مخاوف من تداخل صلاحيات الشهرستاني ووزير النفط

مسؤول برلماني لـ «الشرق الأوسط»: إذا كان بغرض فرض إرادات فهو مرفوض

TT

طوال الحكومات العراقية الأربع التي تشكلت بعد عام 2003، كانت الصلاحيات بين رئيس الوزراء ونوابه والوزراء واحدة من أعقد القضايا التي لم يتم حسمها حتى الآن.

حصل هذا في حكومة الدكتور إياد علاوي، حيث كان موضوع الصلاحيات التي يمكن أن تمنح لنائبه آنذاك برهم صالح، واحدة من الأمور التي احتاجت أول الأمر إلى تدخل سياسي لحسمها قبل أن يتم بناء ثقة بين الرجلين تمكنا خلالها من إكمال فترتهما بطريقة التوافق الثنائي قبل الصلاحيات «الدستورية»، حيث لم يكن الدستور قد كتب بعد، بل هناك فقط قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية. وتكرر الأمر إلى حد ما في حكومة إبراهيم الجعفري، التي لم تعمر طويلا، ليأخذ الموضوع أكثر مجالاته الخلافية خلال الحكومة الماضية التي ترأسها نوري المالكي. وثانية تكررت قصة الصلاحيات مع برهم صالح أيضا الذي لم يتمكن، على ما يبدو، من بناء علاقة شخصية مع المالكي موازية لتلك التي بناها مع علاوي، فكان يكتب للمالكي، وفي ظل وجود الدستور العراقي الدائم الذي أقر عام 2005، وطبقا لما رواه في مذكراته لـ«الشرق الأوسط» العام الماضي «بناء على الصلاحيات غير المخولة لي».. القصة اليوم تتكرر، ولكن على نحو آخر، وبطريقة قد تبدو فيها معايير مزدوجة.

فأحد نواب رئيس الوزراء، وهو القيادي في القائمة العراقية صالح المطلك يبدو الآن دائم الشكوى من العمل مع المالكي، بسبب عدم وضوح الدستور في الصلاحيات. فالدستور العراقي الذي لم يجر تعديله حتى الآن بسبب الخلافات السياسية، مصمم على أن لا يمنح الصلاحيات لأحد. فلا رئيس الجمهورية صلاحياته واضحة ولا توجد صلاحيات محددة لرئيس الوزراء، بل الأدهى من ذلك أنه لا يوجد في العراق، طبقا للدستور، منصب رئيس وزراء، بل يوجد منصب رئيس مجلس الوزراء، وهو ما يعني أن الصلاحية للمجلس لا للرئيس. لكنه في الوقت الذي وجد فيه رئيس الوزراء منفذا دستوريا واسعا، وهو كونه قائدا عاما للقوات المسلحة، حيث يمنحه الدستور صلاحيات مطلقة، فإن أمر نوابه لا يبدو قابلا للحسم ما دامت عملية اختيارهم تمت بناء على الصفقات السياسية والتوافقات.

ولعل المفارقة الأكثر لفتا للنظر تكون في قصة العلاقة بين رئيس الوزراء نوري المالكي ونائبه الحالي حسين الشهرستاني، وزير النفط السابق، وبين الشهرستاني نفسه ووزير النفط الحالي عبد الكريم لعيبي، الذي كان نائبا للشهرستاني في الحكومة الماضية. فالمالكي حرص على أن يحتفظ الشهرستاني بحقيبته كوزير للنفط، ولكن عادت الخلافات السياسية المزمنة لتقف حائلا دون تمكن الشهرستاني من الاحتفاظ بحقيبة النفط الذهبية ولا المالكي تمكن من إقناع الأكراد والصدريين به. وعندما تم استوزار لعيبي، كواحد من القلة من وزراء الحكومة الحالية ممن ينطبق عليهم وصف التكنوقراط، فطبقا لما يجري تداوله حاليا، فإن الوزير الذي يتمتع بصلاحيات جيدة في إطار وزارته، طبقا للقوانين العراقية، لا يجد نفسه يمارس هذه الصلاحيات التي سلبها منه نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الذي لا يتمتع، بموجب الدستور، بأي صلاحيات. وحيث إن العلاقة بين المالكي والشهرستاني جيدة جدا، فكلاهما ينتمي إلى ائتلاف انتخابي واحد (كتلة دولة القانون) والشهرستاني هو رئيس كتلة مستقلون، ضمن دولة القانون، فإنه لا يجد ثمة مشكلة في التعامل مع مبدأ الصلاحيات غير الموجودة أصلا في حيثيات مجلس الوزراء. وبسبب هذه العلاقة المتينة ولأنه مسؤول شؤون الطاقة التي تضم وزارتي النفط والكهرباء، فإن هذا أتاح للشهرستاني، كما يقول بعض منتقديه، «الاستيلاء» على كامل صلاحيات الوزير المختص إلى الحد الذي بدا فيه الشهرستاني وزيرا، لكن بدرجة نائب رئيس وزراء.

وفي هذا السياق، يقول عضو البرلمان العراقي عن التحالف الوطني فرات الشرع وهو عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان، حول التداخل في الصلاحيات والمهام بين وزير النفط ونائب رئيس الوزراء، وذلك في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: إن «هناك بالفعل تداخلا واضحا في عمل نائب رئيس الوزراء ووزير النفط ونأمل أن لا يكون هذا التداخل على حساب المصلحة العامة». مشيرا إلى أن «قانون النفط والغاز وضع الآن بصيغته النهائية على طاولة لجنة الطاقة داخل البرلمان، وسيرفع إلى البرلمان للمباشرة في قراءته ومن ثم إقراره، وهو ما يحتاج إلى تركيز ووضوح في هذا الشأن من قبل الوزارة المعنية». وبخصوص التداخل في الصلاحيات والمهام بين الشهرستاني ولعيبي، قال الشرع: إن «هناك تداخلا في الرؤى، ولكن يجب أن نفرق بين نوعين من التداخل، حيث هناك تداخل قانوني، وهو أمر مقبول ولا غبار عليه، وقد يكون إيجابيا، لكن المرفوض هو عندما يكون التداخل بغرض فرض إرادات، وهنا فإن هذا التداخل لا يخدم أحدا، ونتمنى أن تسير الأوضاع في قطاع النفط والطاقة بانسيابية، نظرا لخطورة هذا القطاع الحيوي بالنسبة للمواطن». وحول ما إذا كان هذا التداخل في الصلاحيات يمكن أن يؤثر على عملهم البرلماني، قال الشرع إننا «نعمل على أن لا يكون مؤثرا، وبالفعل فإننا استضفنا وزير الكهرباء ووزير النفط بحضور الشهرستاني، بالإضافة إلى أننا نضع اللمسات الأخيرة على قانون النفط والغاز، حيث إننا ما زلنا نرفض ما يتضمنه مشروع القانون من بعض الفقرات التي لا تزال خاضعة للنقاش».