قال مصرف «يو بي إس»، أكبر البنوك السويسرية إن الدولار ربما يفقد موقعه كـ«عملة احتياط دولية» خلال الـ25 عاما المقبلة. وقال البنك السويسري في تقرير حول نتائج مسح أجراه بين مديري بنوك مركزية تملك احتياطات دولارية تقدر بنحو 8 تريليونات دولار، إن الدولار ربما يستبدل كـ«عملة احتياط عالمية مهيمنة» في احتياطات المصارف العالمية بنظام جديد مبني على سلة عملات. وتمثل نتائج هذا المسح نقطة فارقة مع المسوحات الأخرى التي أجريت وسط مديري البنوك المركزية لنفس الغرض في الأعوام الماضية، والتي أثبتت أن معظم المديرين أكدوا أن الدولار سيظل عملة الاحتياط العالمية الرئيسية. وشمل مسح «يو بي إس» نحو 80 من مديري الاحتياطات في البنوك المركزية العالمية ومديري محافظ الاستثمار السيادية ومؤسسات استثمارية متعددة، أثناء المؤتمر الذي عقدته الأسبوع الماضي لصناديق الثروة السيادية. ولكن في مقابل هذه النتيجة لاحظت «الشرق الأوسط» أنه لا توجد عملات قوية يمكن أن تكون بديلة للدولار، فاليورو يواجه احتمالات السقوط وسط أزمة الديون المتفاقمة في منطقة اليورو، والين الياباني يواجه كارثة المفاعلات النووية وعملية إعادة بناء دمار التسونامي. كما أن اليوان لم يحرر بعد. والعملات القوية الوحيدة، هي عملات صغيرة من حيث حجمها التجاري وحجمها في سوق الصرف العالمي، وأهمها الإسترليني ثم الفرنك السويسري وربما عملات أخرى مرتبطة بالدول التي تملك صناعات تعدين الذهب مثل أستراليا وجنوب أفريقيا. وهذه عملات نصيبها من حجم التبادل العالمي ضئيل جدا ولا يمكن أن تشكل حصة من الاحتياطات. وحتى الآن لا يوجد بديل يعتد به للدولار.
وكانت مجلة «فورن ريبورت» الأميركية قد توقعت في مقال كتبه الاقتصادي باري إيشنغرين، احتمال أن يستبدل الدولار كـ«عملة احتياط دولية» بسلة عملات ضمن نظام جديد للاحتياط النقدي العالمي. وقال المقال يجب عدم النظر إلى نظام الاحتياط الذي سيحل مكان الدولار على أساس أنه مصدر خطر، لأن مثل هذا النظام سبق أن عمل بمرونة تامة قبل الحرب العالمية الأولى. وقال إن ترتيبات النظام النقدي العالمي القائم على سلة عملات سيمنع عدم الاستقرار الذي شهدته الأسواق في الفترة الأخيرة، حيث تم إغراق الدولار بسيل من طلبات التمويل والاحتياطي من قبل دول الاقتصادات الناشئة، مما أدى إلى فقاعة الأصول التي قادت إلى الكارثة المالية في أميركا والعالم.
ويلاحظ أن الدولار حل مكان الإسترليني كـ«عملة احتياط عالمية» في أعقاب الأزمة المالية التي تعرضت لها بريطانيا العظمى في الثلاثينات، حيث تعرضت بريطانيا لأزمة مالية، ثم أزمة مصرفية ثم تحولت الأزمات إلى أزمة عملة الإسترليني. وكان وقتها الإسترليني مغطى بالذهب. وكان لا بد لبريطانيا أن تفك الغطاء الذهبي حتى تتمكن من توسيع الكتلة النقدية والخروج من الركود الاقتصادي في وقت بدأت فيه تواجه تحديات أوروبية. ومنذ ذلك الوقت حولت المصارف العالمية جل احتياطاتها من الإسترليني إلى الدولار.
ونسبت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» في تعليق بهذا الصدد أن نتيجة هذا المسح تعكس حالة عدم الاقتناع بالاحتفاظ بالدولار كـ«عملة احتياط دولية» وسط عجز الحكومة الأميركية عن حسم موضوع رفع سقف الديون وخفض العجز في الميزانية الأميركية. ويذكر أن الدولار الأميركي فقد نسبة 5 في المائة من قيمته الشرائية خلال العام الماضي. ولكن أكبر مخاوف المستثمرين تبقى فشل سياسة التيسير الكمي التي أغرقت الأسواق بالدولارات وفشلت في إنعاش الاقتصاد الأميركي. وذلك إضافة إلى ارتفاع معدل الديون الأميركية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي إلى قرابة 100 في المائة وضعف نمو الاقتصاد.
ووصف مصرف ميريل لينش في تقرير حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أن تصريحات رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي بن بيرنانكي في الأسبوع الماضي، تظهر حالة عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد الأميركي ومن المتوقع أن ينهي مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في شهر يوليو (تموز) خطة التيسير الكمي الثانية التي اشترى بموجبها 600 مليار دولار من السندات الأميركية المتعثرة.
ورغم ضخ مصرف الاحتياط الفيدرالي أكثر من 3 تريليونات دولار في الاقتصاد والسياسات النقدية المرنة والكرم الحاتمي خلال الأعوام التي تلت الأزمة المالية العالمية، فلم يوفق في أحداث انتعاش يذكر في الاقتصاد الأميركي. وبرر مصرف ميريل لينش في تقريره أمس عدم نجاح سياسات البنك المركزي الأميركي بقوله «إن معظم الثروات والقروض والدخول الأميركية التي تحققت من سياسة التيسير الكمي والسياسة النقدية المرنة تدفقت على الشركات الكبرى وأصحاب الثروات الضخمة الذين ليست لديهم شهية الإنفاق في الاقتصاد الأميركي». وسط هذه العوامل السالبة ترتفع حالة القلق بين المستثمرين في الدولار والموجودات الدولارية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
إلى ذلك، حذرت وكالات التصنيف الائتماني الأربع الرئيسية في العالم، الولايات المتحدة بأنها ستقوم بخفض تصنيفها الائتماني الممتاز (تريبل آي) للولايات المتحدة، إذا لم يوافق الكونغرس على رفع سقف الدين الأميركي البالغ 14.3 تريليون دولار، وهو الحد الأقصى الذي لا يمكن الاستدانة عليه إلا بموافقة الكونغرس حسب القانون الأميركي. وقالت وكالة «موديز» في بداية الشهر الحالي إنها ستقوم بخفض تصنيفها إذا لم يوافق الكونغرس على رفع سقف الدين العام الأميركي بحلول النصف من شهر أغسطس (آب). من جانبها هددت وكالة «فيتش» في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، أنها ستخفض تصنيف أميركا إذا لم تف بتعهداتها الخاصة بخدمة الفوائد على السندات الأميركية في شهر أغسطس المقبل. وكانت وكالة «ستاندرد آند بورز» قد خفضت توقعاتها لمستقبل التصنيف السيادي للولايات المتحدة، ولكنها لم تخفض تصنيف الولايات المتحدة. وقدرت وكالة «ستاندرد آند بورز» في تقرير صدر مؤخرا، حجم الخسائر التي سيتكبدها المستثمرون في السندات الأميركية في حال فقدان الولايات المتحدة التصنيف الائتماني الممتاز (تريبل آي) بنحو مائة مليار دولار. كما قالت إن الخزانة الأميركية ستضطر إلى دفع نفقات إضافية قدرها 3.75 مليار دولار سنويا مقابل خدمة الفوائد لكل تريليون دولار من الديون.