اليمن: قتلى وجرحى في اشتباكات مسلحة.. واستمرار المساعي الخليجية لحل الأزمة

شباب الثورة اليمنية يصعدون مطالبهم بتشكيل مجلس رئاسي انتقالي

متظاهرون يمنيون ضد الحكومة اليمنية يرددون هتافات تطالب بتشكيل مجلس رئاسي انتقالي لطي صفحة نظام الرئيس علي عبد الله صالح والحيلولة دون عودته إلى صنعاء (رويترز)
TT

صعد شباب الثورة في اليمن من احتجاجاتهم التي تحولت إلى مطالب جديدة بخلاف إسقاط النظام، حيث باتوا يطالبون بتشكيل مجلس انتقالي، في وقت تواصلت فيه المواجهات العنيفة في محافظة تعز، حيث تمكن المسلحون المؤيدون للثورة الشبابية من إحراق عدد من الآليات العسكرية قرب مدينة تعز، في حين شهدت عدن عصيانا مدنيا شاملا هو الأنجح من نوعه منذ بدء الاحتجاجات. ففي منطقة القاعدة الواقعة بين محافظتي إب وتعز، دارت مواجهات عنيفة بين مسلحين شعبيين وقوات من الحرس الجمهوري، وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن المسلحين الداعمين للثورة الشبابية، اعترضوا طريق 3 كتائب كانت في طريقها من صنعاء ويريم إلى تعز، في سياق التعزيزات العسكرية للحرس الجمهوري الذي مني بخسائر جسيمة في مواجهاته خلال الأيام الماضية، مع من يسمون «صقور الحالمة»، والذين يعلنون أنهم يدافعون عن شباب الثورة السلمية، بعد استمرار قمع احتجاجاتهم وقتل العشرات منهم.

وأشارت المصادر إلى قيام المسلحين بإحراق عدد من الآليات العسكرية والاستيلاء على طواقم عسكرية تابعة للواء 33 مشاة في منطقة الضباب، وإلى أن هناك استياء واسعا في المنطقة جراء ما قالوا إنه أعمال سلب ونهب تعرضت لها مدينة القاعدة، وقد تحدثت المصادر عن انسحاب القوات العسكرية الموالية للرئيس صالح من النقطة العسكرية المرابطة في قرب المدينة بعد تلك الاشتباكات التي كان أفراد تلك النقطة، أيضا، طرفا فيها، وذكرت مصادر مطلعة أن عددا من المواطنين سقطوا قتلى وجرحى في قصف لدبابات الحرس الجمهوري على منطقتي مفرق ماوية والذكرة في تعز، وفي محافظة الحديدة بغرب اليمن، سقط عدد من الجرحى في إطلاق الرصاص الحي والقنابل الدخانية على «ساحة التغيير» الكائنة بحديقة الشعب بوسط المدينة، من قبل قوات الأمن ومجاميع البلاطجة، وقد أصيب العشرات من المعتصمين بجراح وحالات إغماء في أحدث موجة قمع تتعرض لها الساحة بعد هدوء دام أكثر من أسبوعين. أما في محافظة البيضاء، فقد أصيبت امرأتان ودمر أحد المنازل في قصف قوات الحرس الجمهوري على حي المخفاج بوسط مدينة البيضاء. من جانبها قالت مصادر أمنية يمنية إن «مجموعة مسلحة خارجة عن النظام والقانون شنت فجر (أمس) هجوما مسلحا في محاولة منها لاقتحام مبنى المجمع الحكومي بمركز المحافظة». وأشارت المصادر إلى أن «الأجهزة الأمنية تصدت لتلك العناصر المسلحة ومنعتها من اقتحام المبنى وأجبرتها على الفرار»، وإلى أنه «لم تحدث أي أضرار مادية أو بشرية».

على الصعيد السياسي، التقى الفريق عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس اليمني والقائم بأعماله، أمس، بسفراء المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن اللقاء كان إيجابيا. وقال مصدر خليجي لـ«الشرق الأوسط»، رفض الكشف عن اسمه، إن اللقاء بحث إعادة إحياء المبادرة الخليجية وكيفية توفير الأجواء المناسبة لذلك من خلال وقف إطلاق النار والاستمرار في الوساطة السعودية بين القوات الموالية للرئيس صالح ومسلحي زعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر، وردا على سؤال حول وقوف أبناء الرئيس صالح وأبناء أشقائه حجر عثرة أمام أداء الفريق هادي لمهامه، قال المصدر إنه لم يلمس ذلك، وإنما لمس واطلع على أداء وعمل دؤوب لتطبيق وقف إطلاق النار وتطبيع الأجواء في ضوء المشاورات الحالية.

وكانت ترددت أنباء في الساحة اليمنية تشير إلى أن خلافات حادة وقعت بين القائم بمهام الرئيس اليمني وبين نجل صالح قائد الحرس الجمهوري وغيره من أقرباء الرئيس الذين يمسكون بالمؤسسات العسكرية والأمنية، حول قرار هادي وقف إطلاق النار مع جماعة الشيخ الأحمر وتجديد الوساطة والهدنة معها، في ظل عدم التزام القوات العسكرية التي يقودها أحمد وأقرباؤه بما تم الاتفاق عليه.

وحسب المصادر الرسمية فقد استعرض عبد ربه منصور هادي مع السفراء الخليجيين «مجريات الأحداث الراهنة على الساحة الوطنية والإجراءات التي تمت لتثبيت وقف إطلاق النار وتحرك لجنة مشتركة لمعالجة الآثار المترتبة على ذلك وفي مقدمتها إخلاء المسلحين من المؤسسات والمباني الحكومية وإنهاء المظاهر المسلحة من الشوارع والطرقات في العاصمة صنعاء، خاصة بعد الاعتداء الإجرامي الذي استهدف فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية وكبار قادة ومسؤولي الدولة أثناء تأديتهم صلاة الجمعة بمسجد النهدين في دار الرئاسة».

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) عن هادي تأكيده على «أهمية تعاون دول مجلس التعاون الخليجي لمساعدة اليمن على الخروج من هذه الأزمة»، وتثمينه العالي لـ«مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، في تقديم 3 ملايين برميل نفط خام تصل تباعا لمصافي عدن بمعدل مائة ألف برميل يوميا للتخفيف من أزمة المشتقات النفطية في اليمن».

على الصعيد الميداني، خرجت مظاهرات مليونية في معظم المحافظات اليمنية تلبية لدعوة شباب الثورة لإعلان رفض الشباب عودة الرئيس علي عبد الله صالح إلى اليمن وللضغط على القوى السياسية لتشكيل مجلس انتقالي.

وفي عدن نفذ عصيان مدني وإضراب عام شامل بنسبة تصل إلى 100 في المائة، وحسب شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» فقد أغلقت كافة المحال التجارية أبوابها وحتى المؤسسات الحكومية والخاصة، تلبية لدعوة إلى العصيان، وبدت شوارع عدن خالية من حركة السير بنسبة كبيرة، في حين قطع شبان غاضبون معظم شوارع مديريات المدينة وبالأخص حي المنصورة وشارع مدرم الرئيسي بوسط عدن، حيث أحرق المتظاهرون، ليل أول من أمس، الإطارات ووضع ما تيسر لديهم لمنع حركة السير. وقد لوحظ خلو شوارع المدينة من أي وجود أمني، لكن قوات الأمن كانت ترابط في مداخل ومخارج المدينة وبكثافة عالية ومن مختلف الوحدات العسكرية والأمنية وكانت تقوم بتفتيش دقيق للسيارات القادمة إلى المدينة أو المغادرة.

على صعيد آخر، وفي ضوء الوساطة السعودية، بدأ أنصار زعيم قبيلة حاشد، الشيخ صادق الأحمر، أمس، تسليم المباني والمنشآت الحكومية التي استولوا عليها خلال المواجهات التي دارت، الأسبوعين الماضيين، بينهم وبين القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح والتي توقفت في ضوء هذه الوساطة. وكان عبد ربه منصور هادي، القائم بمهام الرئيس صالح، أصدر قرارا فور توليه مهامه بوقف المواجهات مع جماعة الأحمر وأوفد وسطاء لاستئناف الوساطة والهدنة، وتشرف على عملية تطبيق الاتفاق لجنة عسكرية برئاسة اللواء غالب مطهر القمش، رئيس جهاز الأمن السياسي (المخابرات) وهو أحد الوسطاء المحليين، وينص الاتفاق على أن تسلم جماعة الأحمر المباني التي استولت عليها مقابل انسحاب القوات الموالية لصالح من حي الحصبة الذي شهد المواجهات، ويسيطر أنصار الأحمر على وزارتي الإدارة المحلية والاقتصاد والتجارة والمقر الرئيسي لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ومبنى وكالة الأنباء اليمنية وغيرها من المباني الحكومية الواقعة في الحصبة بالقرب من قصر الشيخ الأحمر.