مناقشة قانون ضد تعنيف النساء.. تثير جدلا في لبنان ومعارضة دينية

رئيسة الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة: الهدف من إقراره تحديد أشكال حماية المرأة وأطفالها

TT

لم يخطر على بال سارة يوما أن زوجها الذي جمعتها به علاقة حب كبيرة قد يصل إلى لحظة سيرفع فيها يده عليها ويبرحها ضربا داخل منزلهما الزوجي، الذي بنياه معا، حجرا فوق حجر. «بدأت الحكاية بضربة كف وتطورت بعد ولادة ابنتنا وصولا إلى ضربي بشكل دائم كلما عارضته في رأي ما أو أردت مناقشته في مسألة معينة»، تقول سارة، المتحدرة من أسرة لبنانية ميسورة والتي اختارت أن تؤسس بيتها الزوجي مع من اختاره قلبها على الرغم من معارضة العائلة.

لا تجرؤ سارة على إخبار والدتها أو شقيقاتها بما تتعرض له داخل منزلها، ولا تجرؤ على رفع صوتها في وجه زوجها المهندس الذي لم يكمل بعد عامه الأربعين، وهي لا تجد أمامها سوى الانصياع لرغبات زوجها مفضلة «السترة» والحفاظ على «خصوصيات منزلها» حتى يهدي الله زوجها.

ليست حالة سارة بنادرة في المجتمع اللبناني، الذي وعلى الرغم من المظاهر التحررية الخادعة التي تحيط به أحيانا، لا يزال في باطنه مجتمعا ذكوريا سلطويا، وهو ما تعكسه تركيبة المجلس النيابي ومؤخرا الحكومة على سبيل المثال لا الحصر، حيث يرتبط وصول المرأة إلى مركز سلطوي بوجود الرجل في معظم الأحيان، على الرغم من أن النساء يشكلن 53% من المجتمع اللبناني. وتؤكد الجمعيات المعنية بحقوق المرأة وحمايتها من العنف الأسري أن حالات تعنيف النساء منتشرة بكثرة في المجتمع اللبناني، لكن وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لم تتحول قضية تعنيف النساء إلى شأن عام في لبنان بعد، لا سيما في ظل غياب وجود قانون يخلق الرادع ويحدد العقوبات.

وإذا كانت مناقشة مجلس النواب عبر اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة لمشروع القانون المحال من مجلس الوزراء بعد إقراره في أبريل (نيسان) 2010 بمرسوم يحمل الرقم 116، والرامي إلى حماية النساء من العنف الأسري، قد دفعت المجتمع المدني ومؤسساته المعنية والنساء المعنفات إلى عقد الآمال على إمكانية وضع حد للواقع المأساوي، إلا أن ما صدر من مواقف سياسية ودينية في الفترة الأخيرة يعيد مجددا تسليط الضوء على الإشكالية القائمة في لبنان والناتجة عن التداخل الحاصل بين القوانين والمؤسسات الدينية.

ويثير مرسوم حماية المرأة من العنف الأسري ردود فعل معارضة، آخرها ما صدر بالأمس عن دار الفتوى التي أشارت إلى «مخالفات شرعية دينية خطيرة يتضمنها مشروع القانون وتؤدي إلى تفكيك نسيج الأسرة المسلمة في لبنان وتمييع تربية الأولاد على نهج الإسلام الحنيف، فضلا عن تداخل صلاحيات المحاكم الشرعية والمدنية ذات الصلة وتنازعها».

ولا تبدو حملة الاعتراض التي يتعرض لها مشروع القانون هذا بمختلفة عن كل الحملات التي يلاقيها طرح أي مشروع قانون مدني في لبنان، على غرار إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية والسماح بالزواج المدني. وكانت دار الفتوى، وفي اجتماع موسع عقدته برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، أشارت إلى أن «الغاية من مشروع القانون لم تكن في ذهن واضعيه تحسين وضع الأنثى، وإنما تفكيك التركيبة الاجتماعية للأسرة وقلب رأس الهرم الاجتماعي على الطريقة الغربية التي لا تلائم قواعد مجتمعاتنا وقيمها». ورأت دار الفتوى أن «تحويل المراكز الاجتماعية أو الصحية إلى دائرة استخباراتية لتلقي الشكاوى، ثم إلزامها إحالتها على النيابة العامة، هو تغيير جذري لدور المؤسسات الاجتماعية والصحية، بما يهدد رسالتها الإنسانية، كما أن تحويل المؤسسات القضائية إلى مراكز إخبار بالعنف الأسري عند الاشتباه في وقوعه يشكّل مانعا حادا من السير في مساعي الصلح وإنهاء الخلافات حبيا بالتراضي بين الأطراف..».

وفيما حمل المجتمعون على ما تأتي به «بعض الجمعيات النسوية العلمانية من ترجمات موتورة لقوانين غربية»، حذروا من «أي خرق للضوابط الدينية والقواعد الفقهية»، مؤكدين «الرفض القاطع لأي مشروع قانون يمس بأحكام الشرع الحنيف تحت عناوين براقة مثل الحماية ومناهضة العنف، باعتبار أنَّ الإسلام قد كفل حق الضعيف في المجتمع كائنا من كان، وأوجب حمايته وصونه ورعايته دينيا وأخلاقيا».

وفي تعليق على المواقف المعارضة، أبدت زويا روحانا، رئيسة الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة (كفى)، وهي الجمعية التي قدمت المسودة الأولى لاقتراح القانون في عام 2008، أسفها الشديد لمقاربة الموضوع من هذه الزاوية. وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف من إقرار القانون هو «حماية المرأة من درجات العنف التي تتعرض لها في منزلها والتي قد تصل إلى مرحلة الخطر»، موضحة أنه «يقدم أشكال الحماية التي يمكن للقاضي أن يقررها لحماية المرأة وأطفالها في منزلها الزوجي».

وشددت على أن «للقانون طابعا وقائيا أكثر مما هو قانون عقوبات، وإن كان يلحظها»، معتبرة أن «الهدف من ذلك هو دفع الدولة اللبنانية إلى تحديد موقفها من الموضوع عوض الاستمرار عن وضعه في خانة (خصوصية العائلة)». ومن شأن إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري أن يخلق رادعا للرجل الذي سيفكر سلفا بما سيترتب عليه من عقوبات قبل ممارسته العنف وأن يحد من شريعة الغاب السائدة في هذا المجال. وتأتي أهميته في ظل استمرار النساء في التعتيم على العنف الذي يتعرضن له بسبب ضغوطات اجتماعية وثقافية واقتصادية.

وتشير روحانا إلى أن «الصحف اللبنانية منذ مايو (أيار) 2010 حتى مايو 2011 تحدثت عن 10 حالات قتل نساء نتيجة العنف المنزلي»، وأوضحت أن جمعية «كفى» استقبلت منذ بداية العام نحو 100 امرأة معنفة، مع العلم بأن النساء اللواتي يجرؤن على اللجوء إلى جمعيات المجتمع المدني غالبا ما يكن قد تعرضن لدرجة متقدمة من العنف المنزلي إلى حد لا يمكن السكوت عنه أكثر.

وإذا كانت مؤسسات المجتمع المدني ترى في معارضة إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري تهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على سلطة الرجل داخل المنزل، تأمل سارة أن يأتي اليوم الذي تتخطى فيه مرحلة كونها مكسر عصا زوجها، كما هو حال بناء الدولة المدنية في لبنان التي يبدو أنها ستبقى مكسر عصا المؤسسات الدينية والسلطة الذكورية حتى إشعار آخر.