الجيش الإسرائيلي يحول «عورتا» لمعتقل كبير لكشف ملابسات عملية «إيتمار»

أخضع كل أهالي القرية بمن فيهم النساء والأطفال للتحقيق

TT

حول الجيش الإسرائيلي قرية عورتا الهادئة قرب نابلس إلى ما يشبه معسكر اعتقال كبيرا، يخضع سكانه للتحقيق المستمر حول عملية لم يعرف هوية وقومية وخلفية منفذها بعد.

ومنذ 11 مارس (آذار) الماضي، عندما قام شخص مجهول باقتحام منزل بمستوطن إيتمار القريبة وقتل مستوطنا وزوجته وثلاثة من أطفاله ذبحا بالسكين، تفرض قوات الاحتلال طوقا خانقا على القرية وتمنع التجول فيها، وتقتحمها يوميا بحجة البحث عن منفذ الهجوم، الذي لم يعلن مسؤوليته عنه أي فصيل فلسطيني وإدانته السلطة.

وأمس اقتحم المئات من الجنود، القرية وهي نائمة، مجددا بحثا عن المنفذ المفترض، واقتادوا المئات من أهلها نصفهم من النساء (نحو 100 امرأة) إلى معسكرات اعتقال مؤقتة في العراء، حيث أخضعوهم للتحقيق مجددا وأخذوا بصمات أيديهم وعينات من لعابهم للمرة لإجراء فحص الـ«دي إن إيه» الذي لم يسبق أن لجأ له الإسرائيليون إلا مرة واحدة في الانتفاضة الثانية، عندما حاولوا اغتيال القائد في حماس محمود أبو الهنود في نابلس عام 2002.

وقال قيس عواد، رئيس مجلس قروي عورتا لـ«لشرق الأوسط»، «هذه أكبر حملة يشنها الإسرائيليون من بين حملات أخرى لأسباب واهية». وأضاف: «لقد اعتقلوا 100 امرأة وأضعاف ذلك من الرجال واقتادوهم إلى ساحات مفتوحة حولوها إلى معسكرات اعتقال، حققوا معهم، وأخذوا بصماتهم وعينة من لعاب كل منهم، وحاولوا إجبارهم على التوقيع على أوراق باللغة العبرية لكنهم لم يوقعوا».

وجرب الضباط الإسرائيليون مرة أخرى تخويف أهل القرية، حسب سامر عواد الذي يعتقل للمرة الثالثة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قالوا لي أنت متهم بقتل 5 مواطنين إسرائيليين، فضحكت، وهددوني بتعريضي لجلسات كهرباء في محاولة منهم لتخويفي». وأضاف: «قلت لهم أنتم تبحثون في المكان الخطأ، منفذ العملية لا يمكن أن يكون فلسطينيا، يقال إنه عامل أجنبي، فلم يعجبهم الكلام، ثم أخذوا بصمات الأصابع وبصمات اليدين وعينات من اللعاب وصورة شخصية». ووصف سامر ما تعرض له بالمذل، وقال: «عندما رأيت النساء والرجال كبار السن شعرت بالعجز والإذلال، كان هذا عقابا وتنكيلا جماعيا». وبحسب سامر، فقد سمع الجنود يتحدثون حول نيتهم اعتقال كل سكان القرية البالغ عددهم 6000 لإخضاعهم لنفس الإجراءات.

ومثل غيرها فوجئت الحاجة أم نياز، باقتحام منزلها بعد العاشرة ليلا، واعتقالها مع غيرها وإخضاعها للتحقيق وأخذ عينة من لعابها وبصمات أصابعها قبل الإفراج عنها.

وقالت أم نياز إن المحقق الإسرائيلي سألها عن رأيها في العملية، فقالت إن «أي فلسطيني لا يستطيع تنفيذها، بسبب الإجراءات المعقدة هناك»، وأضافت موجهة كلامها للمحقق: «يعني كيف بدو يصل الفلسطيني.. بالطيارة».

وجاء اعتقال أم نياز بعد اعتقال أولادها الثلاثة، نياز وشادي وبلال الذين ما زالوا معتقلين منذ أسابيع.

وقالت أم نياز: «إنهم يتعمدون إذلال وتخويف الناس، يقتحمون منازلنا ليلا.. لقد هاجموا منزلي 7 مرات، وفي كل مرة يفتشون كل شيء حتى الأطباق وطناجر الضغط». وأضافت: «والله حتى النوم مش عارفين نناموا».

ومنذ الشهر الماضي تخضع عورتا لنظام منع التجول بالإضافة إلى إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، وقال عواد: «الحياة معدومة، هناك خوف مستمر، الناس أصبحت تلتزم بيوتها مبكرا، وتوقفت عن الذهاب إلى الأراضي المغلقة أو المصادرة، لقد ضربوا اقتصاد القرية». ويرى الفلسطينيون أن إصرار السلطات الإسرائيلية على إلصاق التهمة بهم، لا يعد أكثر من محاولة لاستغلال الموقف، وأجرت السلطة سلسلة اتصالات بدول غربية لوقف ما سمته بـ«التنكيل الإسرائيلي الهمجي بأهالي عورتا».

ووصف وزير الخارجية رياض المالكي ما تتعرض له القرية بأنه محاولة مكشوفة لحفظ ماء الوجه، مشيرا إلى إصرار إسرائيل على اتهام الفلسطينيين بعملية ايتمار، التي استنكرتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة. وأضاف، في بيان أمس، «بعد انقضاء ما يقارب الشهر على التحقيقات الإسرائيلية، في عملية ايتمار المقامة على أراضي عورتا، آن الأوان لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يكف يده عن القرية، ويخرج للعالم ويعتذر للشعب الفلسطيني عن جرائمه واتهاماته لهم».

وطالب المالكي الولايات المتحدة والرباعية الدولية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف العدوان المتواصل الذي تتعرض له هذه البلدة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال المالكي: «إن الهجوم المتواصل الذي تقوم به قوات الاحتلال على قرية عورتا بحجة البحث عن مرتكبي عملية إيتمار، جزء لا يتجزأ من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وأن ما تتعرض له عورتا يشكل عدوانا صارخا وعقوبات جماعية للمواطنين وخرقا لكافة الاتفاقات والقوانين والأعراف الدولية وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة».

وتساءل المالكي: «إلى متى ستبقى بلدة عورتا تحت النيران الإسرائيلية بحجة البحث عن الفاعلين؟.. ألا يكفي قوات الاحتلال العينات التي أخذتها من كافة المواطنين لفحص دي إن إيه، وما هو المقصود من استهداف الرجال والنساء والأطفال في البلدة وبشكل متواصل».