بعد مرور اكثر من أربعة اسابيع على انفجارات نيويورك وواشنطن، يبدو ان مواقف الفعاليات السياسية والمدنية المغربية لا تزال متباينة بين التبني الضمني للاطروحة الاميركية في مواجهة حركة طالبان وتنظيم القاعدة التي يتزعمها اسامة بن لادن، والتي تعتبر من المنظور الاميركي شكلا جديدا لـ«الارهاب الدولي العولمي»، وبين تبني اطروحة مضادة تدعو الى اقامة مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الارهاب والاتفاق حول مضامينه والرؤوس المدبرة له واعتماد مقاربة شاملة للتصدي لمناصريه في كل موقع في العالم.
وفيما تتسارع الاحداث العسكرية والسياسية بين افغانستان وواشنطن، فان عملية الرجوع بالاشياء الى مسبباتها وتحديد المسؤوليات تبقى مسألة لازمة، وهذا ماسعت اليه الندوة العلمية التي نظمتها مجلة «وجهة نظر» بمساهمة مؤسسة فريدريك نومان، وتميزت بمشاركة فعاليات مغربية وأخرى اميركية تمحورت اشغالها حول: دلالات وابعاد سبتمبر (ايلول) في الولايات المتحدة، ثم تداعيات الحدث على المشهد العربي والاسلامي.
وأوضح نبيل الخوري القنصل العام الاميركي في المغرب ان الولايات المتحدة تواجه اليوم حالة جديدة من «عولمة الارهاب» الذي اضحى مسؤولية كل دول العالم وليس الولايات المتحدة لوحدها.
وقال «ان الاعمال الارهابية التي عرفتها الولايات المتحدة خلفت حسب آخر الاحصائيات مقتل ما يزيد عن 6000 مواطن من 50 دولة، وان النتائج المقبلة للعمليات ستصل الى 20 حتى 30 الف طفل في العالم بسبب المساعدات التي كانت تقدم لهم، اضافة الى الخسائر المالية الكبرى التي حصدتها معظم الشركات الاميركية التي توجد انشطتها بمركز التجارة العالمي.
واعلن القنصل الاميركي عن وجود استراتيجية اميركية قيد التنفيذ تقوم على القيام بحملة دولية منظمة وعلى كل الجبهات للتصدي لكافة اشكال الارهاب والعنف. واكد ان ليس هناك من له رغبة داخل الولايات المتحدة في مواجهة الاسلام. فهذه الحرب، يضيف نبيل الخوري، حرب جميع الشعوب ضد التطرف، واميركا لم تشرع في العمليات الجوية ضد افغانستان الا بعد ان ضمت الى جانبها حلف الشمال الاطلسي وروسيا والصين و 56 بلدا اسلاميا.
وأبدى الخوري، استغرابه من كونه لم يتلق بطاقة شكر واحدة بعدما تدخلت قوات الولايات المتحدة في يوغوسلافيا لايقاف المجزرة الممنهجة ضد الشعب البوسني انذاك، في حين ان ما وقع يوم الثلاثاء الاسود في اميركا، ورغم حالات الفزع لم يلاحظ اي موقف واضح وصريح للتضامن من قبل العديد من الشعوب والامم مع اميركا.
ومن جهته، اعتبر محمد جاري استاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ان ماوقع في اميركا من انفجارات دموية يؤشر لأزمة جديدة في العلاقات الدولية في مرحلة مابعد الثنائية القطبية، ورغبة السياسة الخارجية الاميركية في تأسيس نظام أحادي القطب، وشدد على ان الاستراتيجية الاميركية المرسومة لم تضع في اعتبارها عنصر «الارهاب والدمار الشامل»، الذي يرفض النظام الدولي الجديد بزعامة الولايات المتحدة . فهذه المعارضة ـ في رأي جاري ـ لم تأت من الدول وانما من مجموعات معارضة ترفض العولمة، وليس لها اية تقاطعات مصلحية مع السياسة الخارجية الاميركية.
وفي السياق ذاته، تساءل ابراهيم ابراش استاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط عن الاهداف الحقيقية للولايات المتحدة في افغانستان، هل هي ضرب حركة طالبان وتنظيم القاعدة وزعيمها بن لادن، ام ان لها اهدافا اكبر ضد كل مسلم يمتلك تصورا مغايرا للتعريف الاميركي للارهاب. وقال ان اميركا الآن تقدم نفسها كزعيمة للعالم، لكنها لم تستطع ان تكون ذلك المستبد العادل الذي يتجاوز سياسة المواقف المزدوجة، ويفسر الاحداث حسب مصالحه الجيوسياسية. وانتهى ابراش الى القول ان صورة العرب والمسلمين قبل احداث 11 سبتمبر (ايلول) كانت سلبية بسبب اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في الاختيارات العامة للسياسة الخارجية تجاه الدول العربية والاسلامية. ولعل هذا ماعبرت عنه مداخلة حسن الحداد استاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والتي رصد من خلالها الانعكاسات الثقافية والنفسية للمواطن الاميركي الذي وجد نفسه في موضع الضحية امام خصم غير معروف.
واوضح ان «الفكر المؤامراتي» هو السبب في حالة الانفصال الحاصلة بين جهل الغرب العميق للاسلام في اصوله الصحيحة، وكون هذا الاسلام ضحية تأويلات متعددة ساهم فيها الاعلام الغربي نفسه وجماعات الضغط الصهيونية التي قدمت وتقدم الاسلام للاميركيين في صورة نمطية استشراقية لا تخلو من منظور عدائي واضح.
واضاف الحداد «ان النزعة الانعزالية للمواطن الاميركي لم تعد ذات جدوى، وحالات الاسلاموفوبيا التي ساهم في اذكائها صامويل هيتنغتونغ في اطروحته حول صراع الحضارات، وفوكوياما في مؤلفه حول «نهاية التاريخ»، كلها عوامل ساعدت في رسم مستقبل العالم في صورة صراع سياسي وحضاري بين الغرب والاسلام في حين كان المطلوب هو تحويل حالة الصراع الى حالة حوار حضاري مفتوح يؤمن بشروط الحوار، ويؤمن بالدور التاريخي للافراد والاحداث مع التمكن من ادوات الاتصال والتواصل والاقناع.
ومن جهته، اكد امين الركالة رئيس جمعية «البديل الحضاري» الاصولية المعتدلة ان الفوضى التي عرفها العالم بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، توضح ان الامر لا يتعلق بحرب بين قوتين دوليتين، وانما بعمليات ارهابية ضد دولة تعد اكبر قوة في العالم، ومن قبل خصم غير محدد الملامح.
وقال «ليس هناك حرب حضارية بين الغرب والاسلام في هذه الحالة، لان اميركا ليست ممثلة للغرب، ولم تقم بعملياتها الجوية ضد افغانستان باسم الدين وتحت يافطة المسيحية، وان بن لادن ليس زعيما ولا ممثلا للاسلام»، والقضية مكتملة برأي الركالة تنحصر في «انعدام الثقة بين الغرب والمسلمين، فالغرب يخاف من الاسلام لانه لم يعرفه بعد، وحركة طالبان وبن لادن يمثلان مفهوما خاصا وتصورا للاسلام ليس بالضرورة ان يكون عليه الاجماع».
وعن تداعيات هذه الاحداث على المشهد العربي والاسلامي خاصة القضية الفلسطينية، سجل ابراش وجود تحول جزئي في الموقف الاميركي تجاه القضية الفلسطينية، من خلال التصريح الاخير للرئيس جورج بوش الابن باقامة الدولة الفلسطينية شريطة الاعتراف بدولة اسرائيل، لكن هذا الموقف الاميركي الجديد ـ يضيف أبراش ـ لم يتم إلا بعد ان أدرك الساسة الاميركيون بان مصالحهم الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط اضحت مرهونة بتسوية ملف الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، من خلال تنفيذ مقررات اوسلو، وهذا المنحى الجديد في السياسة الاميركية اعتبره العربي المساري وزير الاعلام المغربي السابق، مكسبا مهما يمكن استغلاله من خلال تحسين الموقف التفاوضي للشعب الفلسطيني امام الاسرائيليين عبر تبني مفهوم شامل للارهاب.