات أخرى من الطراز نفسه وأخرى من طراز «سي 130 هركوليس» سويدية، اليوم الأحد، في غارات على الأرض.

ودعت ألمانيا والصين، الجمعة، إلى تجديد الجهود نحو تسوية سياسية سلمية للصراع في ليبيا. كانت الدولتان قد امتنعتا عن التصويت في مجلس الأمن الدولي قبل أسبوعين على قرار أقر فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا.

من جهة أخرى، أعلن علي الترهوني، الذي عينه المجلس الوطني الانتقالي الليبي مستشارا نفطيا، أن الثوار الليبيين أبرموا اتفاقا مع قطر لتسويق نفطهم الخام المستخرج من المناطق التي يسيطرون عليها مقابل الحصول على أغذية وأدوية ووقود. وقال: «إن حكومة قطر أعطت موافقتها وأكدت أنها ستبيع النفط الخام لحسابنا».

وقال الترهوني: إنه لا تزال لدى المجلس القدرة على إنتاج مليون برميل من النفط أسبوعيا من حقل الحريقة وحده بعد خسارتها حقول البريقة وراس لانوف. وطالب الأسرة الدولية بتوفير القروض لسداد حاجات المدنيين الغذائية والطبية، ناهيك عن المجهود الحربي الهائل الذي يرزحون تحته، كما رحب الترهوني أيضا بأي مساعدات من الدول التي وصفها بالصديقة.