رسامو الكاريكاتير في العراق: كنا نخشى القانون والآن الخارجين عليه

«الشرق الأوسط» تحاور 3 من أبرزهم

رسم كاريكاتيري لخضير الحميري عن مهلة المائة يوم التي منحت للوزراء لتحسين أداء وزاراتهم.. ورسم آخر عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من تحول العهود والأنظمة السياسية التي مرت بالعراق طوال أكثر من نصف قرن من الزمان وما شهدته الصحافة العراقية من تحولات هي الأخرى، بدءا بالعهد الملكي فالأنظمة الجمهورية المتعاقبة، فإن الكاريكاتير ظل القاسم المشترك بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي أو ثقافي في العراق.

وفي ظل أكثر الفترات صعوبة، التي مرت بها الصحافة العراقية، فإن رسام الكاريكاتير ظل قادرا على اقتناص لحظة هاربة من زمن الخوف ليتمكن من توظيفها في رسم قد يكون أحيانا حتى من دون تعليق، ولو بمفردة واحدة، ولكنه يؤدي معاني كثيرة. الصحافة العراقية أنجبت عددا كبيرا من رسامي الكاريكاتير طوال العقود الأربعة الماضية، مثل عباس فاضل ومؤيد نعمة وكفاح محمود وأحمد الربيعي ووليد نايف وحمودي عذاب وغازي عبد الله وخضير الحميري وعلي المندلاوي وعبد الرحيم ياسر وآخرين. وإذا كانت التحولات السياسية، التي مرت على العراق طوال العقود الماضية، ظلت في حدود الانقلابات العسكرية حينا والثورات حينا آخر، وما أسسته من أنظمة حكم جديدة، إلا أن ما حصل بعد عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي كان شيئا مختلفا تماما. وإذا كان المزاج العراقي، شعبيا وثقافيا، قد طاله تغيير كبير، فإن السؤال الذي يظل مطروحا هو: إلى أي حد أثر هذا التحول الخطير على واحد من أهم الفنون الصحافية في العراق وهو فن الكاريكاتير الصحافي؟

«الشرق الأوسط» جلست على طاولة 3 من أبرز رموز هذا الفن الصحافي في العراق اليوم، ممن كانوا ولا يزالون لهم تأثير لافت في هذا المجال وهم: علي المندلاوي، وعبد الرحيم ياسر، وخضير الحميري. يقول المندلاوي بشأن أهم المواضيع التي يجري التركيز عليها الآن في صحافة الكاريكاتير في العراق، إن «مواضيع الفساد الإداري، والسياسي، والمالي تحتل الدرجة الأولى من اهتمام المجموعة الفاعلة على الساحة الصحافية العراقية، ونزاع الأطراف السياسية الفاعلة في الساحة على السلطة هي أبرز موضوعين تناولهما الكاريكاتير، خاصة بعد تراجع خطر الإرهاب».

خضير الحميري يشاطر المندلاوي الرأي قائلا، إن «الفساد يتصدر قائمة المواضيع الساخنة للكاريكاتير العراقي، إضافة للبطالة، وشحة التعيينات واقتصارها على ذوي القربى وذوي (الحزبى)، وفشل الحكومة في تقديم أبسط الخدمات، وإحاطة الأحياء السكنية بالجدران العازلة، وزرع سيطرة بين كل سيطرة وسيطرة، للسيطرة على تسرع المواطنين، والكفاءات من ذوي الشهادات المزورة، وألعاب الكشف عن المتفجرات.. والقائمة لا تنتهي».

أما عبد الرحيم ياسر فلا تكاد تبتعد إجابته عما قدمه زميلاه، لا سيما على صعيد الفساد المالي والإداري، حيث يقول «يتناول الهموم المحلية بشكل عام، ومنها السياسة وحرب الكراسي والفساد، كما يتناول الخدمات وزحام السيارات والفوضى والقواطع الخراسانية».

وحول الموقع الذي يحتله الكاريكاتير في الصحافة العراقية، فإن الإجابة، وإن كانت متباينة نوعا ما، إلا أنها لامست الإطار العام لمهمة هذا الفن. فالمندلاوي يرى أن المسألة نسبية، وتتصل بعملية الاستقرار، قائلا إن سؤالا كهذا يمكن أن «يوجه إلى صحافة بلد مستقر تكون الحياة فيه طبيعية، والصحافة المطبوعة فيه تصل إلى القارئ بشكل سلس، وتكون حاضرة تُباع في الساحات والميادين والشوارع، كما هو الحال في بقية بلدان العالم. فبخلاف مدن إقليم كردستان، يشكل توزيع الصحف والمجلات وإيصالها إلى القراء معضلة كبيرة جدا، ولهذا لا يمكن قياس تأثير، أو موقع الكاريكاتير أو الصحافة عموما، على الجمهور».

أما الحميري، فيرى أن وسائل التواصل الحديثة وفرت «فرصة كبيرة لرسام الكاريكاتير للإفلات من مطبات المسموح والممنوع في صحافتنا التقليدية، حيث تكفي ضغطة (داونلود) واحدة ليصبح بعدها الكاريكاتير في متناول عيون القراء وتعليقاتهم، بعيدا عن رقابة من يريد أن يراقب، أو معاتبة من يريد أن يعاتب، فضلا عن الإمكانات الفنية التي تتيحها تقنيات الكومبيوتر لرسام الكاريكاتير، والتي تجعله حاضرا في دهاليز الـ(يوتيوب) ومنعطفات الـ(فيس بوك) و(زنقات) الـ(تويتر)».

من جهته، يرى عبد الرحيم ياسر أن «الكاريكاتير لا يزال منظورا، بدليل وجوده في معظم الصحف والمجلات المهمة، وفي العراق فقد توسعت قاعدته بوجود عدد كبير من المنشورات، فضلا عن أهميته للقارئ اليومي، رغم التنافس مع وسائل النشر الإلكتروني، والأصل في الكاريكاتير هو وجود المفارقة، وهي لازمة لفطنة الإنسان وإلماحه العقلي، والكاريكاتير تكثيف لهذه الفطنة». وحول مدى تأثير الكاريكاتير وموقعه، يقول المندلاوي إنه من خلال عمله «وجد صدى طيبا من الجمهور، وعدد ممن تناولتهم بالرسم من أقطاب العملية السياسية العراقية تمثل في اتصال عدد منهم بإدارة الصحيفة، وإبداء إعجابهم بالرسوم، وتأييدهم لما احتوته من جرعة نقدية ساخرة، ووصل الأمر بأحد نواب رئيس الجمهورية في الحكومة السابقة إلى دعوتي شخصيا للقائه، وفي المقابلة أبدى الكثير من التفهم لدور الكاريكاتير البناء، واستعداده الشخصي، ومن موقعه كنائب للرئيس للدعم والرعاية في أي وقت».

الحميري يشاطر المندلاوي الأهمية التي يحتلها الكاريكاتير في الصحافة العراقية حاليا، قائلا «تعود قارئ الصحف في العراق البحث عما يقوله رسام الكاريكاتير، لأنه يتوقع منه رأيا صريحا يلامس الوقائع التي يعيشها (وسواء كان رسام الكاريكاتير على مستوى التوقع أو على مستوى التقوقع نتيجة لظروف قاهرة)، فإن الكاريكاتير في الصحافة العراقية يحظى بمتابعة جيدة من قبل القارئ العادي، رغم تراجع جماهيرية الصحافة الورقية في كل أرجاء المعمورة».

بدوره، يقول ياسر «لا تخلو معظم الصحف والمجلات المهمة من الكاريكاتير، حيث صارت هناك قاعدة كبيرة من الرسامين اليوم وبمستويات مختلفة، وهذا يعكس اهتمام صانعي الصحف والمجلات بهذا النوع، ويعكس فعاليته، كما يعكس اهتمام القارئ بمطالعته، وعلى الصعيد الشخصي، لمست ذلك من خلال السؤال والاهتمام والنقد أحيانا». وحول ما إذا كان المسؤولون العراقيون يصغون للكاريكاتير، فقد تفاوتت الإجابات بصدد ذلك، إذ يرى المندلاوي أن بلدا مثل العراق «لا تزال فعاليات سياسية مهمة في الحكومة وخارجها مسلحة تكشر عن أنيابها للنقد، فضلا عن تلك الفصائل التي تعمل تحت مظلة العقائد، وتلك التي تؤمن بالإرهاب مسلكا، ومعروف الكم الكبير من الاغتيالات والقتل المتعمد للصحافيين في العراق، كما حصل أن أجهزة في الدولة قامت خلال المظاهرات الأخيرة باعتداءات صارخة على الكثير، لذا فإن مخاوف رسام الكاريكاتير، وهو رأس الرمح في عملية النقد، موجودة وجدية، ولا يمكن تجنبها، فالعبوات ومسدسات كواتم الصوت والصورة وغيرها من وسائل في المرصاد». ويرى الحميري أن «المسؤول يبحث عما يرضي نرجسيته من مديح وتلميع، خاصة لدينا في العراق، ورسام الكاريكاتير لا يجيد هذه ولا تلك، والمخاوف لدى رسام الكاريكاتير موجودة، خاصة مع سطوة الميليشيات المنظورة أو غير المنظورة، وهالة القداسة التي يحيط بها البعض شخصياتهم، وعلى الرغم من عدم وجود خطوط حمراء معلنة، فإن الرسامين والعاملين في الصحافة عموما يتعثرون يوميا بهذه الخطوط».