مستشارة أوباما للشؤون الإسلامية: الديمقراطية في مصر ستغير المنطقة بكاملها

داليا مجاهد لـ «الشرق الأوسط»: اليأس أكبر خطر على الثورة المصرية.. وواشنطن تعمل على مراجعة حساباتها وسياستها في المنطقة

TT

نفت الدكتورة داليا مجاهد، المدير التنفيذي لمركز «غالوب - أبوظبي» للدراسات الإسلامية وبحوث الرأي العام مستشارة الرئيس الأميركي أوباما للشؤون الإسلامية، بعض المخاوف من أن ما يشهده العالم العربي من ثورات هو مخطط أميركي للسيطرة على الشرق الأوسط. مشيرة إلى أن ما حدث وما يحدث في عدد من البلدان العربية شكل مفاجأة للإدارة الأميركية، وأنها (أميركا)، على حد قولها، «محتاسة» وتعمل على مراجعة حساباتها وسياستها.. وأكدت في حوار أجرته معها «الشرق الأوسط»، على هامش زيارة قامت بها مؤخرا لمصر، أن الدكتور محمد البرادعي المرشح للرئاسة في مصر، ليس رجل أميركا. وقالت «هذا الكلام غير واقعي بالمرة، فالبرادعي ليس رجل أميركا، كما يشاع».

وأعربت مستشارة أوباما عن أنه فاتها نصف عمرها، لأنها لم تشارك كمصرية في الثورة مع المتظاهرين في ميدان التحرير. وأشارت إلى أن الثورة المصرية لم تنجح بعد. محذرة من أن يستسلم المصريون لليأس، لأنه أكبر خطر على الثورة.. وإلى نص الحوار:

* ما سبب زيارتك لمصر في هذا التوقيت؟

- السبب الرئيسي لوجودي في مصر الآن هو رغبتي في رؤية مصر بعد الثورة، ومشاهدة التغيير ومعايشته والتحدث مع الناس لمحاولة فهم ما يشعرون به، والسبب الثاني هو مشاركتي في مؤتمر «العلاقة بين العرب والغرب وتأثير الإعلام على الحوار»، الذي عقد يوم الأربعاء الماضي بجامعة الدول العربية، وموعده كان محددا من قبل قيام الثورة. فأنا هنا بصفتي الشخصية، وبصفتي المدير التنفيذي لمركز «غالوب» بأبوظبي وواشنطن، وليس لي وضع رسمي بالنسبة للبيت الأبيض، ولا أمثله بأي شكل من الأشكال.

* هل قابلت أحدا من المسؤولين في الحكومة المصرية؟

- طلبت مقابلة الدكتور عصام شرف، رئيس الحكومة، للمناقشة معه حول الأبحاث والدراسات التحليلية التي يقوم بها مركز «غالوب»، لاستطلاع آراء الشعب المصري، والتعرف على مطالبهم وأولوياتهم، خاصة الدراسة الأخيرة التي خرجت إلى النور قبل أسبوع، والخاصة بتحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية في مصر قبل ثورة 25 يناير، وذلك لفهم أسباب اندلاع الثورة، لتفاديها عند رسم السياسات المستقبلية. كما عرضت عليه استعداد مركز «غالوب» لتقديم يد العون للحكومة المصرية في مهامها، خاصة أن المركز يقوم بعمل دراسات وإحصاءات حول مصر منذ عام 2005، وبالفعل رحب، وكلف الدكتور محمد الجندي، نائب رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بالتعاون معنا.

* ما أهم النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة؟

- أهم نتيجة خلصت إليها الدراسة أن الفقر والبطالة بمفرديهما ليسا سببا لاندلاع الثورة المصرية، فالرغبة في التغيير هي القوة الحقيقية التي دفعت بالثورة. فالإحصاءات أثبتت أن هناك فرقا كبيرا جدا بين طموحات الشعب المصري في تحقيق الديمقراطية، وممارستهم الفعلية للديمقراطية على أرض الواقع، حيث أشارت الدراسة إلى أن 88 في المائة من الشعب المصري يرغبون في تحقيق الديمقراطية لإيمانهم بأنها تساعد في التقدم، وهي أعلى نسبة بين الدول الإسلامية كلها، متفوقة على إندونيسيا وبلاد أخرى تنعم بالديمقراطية، وعلى الرغم من ذلك فإن 4 في المائة فقط من المصريين هم من قالوا إنهم يعبرون عن آرائهم للمسؤولين، وهي أقل نسبة بين شعوب العالم، وذلك بسبب فقد الثقة في المسؤولين بدليل أن 28 في المائة فقط هم من قالوا إن لديهم ثقة في نزاهة الانتخابات.

* وهل هذه المؤشرات جعلتك تتوقعين قيام ثورة في مصر؟

- الثورة كانت مفاجأة لنا جميعا في مركز «غالوب»، على الرغم من كل هذه المؤشرات، فنحن نعلم أن هناك غضبا شديدا في الشارع المصري من الأوضاع الحالية والنظام، ولكن لم نتخيل أنهم سيثورون، كنا نشعر بأنهم سيتقبلون الأمر الواقع ويتكيفون معه، أو ستكون هناك طرق أخرى للتعبير عن الغضب غير الثورة، مثل إخراج إحساسهم بالغضب على بعضهم بعضا، أما أن يتجمعوا فلم نتوقع ذلك، لأنه قبل الثورة كنت أرى أن الأغلبية العظمى من الشعب خائفة.

* ما ردك على بعض المخاوف بأن ما يشهده العالم العربي من ثورات هو مخطط أميركي للسيطرة على الشرق الأوسط؟

- هذه المخاوف غير منطقية بالمرة، لأن الوضع في مصر قبل الثورة كان مرضيا جدا لأميركا، لأنهم يعرفون حسني مبارك وسياساته وواثقون فيه جدا، بدليل وقوف أميركا وإسرائيل بجوار مبارك، منذ اندلاع الثورة وحتى آخر لحظة، فالسياسة المصرية كانت قبل الثورة مع أميركا، فلماذا يؤيدون ثورة لا يعلمون ماذا سيترتب عليها؟ وهل المقبل سيكون معهم أم ضد مصالحهم؟ فمصلحة أميركا مع الاستقرار الذي يقوده شخص يقوم بتنفيذ كل ما ترغب فيه، أما الآن فعليها أن تتعامل مع شعب بكامله وإقناع 80 مليون شخص بالسياسة الأميركية، بعد أن كان هناك شخص واحد مقتنع بسياساتهم ومصالحه معهم، ولكن الشعب مصالحه لن تكون دائما مع السياسة الأميركية. فعلى العكس، الإدارة الأميركية «محتاسة» وتعمل على مراجعة حساباتها وسياستها مع مصر.

* إذن ما الذي جعل أميركا تغير موقفها وتؤيد الثورة؟

- أميركا اضطرت لذلك بعدما أثبت الشعب المصري للعالم أجمع أنه لن يقبل بأقل من الديمقراطية الكاملة، فأيقنت أن القوة القادمة للشعب، وبالتالي فليس من مصلحتها أن يشعر الشعب المصري بأنها وقفت مع الديكتاتور ضد الديمقراطية، فتتولد عداوة بين المصريين والإدارة الأميركية. فأميركا في النهاية مع مصلحتها وتتعامل مع الواقع، والواقع يقول إن الشعب المصري استطاع تغيير نظام مبارك الذي كان موجودا وقويا لمدة 30 سنة.

* حدثينا عن الكواليس في البيت الأبيض إبان الثورة؟

- لم يكن هناك موقف واحد للإدارة الأميركية، فكان هناك رأيان، رأي مع الديمقراطية بشكل كامل، ومن أول يوم يرغبون في تدعيم المتظاهرين بشكل واضح وقوي، ويقومون بالضغط من الداخل لاقتناعهم بأنه يجب الوقوف مع المتظاهرين، الذين خرجوا للمطالبة بالديمقراطية، وعلى استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل تحقيقها. أما الرأي الثاني فكان يقول الديمقراطية «على عيني ورأسي»، ولكن مبارك يحمي السلام مع إسرائيل، ولا نعرف ماذا سيحدث بعده،

* وماذا عن موقفك الشخصي من الثورة؟

- قلبي كان من أول يوم مع المتظاهرين، لإحساسي بأنهم على الحق، ولكنني لم أتوقع أن تتحول المظاهرات التي خرجت يوم 25 يناير (كانون الثاني) إلى ثورة، وكنت خائفة جدا على المتظاهرين من الاعتقال والتعذيب، وكنت قلقة أيضا على وضع البلد بعد هذه المظاهرات، لأن الحكومة ستفرض المزيد من القيود، وبالتالي ستتحول حياة الناس لجحيم. ولكن يوم 28 يناير (جمعة الغضب) أيقنت أنها ثورة حقيقية، بعدما نجحوا في حشد مليون مواطن في ميدان التحرير، وهو الأمر الذي كنت أعتبره دربا من الخيال.

* هل فكرت في الحضور لمصر والمشاركة في الثورة؟

- فكرت مثل أي مواطن في الطريقة المثلى التي يمكن أن أفيد بها مصر، فأنا فرد واحد من الممكن أن أحضر وأقف في ميدان التحرير مع المتظاهرين، وكنت وقتها سأشعر بالسعادة النفسية، خاصة أنني أشعر بأنه فاتني نصف عمري لعدم مشاركتي في الثورة، لكن لم أستسلم لمشاعري هذه، وفكرت في أنه لا يوجد أحد يستطيع توصيل صوت المصريين للإدارة الأميركية، ولكن أنا أستطيع، وبهذه الطريقة سأفيد مصر بطريقة أفضل، وقد تعود بالنفع على الثورة. لذا قررت يوم 28 يناير الذهاب لأميركا، وأرسلت أكثر من بريد إلكتروني لمسؤولين أعرفهم في الإدارة الأميركية، وأبلغتهم بأن مركز «غالوب» لديه معلومات مهمة جدا ستفيدهم في فهم ما يحدث في مصر، فوجهوا لي الدعوة للحضور وعرض البحث أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، وقابلت السيناتور جون كيري والسيناتور لوجر، وتحدثت مع شخصيات أخرى أعرفها في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس لعرض البحث الذي أجراه المركز حول تحليل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر قبل الثورة على أكبر عدد من المسؤولين الأميركيين.

* هل تخشى أميركا من الظهور القوي لجماعة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية المصرية بعد الثورة؟

- أحب أن أوضح أمرا هو أن أميركا لا تخشى من جماعة الإخوان المسلمين، بسبب كونها جماعة إسلامية، خاصة أنها غير مدرجة لدى أميركا ضمن المنظمات الإرهابية، فأميركا ليست ضد الإسلاميين على الإطلاق، بدليل أنهم غير قلقين من الإسلاميين في ماليزيا وإندونيسيا، فالخوف من «الإخوان» سببه الخوف من زيادة التعاطف مع غزة والقضية الفلسطينية، وهو بالطبع في غير صالح إسرائيل.

* ما الاستراتيجية التي ستتبعها أميركا مع مصر في الفترة المقبلة من وجهة نظرك؟

- طريقة تعامل أميركا مع مصر ستختلف تماما بشكل إيجابي في الفترة المقبلة، وأعتقد أنها ستتبع سياسة أقرب لسياساتها مع تركيا، وهي سياسة المصالح المشتركة، لأن مصر ستصبح مثل تركيا، ذات قوة ووزن في المنطقة بفضل شعبها الذي لا بد أن يكون راضيا عن السياسات المتبعة.

* هل الثورة المصرية غيرت سياسة أميركا في المنطقة؟

- بالتأكيد، فالثورة المصرية غيرت سياسة أميركا تجاه مصر ومبارك بطريقة واضحة جدا، بدليل أنها بعدما كانت تؤيد مبارك تخلت عنه، فضلا عن تغيير سياسة إسرائيل في المنطقة، بدليل عدول إسرائيل عن ضرب إيران، بعدما فقدت دعم مبارك لها، فالشعب المصري استطاع تغيير سياسات مهمة جدا وفرض تغييرات سياسية، فالديمقراطية في مصر ستغير المنطقة بكاملها.

* هل حقا تدعم أميركا الدكتور محمد البرادعي للفوز في انتخابات الرئاسة؟

- هذا الكلام غير واقعي بالمرة، فالبرادعي ليس رجل أميركا كما يشاع، فهو وقف ضد أميركا في حرب العراق، ومن يقول غير ذلك لا يعرف التاريخ، وأعتقد أن المذكرات الخاصة به، التي ستظهر قريبا سوف توضح موقفه من أميركا بخصوص إيران والعراق، فهو ليس رجل أميركا بأي صورة من الصور.

* هل نجحت الثورة المصرية في رأيك؟

- الثورة المصرية لم تنجح بعد، ويجب أن يدرك المصريون أنهم لم يقطعوا سوى 5 في المائة فقط من طريق نجاح الثورة، فالثورة ما زالت في بدايتها ولم تنته، حققت شيئا مهما ولكن ما زال أمامها مهام كثيرة، فيجب مقاومة اليأس والملل، لأنهما أكبر خطر على الثورة، فعلى الشعب استعادة قوته وقدرته على الاستمرار في طريق الثورة بتذكر الإنجاز التاريخي الذي تم تحقيقه.