روبرت ميردوخ يلغي «نيوز أوف ذي وورلد» من مطبوعاته بعد 168 سنة من النشر

ضحية فضيحة القرصنة التي اعتبرت «أكبر فضيحة إعلامية بريطانية في التاريخ الحديث»

TT

بعد 168 سنة من النشر وتمتعها بأعلى مبيعات لأي صحيفة أسبوعية سيسدل الستار ابتداء من يوم الأحد المقبل على صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي يملكها إمبراطور الإعلام الاسترالي روبرت ميردوخ، رئيس مؤسسة «نيوز كوربورشن» التي تملك «نيوز إنترناشونال» والتي تملك بدورها عددا من الصحف الشعبية والرصينة البريطانية. وأعلن جيمس ميردوخ الابن الأصغر لروبرت ميردوخ رئيس مؤسسة «نيوز إنترناشونال» أن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» الصحيفة الأكثر مبيعا في بريطانيا ستصدر آخر عدد لها يوم الأحد المقبل، مضيفا «عندي لكم أخبارا مهمة تخص (نيوز أوف ذي وورلد) والخطوات التي قررنا اتخاذها للتعاون مع المشكلة الخطيرة والملحة».

يشار إلى أن «نيوز أوف ذي وورلد» إلى جانب «تايمز» وصنداي تايمز» و«ذا صن» مملوكة لشركة ميردوخ «نيوز إنترناشونال».

وقال جيمس ميردوخ في بيانه «من الطبيعي أن تكونوا أول من يعلم كزملاء في المهنة وعاملين في مؤسسة نيوز إنترناشونال وأن تسمعوها مباشرة مني. لهذا شكرا لكم على مجيئكم واستماعكم لي. لا تحتاجون أن يخبركم أحد بأن (نيوز أوف ذي وورلد) عمرها 168 عاما وأنها الأكثر مبيعا من أي صحيفة أخرى تصدر في اللغة الإنجليزية، وحازت على أكبر قسط من سوق الإعلان. أنها تتمتع بتاريخ فخور في مكافحة الجريمة وتصحيح الأشياء الخاطئة، كما أنها كانت القدوة في توجيه أجندة الأخبار في بريطانيا».

«عندما أقول للناس إنني فخور أن أكون جزءا من نيوز كوربورشن، أعني بذلك التزامنا بالكلمة الحرة التي تميزنا عن غيرنا.. لقد رحبنا بالتحقيقات المقترحة حول عمل الصحافة والمبادئ التوجيهية في المهنة، وسوف نتعاون بشكل كامل معها».

«وكما قلت، لقد اقترفنا بعض الأخطاء. وأتمنى منكم جميعا في داخل وخارج الشركة أن تعرفوا أننا سنعمل ما بوسعنا من أجل تصحيحها، ونتأكد أن لا تتكرر».

وجاءت هذه التطورات بعد يوم واحد من المداولات التي قام بها البرلمان البريطاني لدرس قضية تنصت الصحيفة على اتصالات هاتفية، والتي تحولت إلى فضيحة وطنية وأحرجت رئيس الوزراء البريطاني. وأعرب رئيس الحكومة ديفيد كاميرون عن «اشمئزازه» للمعلومات التي نشرت مؤخرا عن عمليات التنصت التي أجرتها في السنوات الماضية الصحيفة والتي قال إنها «لا تطال فقط سياسيين ومشاهير بل أيضا ضحايا حرب وحتى اعتداءات إرهابية».

وأكد أنه «يؤيد فتح تحقيق» حول «أخلاقيات مهنة الصحافة» معربا عن الأمل في أن يتم إعطاء الأولوية المطلقة «للتحقيق الذي تجريه الشرطة حاليا». واعتبر زعيم المعارضة إد ميليباند هذه التطمينات بأنها غير كافية في ضوء «أكبر فضيحة تطال الصحافة في العصر الحديث».

وطالب ميليباند بملاحقة أعضاء في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» وتشكيل لجنة تحقيق. ويتهم المحافظين بالتساهل حيال «نيوز كوربورشن» مجموعة ميردوخ التي تملك أيضا «نيوز أوف ذي وورلد».

وأعقب هذا التبادل الحاد بين الرجلين في البرلمان نقاش دام ثلاث ساعات. وأدان النواب «تجاوزات» الصحافة و«عدم أخلاقية» نيوز كورب.

من جهته وصف ميردوخ الاتهامات الموجهة للصحيفة بأنها «معيبة» و«غير مقبولة» وجدد في بيان دعمه للإدارة الحالية للصحيفة. وأدت قضية التنصت على الاتصالات الهاتفية التي تعود إلى مطلع عام ألفين إلى توقيف خمسة صحافيين بينهم ثلاثة من «نيوز أوف ذي وورلد» وسجن مراسل ملكي وتحر خاص وسلسلة استقالات منها استقالة أندي كولسن مدير مكتب كاميرون الإعلامي في يناير (كانون الثاني) بعد أن كان رئيس تحرير الصحيفة. وكانت عمليات التنصت شملت مئات لا بل آلاف الشخصيات من أفراد في العائلة المالكة وسياسيين ومشاهير أو رياضيين.

وقال بيان جيمس ميردوخ «وبعد أن تداولنا مع الزملاء، قررنا أن نتخذ خطوات حازمة بخصوص الصحيفة. وهذا الأحد ستنشر الصحيفة آخر أعدادها. كولن مايلر وهو رئيس التحرير الحالي للصحيفة سيشرف على العدد الأخير لها. كما قررت أن جميع ما يدخل الصحيفة من مردود هذا الأسبوع يذهب ريعه لصالح قضايا خيرية». وكان مايلر قد حاول قبل يوم فقط تطمين العاملين بأن الصحيفة تعمل حاليا تحت إدارة جديدة ولا دخل لها في إدارتها التحريرية الجديدة بما حدث في السنوات السابقة.

وأضاف ميردوخ «مع أنه لن يكون بوسعنا أن نعوض عن الألم الذي سببته للجريدة للآخرين، قررنا أن كل قرش نكسبه من عدد هذا الأسبوع سيذهب لمنظمات صديقة وشريكة تحاول تحسين وضع الكثير من الناس في بريطانيا وتعيد لهم كرامتهم. ولن ننشر أي إعلانات في هذا العدد الأسبوعي، أما المساحات المتاحة للإعلانات فسوف نخصصها للمؤسسات الخيرية لتعلن عن أعمالها للملايين من قرائنا».

«هذه خطوات كبيرة أقدمنا عليها، لكنها اتخذت احتراما للآخرين. أنا متأكد أنها خطوات صحيحة. الكثير منكم لم يكن له أي ارتباط في الصحيفة خلال السنوات التي يثار الكثير من التساؤلات حولها.. (نيوز أوف ذي وورلد) كانت دائما تحاسب الآخرين حول ما يقومون به، ولكن للأسف لم تقم بنفس المحاسبة تجاه نفسها».

وطالب قائد الشرط المنوط بالتحقيق في قضية القرصنة الناس بالتحلي بالصبر حتى يتسنى له التوصل إلى جميع الحقائق المرجوة وتمكينه من الاتصال بجميع ضحايا التنصت من عامة الناس، أي من الذين توجد أسماؤهم على القوائم التي أصبحت بحوزة جهاز سكوتلانديارد. وأعلنت سو ايكرز، مساعدة رئيس جهاز شرطة لندن أمس أن جهازها يقوم حاليا بدراسة أكثر من 11 ألف صفحة تحتوي على 4000 اسم قد تكون لها علاقة بقضية التنصت الذي قامت به صحيفة «نيوز اوف ذي وورلد». وقالت إن طاقمها سيقوم بالاتصال بكل شخص يرد اسمه في قوائم المعلومات الشخصية التي تم احتجازها لدى الجهاز منذ 2005.

وقال ميردوخ تعقيبا على النقاش الدائر حاليا بأن الشرطة ركزت في تحقيقاتها عام 2006 على شخصين «ولهذا لم نقم بالتحريات المطلوبة آنذاك.. ونتيجة لهذا فقد اعتبرنا أن الموضوع يخص مراسلا واحدا. لقد قدمنا كل الإثباتات التي لدينا لجهاز الشرطة»، مضيفا أن الصحيفة قدمت شهادتها أمام البرلمان دون أن يكون لديها كل الحقائق. هذا كان خطأ نندم عليه كثيرا.

الصحافة البريطانية التي وجدت نفسها في قفص الاتهام، حتى تلك التي ساعدت في كشف بعض الحقائق، أصبح عليها هي الأخرى أن تصحح مسارها وتبتعد عن استخدام محققين في الحصول على معلومات شخصية تدعم فيها تحرياتها الصحفية خصوصا بعد أن أعلن غلين مولكير، الشخص الرئيسي المتهم في القضية، أنه عمل مع أكثر من 30 صحيفة بريطانية يومية ولم تكن جميعها من نوعية «نيوز أوف ذي وورلد» وتضمنت الصحف الرصينة مثل صحيفة «الأبزيرفر»، الصحيفة الأسبوعية الشقيقة لصحيفة «الغارديان»، التي كانت من أوائل الصحف التي كشفت الموضوع.

فضيحة القرصنة التلفونية والتنصت التي هزت المؤسسة البريطانية تطلع علينا كل يوم بأسرار وخروقات جديدة. في الأمس وفي متابعة صحافية خاصة بها كشفت صحيفة «الديلي تلغراف» أن جورج ازبورن وزير المالية البريطاني، المتهم حزبه بعلاقات وطيدة مع إمبراطورية روبرت ميردوخ الإعلامية التي تقف وراء الفضيحة، هو نفسه على قائمة الشخصيات ضحايا التنصت والقرصنة. كما قالت الصحيفة إن عائلات الجنود البريطانيين ضحايا الحرب في أفغانستان والعراق هم أيضا من ضمن قائمة الأسماء التي تنصت عليها المحققون الخاصون بصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» على الرغم من موقف الصحيفة المتعاطف جدا مع الجنود وإطلاقها حملات لمساعدة أهاليهم. واتهم بعض المراقبين الصحيفة بالرياء والكذب والنفاق، وأنه لا يهمها أمر هؤلاء الضحايا أو أهاليهم.

وكشفت الصحيفة أمس في تقريرها المطول أنه عثر على المعلومات الشخصية لعائلات الجنود الذي قتلوا في الحرب في العراق وأفغانستان في ملفات غلين مولكير الشخص الرئيسي المتهم في قضية القرصنة والذي كان يعمل لحساب الصحيفة، والذي كان قد اعتقل وتلقى حكما في السجن بعد أن تبين أنه تنصت على الهواتف الشخصية لأبناء العائلة المالكة. هذا الاكتشاف الجديد في التنصت على عائلات الجنود القتلى أثار غضب المؤسسات الخيرية التي تعمل على راحة هؤلاء وتحاول التخفيف من أحزانهم على ما فقدوه. وصرحت مؤسسة خيرية عسكرية قائلة للصحيفة بأن ما قامت به الصحيفة «مقزز ولا يمكن الدفاع عنه».

وبدأ أهالي ضحايا الجرائم، الذين قتلوا في عمليات إرهابية أو حتى في كوارث طبيعية، مطالبة الشرطة بالكشف عن ملفاتها لتبين لهم إذا كانوا فعلا من ضمن قوائم الهواتف التي حصلوا عليها خلال تحرياتهم الأولى.

وبالأمس أخبرت الشرطة وزير الخزانة اوزبورن أنه قد يكون من ضحايا فضيحة التنصت التي مارستها الصحيفة لسنوات طويلة ضد المشاهير والسياسيين وأبناء العائلة الملكة وحتى بعض كبار جهاز شرطة سكوتلانديارد الجهاز المتهم نفسه بتلقي بعض عناصره «رشى» مقبل تزويد الصحيفة ببعض المعلومات الخاصة حول بعض الأفراد.

تتركز الاتهامات حول الأساليب التي استخدمتها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، حيث تواجه الصحيفة اتهاما بإصدار أوامر بالتنصت على المحادثات الهاتفية بحثا عن السبق في أخبار تتعلق بحالات تتراوح بين خطف الأطفال والقتل وحتى تفجيرات لندن التي وقعت في يوليو (تموز) 2005. وفي تطور ذي صلة، أكدت شرطة العاصمة لندن أن «عددا صغيرا» من الضباط تلقى أموالا «غير ملائمة» من الصحيفة في إطار التحقيقات الصحافية. ويطالب الكثير من رجال الشرطة أن يتركز التحقيق حول الجريدة في معرفة العلاقة بينها وبين جهاز الشرطة، خصوصا أن ريبيكا بروكس اعترفت بنفسها أن الجريدة دفعت أموالا لبعض الضباط.

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنها اطلعت على وثائق تكشف أن ضباطا تلقوا «عشرات الآلاف من الجنيهات» من الصحيفة على مدار سنوات، واصفة إياه «بي بي سي» بأنه قد يكون أمرا «غير قانوني».

كما تتركز الاتهامات التي ظهرت في إطار التحريات التي تجريها الشرطة بشكل كبير على المفكرات التي كان يحتفظ بها غلين مولكير، المحقق الخاص الذي عينته الصحيفة للعمل لحسابها منذ أكثر من عقد من الزمان. وفي عام 2007، صدرت أحكام بالسجن بحق مولكير ومحرر الشؤون الملكية بالصحيفة كليف غودمان، بعدما أدينا بالتنصت على رسائل هاتفية خاصة بمساعدين لشخصيات داخل القصر الملكي، بينهم مساعدو الأمير ويليام، نجل ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز.

وصرح مولكير في مقابلة مع «بي بي سي» بأنه نادم على «الجرح والضيق» الذي قد يكون تسبب فيه نتيجة أفعاله لكنه أشار إلى أنه تعرض لـ«ضغط شديد» من أرباب العمل لتحقيق «إنتاج».

واتسعت في وقت سابق الأسبوع الجاري، رقعة الفضيحة التي استمرت لفترة طويلة والتي ركزت في البداية على «أهداف» في عالم الملكية والسياسة والمشاهير، مع الكشف عن أن الصحيفة تنصتت على الهاتف الخلوي الخاص بفتاة مراهقة تدعى ميلي داولر كانت قد تعرضت للاختطاف، والقتل عام 2002.

وتم اللجوء إلى ممارسات مماثلة في قضية قتل فتاتين صغيرتين عام 2002 وأيضا بمحاولة التنصت على هواتف أقارب ضحايا التفجيرات الانتحارية التي استهدفت شبكة النقل في لندن. وفي تطور آخر للفضيحة، واجهت الصحيفة اتهاما على خلفية مزاعم تتعلق بالدخول غير القانوني على هاتف ميلي داولر، بعدما اختطفت، وقتلت عام 2002. وأكد المحامي وكيل والديها بوب وسالي، أنهما رفعا دعوى قضائية ضد الصحيفة بشأن مزاعم بأن محققا يعمل لدى الصحيفة قام بالقرصنة على هاتف الطالبة بينما كانت الشرطة تبحث عنها. وقال المحامي مارك لويس إن التصرفات «الشائنة والحقيرة» أعطت لوالدي داولر «أملا زائفا» بأن ابنتهما ما زالت على قيد الحياة، بعدما جرى حذف رسائل بريد صوتي من هاتفها الجوال بعد اختفائها. وبينما ملأ رجال الشرطة خلال البحث عن الفتاة ذاكرة هاتفها بالرسائل الصوتية، يزعم أن مولكير قام بحذف بعض الرسائل بهدف إخلاء مساحة لمزيد من الرسائل، وهذا ما قالته قبل أيام صحيفة «الغارديان»، التي بدأت بكشف خيوط الفضيحة.

ألقت الفضيحة التي تتسع رقعتها يوما بعد يوم الضوء على الإمبراطورية الإعلامية المملوكة لميردوخ. ودعا الكثير من السياسيين إلى استقالة ربيكا برووكس المديرة التنفيذية لـ«نيوز إنترناشيونال» الذراع البريطانية لمؤسسة «نيوز كوربورشن» المملوكة لميردوخ. وحث إد ميليباند زعيم حزب العمال، برووكس على «إعادة النظر في موقفها» في ظل ما تم كشفه حاليا.

وقال محللون إعلاميون إنه من المرجح أن تتسبب الفضيحة في تدمير سمعة صحف ميردوخ على نحو لا يمكن التنبؤ به وقد تهدد مساعيه للاستحواذ على قناة «بي سكاي بي» الفضائية البريطانية، والتي انخفض سعر سهمها بالسوق بعد الفضيحة. وجاء دليل آخر على تزايد العاصفة، حيث أعلن عدد من الشركات الصناعية العملاقة، بينها شركتا صناعة السيارات «فورد» و«فوكسهول»، وشركة «فيرجين هوليدايز» وبنك لويدز والمتاجر والسوبر ماركت وقف الإعلان في الصحيفة.

وقالت «نيوز إنترناشونال» إن المزاعم مثيرة «للقلق الشديد» وأعلنت عن فتح تحقيق من جانبها. وأصبحت ريبيكا بروكس المديرة التنفيذية لـ«نيوز إنترناشونال» والتي كانت رئيسة تحرير «نيوز أوف ذي وورلد» في ذلك الوقت في دائرة الضوء بسبب هذه المزاعم. وأمرت بإجراء تحقيق كامل وقالت إنها سوف «تسعى وراء الحقائق بنشاط وبنزاهة».

«نيوز أوف ذي وورلد» في سطور:

* رئيس تحريرها كولن مايلر

* التوزيع 2,606,397 نسخة (حسب آخر إحصائيات في مايو (أيار) الماضي

* عدد القراء: 7,489,0000

* تملكها «نيوز إنترناشونال» ذراع «نيوز كوربوريشن» العالمية في بريطانيا

* تاريخها: تأسست قبل 168 سنة.

* في عام 1912 وصل التوزيع إلى مليونين وازداد إلى 3 ملايين في العشرينات من القرن الماضي. وفي عام 1939 وصل إلى 4 ملايين.

* في عام 1950 أصبحت أكثر الجرائد مبيعا في العالم، إذ وصلت مبيعاتها الأسبوعية إلى 8,441,000. اشتراها روبرت ميردوخ عام 1969 من الراحل روبرت ماكسيويل (مجموعة الميرور).

واجهت قضايا تشهير قانونية.