وزير الإسكان المغربي يتحدث عن خطة طموحة للقضاء على السكن العشوائي في 40 مدينة مغربية

توفيق حجيرة لـ «الشرق الأوسط» : مراكش وطنجة واجهتا ركودا عقاريا بسبب «السكن الفاخر»

أحمد توفيق حجيرة
TT

أقر أحمد توفيق حجيرة وزير الإسكان المغربي بأن خطة طموحة وضعت في منتصف التسعينات كانت تهدف إلى القضاء، خلال بضع سنوات، على مدن الصفيح (العشوائيات) في البلاد، لم تحقق المرجو منها. وقال إن ذلك البرنامج حقق نجاحا في بعض المدن، وركودا لافتا، بل فشلا في مدن أخرى.

وقال إن هناك 83 مدينة مغربية معنية بموضوع القضاء على أحياء الصفيح، 43 مدينة منها تخلصت من العشوائيات بصفة نهائية، في حين أن 40 أخرى توجد بها ست مناطق تطرح بالفعل مشكلات عويصة، وهي الدار البيضاء والرباط ومراكش والقنيطرة (شمال الرباط) والعرائش (شمال) وجرسيف (شرق). وقال حجيرة في حوار مع «الشرق الأوسط»: إن المشكلات في هذه المدن لها علاقة بالعقار والتمويل، لكنه عبر عن تفاؤله بشأن مستقبل البرنامج في باقي المدن، مشيرا إلى أن هناك 30 أسرة فقط تعيش في بيوت الصفيح في وجدة (الشرق)، في حين يصل العدد إلى 300 أسرة في مراكش، و600 أسرة في مكناس (وسط).

وأوضح حجيرة أن المغرب شرع تطبيق سياسة «السكن الاجتماعي» منذ عام 1995 في عهد الملك الحسن الثاني، حيث تقرر تشييد شقق تدعم الدولة تكلفتها، وتستفيد منها شرائح اجتماعية فقيرة ومتوسطة، مشيرا إلى أن البرنامج عرف تعثرا في البداية، ولم ينطلق فعليا إلا عام 1999 عندما ابتدع المغرب مبدأ الإعفاء الضريبي لكل من يشيد 5000 شقة وما فوق، لكنه لم يعط نتيجة، ثم تقرر تخفيض العدد إلى 3500 شقة وأعطى نتائج محدودة، وبعد ذلك تقرر تخفيض العدد عام 2001 إلى 2500 شقة، وعرف البرنامج نجاحا لكنه تركز في المدن الكبرى وانحصر في المقاولات الكبرى.

وقال حجيرة إن القانون حدد سعر الشقة بـ22 ألف دولار، وهو سعر لم يتحرك منذ 1995 حتى نهاية البرنامج عام 2008، على الرغم من أن مواد البناء ارتفعت، وكذا الأيدي العاملة وأسعار الأراضي، لكن السعر ظل ثابتا كما نص على ذلك القانون، وأدى تثبيت السعر إلى تفشي ظاهرة التملص الضريبي، أو ما يعرف في المغرب باسم «النوار»، وذلك بتقديم مبالغ خارج الاتفاق القانوني المكتوب على الورق، وأيضا تقليل الجودة بهدف خفض التكلفة.

وأشار حجيرة إلى أنه، وطبقا لذلك البرنامج أنجز المغرب ما يقارب 240 ألف شقة من عام 1995 وحتى عام 2008. وقال إن الملك محمد السادس طلب من الحكومة بعد انتهاء فترة البرنامج الأول، وضع برنامج جديد، بحيث حدد سعر شقق (السكن الاجتماعي) بمبلغ 250 ألف درهم، أي 27 ألف دولار كحد أقصى، كما طلب إنشاء مناطق للعيش الكريم، يتوافر فيها السكن والمرافق الضرورية. وتوقع حجيرة أن يعرف البرنامج الجديد إقبالا منقطع النظير، وقال في هذا الصدد: «خلال بضعة أشهر فاق عدد الشقق المرخص لها 110 آلاف شقة، منها 65 ألف شقة اجتماعية». وأوضح أن البرنامج الجديد سيسمح للمغرب بمضاعفة عدد شقق السكن الاجتماعي أربع مرات، ليس فقط في الكم، بل أيضا على مستوى النوع، لأنه لأول مرة تشتمل شروط البناء على شروط تتعلق بالجودة، والسلامة، مع تحديد المسؤولية لكل واحد، وكذا التزام الدولة بمسألة التراخيص وآجالها.

وردا على سؤال حول ما يلاحظ أحيانا من فتور في وتيرة الإنجاز وضعف على مستوى المراقبة، بل وزيادة في عدد وحجم أحياء الصفيح، أجاب حجيرة: «كل هذا صحيح، والظاهرة موجودة بالفعل، ولا يمكن نفيها، ولكن يجب الإقرار في المقابل بأن الأمور لم تعد بنفس الحدة، لأن الدولة أصبحت تعي الآن، وأكثر من أي وقت مضى، خطورة الظاهرة، وبالتالي أصبحت الجهود متضافرة لاستئصال المشكلة».

وزاد قائلا: «الملك أشرف بنفسه على بدء برنامج خاص لتوفير السكن لنحو 230 ألفا من قاطني أحياء الصفيح». وأكد أن شعار «مدن من دون صفيح» يمكن أن يتحقق، لكن «يجب على جميع الأطراف أن تتحمل مسؤولياتها، لأن البرنامج يعتمد على مبدأ التعاقد».

وعبر حجيرة عن تفاؤله، مشيرا إلى أن مليونا و650 ألف نسمة يقطنون في أحياء الصفيح، ووصلت نسبة إنجاز شقق لائقة إلى 68 في المائة قبل انطلاق البرنامج الجديد الذي دشنه العاهل المغربي مؤخرا في الدار البيضاء. ويعتقد المسؤول المغربي أن بلاده «أصبحت نموذجا يحتذى عربيا وأفريقيا بشأن القضاء على العشوائيات». وقال «عدد سكان الصفيح في العالم وصل الآن إلى مليار نسمة، ومن المحتمل أن يصل العدد تلقائيا إلى مليارين عام 2030، ذلك أن جميع دول العالم تشهد ارتفاعا غير مسبوق في عدد أحياء الصفيح، لكن الأمور في المغرب تسير بطريقة عكسية، بحيث تتقلص أحياء الصفيح».

ووجه توفيق حجيرة الدعوة للمستثمرين في العالم العربي للمجيء إلى المغرب للتعرف على هذا البرنامج الاستثنائي، الذي يحظى بدعم مباشر من الدولة. وقال «لا نطلب منهم سوى زيارة بلادنا والتعرف على البرنامج». وأضاف «على سبيل المثال سيلاحظون أنه يمكن الاستفادة من إعفاءات من جميع أنواع الضرائب والرسوم لمدة عشر سنوات». ومضى قائلا: «أقترح عليهم الاهتمام بالموضوع والتعرف على خصوصيات البرنامج والدخول في شراكة مع القطاع الخاص المغربي الذي أثبت قدرته على إنجاز برامج كبرى للسكن الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد».

وردا على سؤال حول ما يقال بشأن بعض الإحباط الذي يصيب المستثمرين بسبب تعقيد الإجراءات الإدارية، قال توفيق حجيرة: «لا يوجد ما يبرر الحديث عن الإحباط، لأن المغرب من الدول القليلة التي تتوافر على مؤسسة خاصة لدعم الاستثمارات الأجنبية، ومؤسسة وطنية لدعم الاستثمار بصفة عامة، وهذه المؤسسة تجتمع بشكل دوري تحت رئاسة رئيس الوزراء من أجل دعم المشاريع الاستثمارية واضحة المعالم، ولم يسجل على المغرب أنه رفض أي ملف استثماري مستوف للشروط القانونية المطلوبة. وهناك مسألة مهمة وهي مسألة الاستقرار السياسي والنظام الملكي الذي يضمن الاستمرارية في الرؤى الاستراتيجية، نحن لسنا في منطق دولة تغير برنامجها وأولوياتها كل خمس سنوات بمناسبة انتخاب رئيس دولة، على سبيل المثال دعا الملك إلى اعتماد مبدأ الاستمرارية في الإعفاء الضريبي منذ عام 2000 إلى عام 2010، خلال هذه المدة تشكلت ثلاث حكومات، هذا التميز هو إيجابي جدا بالنسبة للاستثمارات الأجنبية». وشدد حجيرة قائلا: «لا أعرف أن هناك مشروعا استثماريا في المغرب وواجهته ظروف غامضة أو ضبابية عرقلت تنفيذه، صحيح أننا نقر أحيانا بوجود بعض الإجراءات المعقدة، المرتبطة بمنح رخصة السكن، وجميع المنعشين العقاريين، سواء مغاربة أو أجانب، يعانون طول إجراءات الترخيص، وهذا مرده إلى المرجعية القانونية التي تتحكم في مسألة الترخيص، وإذا كانت هناك مشاريع عربية استثمارية في المغرب تعرف عراقيل، فأنا مستعد لدراستها حالة بحالة».

وبشأن وجود انخفاض وتيرة الإنعاش العقاري والمضاربات العقارية في بعض المدن، قال حجيرة: «هناك مدينتان مغربيتان عرفتا انخفاضا في وتيرة الإنعاش العقاري وركودا في السوق العقارية، وهما طنجة ومراكش، هاتان المدينتان لم تعنيا فقط بالطلب الداخلي، بل عملتا على جذب استثمارات خارجية، سواء من طرف أجانب أو مغاربة يعيشون في الخارج، وكانت هناك مشاريع (منازل وعمارات) تفوق الطلب، كما أن المدينتين ركزتا على السكن الفاخر أو المتوسط، وبالتالي اصطدمتا مع حقائق جديدة، وهي تغيير الأولويات لدى الأوروبيين والمغاربة في الخارج بسبب الأزمة العالمية، وبالتالي أصبح اقتناء المنزل الثاني من الخيارات المستبعدة، ونظرا لأن المدينتين تخصصتا في السكن الراقي والمتوسطي، فلم تجدا في السوق المحلية والدولية زبائن كما كان الوضع من قبل، وبالتالي تراجع الطلب في المدينتين، وبالتالي عرفتا ركودا، لكن الأمر يختلف بالنسبة للسكن الاجتماعي».