رد الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة على الانتقادات التي طالت أعمال الجهات المعنية بالأعمال الاجتماعية، والمتضمنة بطء استجابتها لمبادرات التنمية الاجتماعية بإعلانه عن تبني جمعية ماجد بن عبد العزيز للتنمية والخدمات الاجتماعية لمقترح إنشاء بنك المبادرات الاجتماعية، وذلك في غضون سبع دقائق فقط من طرح الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية له خلال جلسة حملت عنوان «حوار مع مسؤول»، في ثاني أيام منتدى التنمية الاجتماعية أمس.
جاء ذلك خلال مناقشة محور تقصير وزارة الشؤون الاجتماعية في تقديم جوانب القصور الموجودة في المجتمع السعودي إلى الشركات الكبرى والأفراد الراغبين في تنمية برامج المسؤولية الاجتماعية من خلال أعمالهم، وذلك من أجل منع هدر أموالهم وإنفاقها في أوجه قد لا تعود بالنفع.
ووصف الدكتور يوسف العثيمين طرح هذا المحور بـ«ملامسة جرح» باعتباره حلما يراود الوزارة، وهو ما دفع به إلى تكرار مطالبته بإنشاء بنك للمبادرات المتعلقة بالتنمية الاجتماعية، مشددا على حاجة وزارة الشؤون الاجتماعية إلى استشاريين يقومون بتصميم مبادراتهم الاجتماعية وتقديمها بشكل كامل.
وأضاف: «ثمة أمور تحتاج إلى وضع وثائق يتم تقديمها إلى رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص الكبرى والمؤسسات المالية والبنوك وغيرها، حيث إن تلك الجهات بحاجة إلى أن نفكر نيابة عنها كوننا متخصصين في الجانب الاجتماعي»، مشيرا إلى أن طلب دعم المشاريع الاجتماعية من قبل الوزارة يعد حتى الآن بدائيا، الأمر الذي يحتم العمل باحترافية وجدّية لعقد شراكات مع أي جهة.
وكشف عن قرب انتهاء الوزارة من إطلاق وكالة تابعة لها متخصصة في التنمية الاجتماعية، والتي تم الإعلان عن إنشائها منذ نحو عامين، لافتا إلى أن تلك الوكالة يندرج تحتها أكثر من 300 لجنة للتنمية، من أبرزها التدريب الحرفي للنساء الذي تم دعمه بمبلغ 60 مليون ريال.
كما أعلن عن وجود توجه جديد لدى وزارة الشؤون الاجتماعية لأن يكون الدعم المادي المقدم للجمعيات التابعة لها قائما على برامج التنمية الاجتماعية المقدمة من قبل تلك الجمعيات وليس كإعانة سنوية لها، مضيفا: «هذا التوجه من شأنه أن يخلق حافزا للجمعيات على تقديم برامج هادفة».
واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية المتحدثين عن تنمية الموارد المالية في الجمعيات الخيرية «مخطئين»، خصوصا أن ذلك الأمر يعتبر تحديا أمام تلك الجمعيات كي تبدع في تنمية مواردها بشكل احترافي لكسب ثقة الناس في ظل وجود ما يزيد عن 600 جمعية خيرية بالسعودية، مؤكدا أن الأصل في هذه الجمعيات اعتمادها على نفسها باعتبار أن إعانة الوزارة لها تعد رمزية، بحسب قوله.
يأتي ذلك في وقت انطلقت فيه أمس فعاليات اليوم الثاني من منتدى «التنمية الاجتماعية»، التي سلط خلالها عدد من خبراء التنمية الضوء على المسؤولية الاجتماعية وسبل تفعيلها للتنمية، وأهمية الخدمة التطوعية والتعليم، والتركيز على الخطط التنموية وتكاملها ما بين خطط الجمعيات والخطة التنموية الوطنية وأهداف الألفية للأمم المتحدة، وذلك عبر بناء قدرات وتحسين أداء القطاع غير الربحي.
وشهد المنتدى في يومه الثاني إطلاق مبادرتين للنهوض بالفكر والعمل التنموي في السعودية، تمثلت إحداهما في توقيع اتفاقية بين كل من جمعية ماجد بن عبد العزيز للتنمية والخدمات الاجتماعية ومركز أبحاث جامعة كولومبيا في الشرق الأوسط وكلية دار الحكمة للتعاون في تأهيل وتدريب العاملين في القطاع غير الربحي، بينما جاءت الثانية لإطلاق المكتبة الرقمية للعطاء الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية.
وتهدف المبادرة الأولى إلى الاستفادة من تجربة معهد التنمية المستدامة في مركز أبحاث جامعة كولومبيا بالشرق الأوسط في تطبيق منهج التدريب المتكامل للتنمية المستدامة، الذي يجمع بين التدريب العملي الميداني والمفاهيم النظرية في ممارسات التنمية المستدامة لبناء قدرات العاملين في القطاع غير الربحي، بينما جاءت الشراكة الثلاثية من أجل تفعيل آلية العمل بين كل من جمعية ماجد بن عبد العزيز للتنمية والخدمات الاجتماعية وجامعة كولومبيا وكلية دار الحكمة للتعاون في تأهيل وتدريب العاملين في القطاع غير الربحي.
وتتمحور أهداف المبادرة الثلاثية حول إشراك الشريحة المستهدفة من المتدربين في منتدى التنمية الاجتماعية لأخذ معلومات عن خلفياتهم واحتياجاتهم وإعلان المبادرة وتسجيل المهتمين، ودراسة البيانات الموجودة عن الاحتياجات التدريبية للقطاع غير الربحي، وحضور عدة دورات في تخصيص المنهج والعمل على تدريب المتدربين والدورات التدريبية قبل الإطلاق الرسمي، عدا عن العمل على جعل هذه الدورة التأهيلية معتمدة من الجهات الرسمية في السعودية لتصبح شهادة مطلوبة للعاملين في القطاع غير الربحي.
المبادرة الثانية لإطلاق المكتبة الرقمية للعطاء الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية، تعد أول مكتبة رقمية من نوعها في العالم تسعى لإتاحة مخزون معرفي عالمي حول العطاء الاجتماعي بكل أشكاله، لتشمل الوثائق الأصلية والتقارير ورسوم الغرافيك والتسجيلات الوقفية والتحليلات العلمية في الدول ذات الأغلبية المسلمة والمجتمعات الإسلامية حول العالم. وهنا علقت شيرين طرابلسي، مديرة مشروع المكتبة الرقمية، قائلة: «إن المكتبة الرقمية للعطاء الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية هي أول مكتبة رقمية من نوعها في العالم، كونها تفسح المجال للوصول إلى جميع الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتاريخية لمفهوم العطاء في العالم الإسلامي عبر أحدث الأدوات الرقمية وسبل التواصل الاجتماعية».
وبالعودة إلى الدكتور يوسف العثيمين فقد أفاد بأن فرص طرح مبادرات التنمية الاجتماعية متاحة في ظل وجود تجارب عالمية جاهزة، إلا أنه من الضروري جدا إعداد العدّة لتطويع هذه التجارب بشكل يتناسب مع المجتمع السعودي. ولكنه استدرك قائلا: «هناك تحديات كثيرة تواجهنا، وتتضمن ثقافة الجنوح نحو الرعوية، مما يحتم علينا ضرورة تفعيل شراكة الدولة مع القطاع الخاص بشكل واضح لإحداث فكر جديد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التغير لن يحدث بين عشيّة وضحاها، وإنما لا بد من الاستمرار والجدية للانتقال بالحالة الذهنية والتحول إلى الاستدامة».
وأكد على حاجة الكثير من الأجهزة الحكومية إلى قليل من الصبر للقضاء على البيروقراطية التي تعاني منها، وذلك من خلال عملها مع الوكالات وغيرها، إضافة إلى ضرورة التنسيق في ما بينها وفق نظرة جادة.
واستطرد في القول: «ينبغي إيجاد آلية تنسيق بين صناديق الدعم والمؤسسات للمشاركة في مساعدة المستفيد منها وليس حرمانه من الاستفادة، عوضا عن التنافس في ما بينها لتحقيق الهدف نفسه»، مشددا في الوقت نفسه على أهمية تدريب منسوبي الأجهزة الحكومية بهدف تحقيق القناعة التامة لديهم والدراية الكافية في ممارسة العمل الاجتماعي والتنموي.
واستنكر الدكتور يوسف العثيمين إلقاء العبء بالكامل على وزارة الشؤون الاجتماعية في ما يتعلق بتحولها من تقليدية إلى تنموية، مبررا ذلك بقوله: «نستطيع جلب الفرس إلى النهر، إلا أننا لا نستطيع إجباره على الشرب»، بحسب وصفه. وزاد: «تعاني الوزارة من عدم التفريق بين الظاهرة والمشكلة والحالة الفردية الاجتماعية، خصوصا أننا لا يمكننا تصنيف أي مشكلة كظاهرة إلا في حال تطبيق معيارين يتضمنان حصر أعداد الحالة ومقارنتها بإجمالي عدد السكان، إلى جانب قياسها بالمعدلات العالمية»، مبينا أن المبادرات الاجتماعية لا بد أن تكون مبنية على دراسات.
فعاليات اليوم الثاني لمنتدى التنمية الاجتماعية تضمنت أيضا جلسة بعنوان «أهمية الشراكة لتحقيق المسؤولية الاجتماعية للاستثمارات الأجنبية»، وأعلن خلالها عمرو الدباغ محافظ الهيئة العامة للاستثمار عن بلوغ نسبة السعودة في الشركات المرتبطة بالهيئة ما يقارب 27 في المائة، في حين لا تزيد عن 10 في المائة في الشركات الأخرى.
ولفت إلى أن السعودية تشترط توفر المعاملة بالمثل في ما يتعلق بأنظمة الاستثمار الأجنبي، وإيجاد سلة من الحوافز لإرضاء الأطراف، وربط المؤشرات بالحوافز للشركات المصنفة والشركات الداعمة لها، موضحا أن المملكة ملتزمة نحو المستثمرين بتسهيل الإجراءات الخاصة بهم. وبيّن عمرو الدباغ أن الهيئة العامة للاستثمار أطلقت الكثير من المبادرات التي تهدف إلى رفع تنافسية القطاعين العام والخاص والأفراد بما فيه خدمة المجتمع السعودي بالتعاون مع عدد من الشركاء الاستراتيجيين الداعمين لتلك المبادرات، مشيرا إلى أن سياسات الهيئة مرتبطة بالتحفيز وليس الإجبار في ما يتعلق بالمستثمرين الأجانب.
وأضاف: «إن وعي الشركات العاملة في السعودية تجاه أدوات وتطبيقات (التنافسية المسؤولة) حقق زيادة ملحوظة، حيث إن عدد الشركات المشاركة في مؤشر التنافسية المسؤولة قد ارتفع من 40 في عام 2009م إلى 115 شركة خلال العام الحالي 2011م، وواكب ذلك تحسن في الأداء العام للشركات التي انضمت منذ بداية عام 2009م، إذ حققت تلك الشركات تحسنا في أدائها السنوي بمتوسط بلغ نسبة 6.8 في المائة».
وأبان بأن الهيئة العامة للاستثمار تدرس حاليا بالتعاون مع جمعية الأمير ماجد بن عبد العزيز للتنمية الاجتماعية فكرة إطلاق مؤشر لتقييم تنافسية الجمعيات الخيرية العاملة بالسعودية ومقارنة أدائها وسياساتها وإجراءاتها وممارساتها بأفضل المعايير والممارسات العالمية.
كما شملت فعاليات منتدى التنمية الاجتماعية أمس عدة جلسات، من بينها ثلاثية التنمية المستدامة «المجتمع والبيئة والاقتصاد»، ومفهوم الشراكات، وأهمية دراسة الظواهر الاجتماعية وتحديد الاحتياج في بناء الشراكات، وغيرها من الجلسات.
يشار إلى أن منتدى التنمية الاجتماعية في دورته الثانية انطلق أول من أمس برعاية الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والذي تنظمه جمعية ماجد بن عبد العزيز للتنمية والخدمات الاجتماعية، ويختتم أعماله اليوم في فندق «هيلتون جدة».